خليل إسماعيل رمَّال
لم يحل عباقرة السياسة فـي لبنان بعد معضلة كيف تجري الإنتخابات البلدية والاختيارية فـي لبنان الأسبوع المقبل بينما الإنتخابات النيابية ممنوعة؟ فالأولى اكثر حساسيةً وشراسةً وتدخل فـي كل قرية وحتى فـي عمق البيت الواحد بينما انتخابات المجلس التشريعي تُشْغِل فقط المحافظات ولا تتطلب تحضيرات واجراءات كالذي تتطلبه انتخابات البلديات! هذه تساؤلات لن يجيب عليها النظام البالي تماماً مثل التساؤلات حول قانون «من أين لك هذا؟» وباقي القوانين التي تُطبَّق فقط على الفقراء مثل قانون السير الجديد وقانون العقارات، لا على وحوش المال والسياسة والبكوات مع حواشيهم وأذنابهم وعيالهم وطبقة المنتفعين والطفـيليين والأنصار منهم!
وحتى قبل إجراء الانتخابات البلدية بدأ الحديث يسري ويحوم حول تأجيلها لأنَّ وليد جنبلاط مرعوب من إمكانية خسارة حتمية فـي الشوف بعد اتحاد عون-جعجع.
وربَّما لهذا السبب فتح وليد جنبلاط معركة جانبية، لصرف الأنظار، بدايةً «بفنعوصة» مفتعلة مع عبد المنعم يوسف، إمبراطور الإنترنت الذي لا يُطال، وعلى الفساد المزعوم فـي شبكة الدعارة، فالحملة ضد نهاد المشنوق والجيش اللبناني، ثم الترويج بتقديم استقالته من مجلس النوَّاب التي طال انتظارها لتوريث إبنه المصون تأكيداً للديمقراطية اللبنانية التي يتغنَّى بها العالم. كل ذلك لتجييش الرأي العام عنده فـي حال حصلت الانتخابات البلدية. لكن حملة جنبلاط على عبد المنعم المدعوم مباشرة من تيار المستقبل، وخصوصاً فؤاد السنيورة، كانت «فافوشاً» ولم تؤتٍ أكلها وكما توقعنا تم القبض على الصغار فـي السرقة وبعض التوابع بينما تمت التغطية على السارقين الكبار وتُرك اللصوص الذين سرَّبوا معدات الإنترنت عبر الجمارك والمعابر الشرعية، وبقي عبد المنعم وزبانيته ينعمون بالمغانم والمكاسب من دون حسيب ولا رقيب.
إذاً الأفضل أنْ لا تتم أية انتخابات فـي لبنان، فلماذا تجري والنتيجة معروفة سلفاً والوجوه مكشوفة والبلديات تتبع النظام وهي كيانات سياسية لا شعبية ولا قروية ولا تنشد تنمية ولا تطويراً ولا مشاريع حداثوية، ولا تملك صلاحية القيام بأي شيء رغم أكذوبة نقل الأموال للبلديات، بينما الشعب قانع بمصيره (وكما تكونوا يولّى عليكم)!
الانتخاب الوحيد الممدوح فـي لبنان هو انتخاب حنا غريب أميناً عاماً للحزب الشيوعي اللبناني وهو أستاذ شعبي مشاغب نظيف لم تلوِّثه السلطة والمال وقد يعيد الحركة النقابية المطلبية بمعناها الانساني الواقعي لا بمفهومها التجريدي الماركسي، ويسترجع ألقها من دون حراك مدني مشبوه أو قوى سلطوية مقنعة غاشمة.
ووسط هذه المعمعة اللبنانية طُرح فـي البازار الإعلامي موضوع إنتخاب العماد ميشال عون لمدة سنتين انتقاليتين يتم بعدها التحضير لانتخاب رئيس جديد. وقيل ان بكركي وراء الفكرة الترقيعية المعيبة هذه حتى لا يبقى الفراغ فـي الموقع الماروني الأول، فـي حين بدأت حظوظ عون وفرنجية تضمحل أمام أنظار «١٤» و«٨ آذار» وهذا لغز سيُدرَّس مستقبلاً فـي جامعة هارفرد بعد حله، ويتضمن كيف يصبح فرنجية، الذي هو حليف الرئيس الأسد الحميم، المرشَّح الحماسي للحريري وجماعته التي تستميت بقتال الأسد وتقف مع آل سعود وبعد أنْ قال فرنجية والحريري فـي حق بعضهما ما لم يقله مالك فـي الخمر؟! وكيف تضع الحريرية فـيتو على عون الذي حارب سوريا سابقاً فـي لبنان ويملك حيثية مسيحية أكبر؟ وكيف يترشح شخص ذو سوابق رهيبة مثل سمير جعجع للرئاسة مدعوماً من تيار الحريري ثم يُرمى بجرة قلم من حليفه فـيقوم الأول بتأييد خصمه اللدود؟! وكيف تبقي عائلة الوهابيين على الخيط الرفـيع بين الحلفاء اللدودين؟! وكيف يسقط الحريري من حسابات آل سعود لصالح أشرف ريفـي؟ وكيف يتصالح عبد الرحيم مراد، المنبوذ من آل الحريري معه، ويمتدح آل سعود فـي عدوانهم على اليمن وهو مدَّع للناصرية؟ بل كيف يتناغم فـيصل كرامي مع الحريري وهو الذي كان والده حليفاً للمقاومة وأخذ حصة الشيعة لتتألَّف حكومة السيِّء الذكر ميقاتي؟ بل كيف يستشهد المئات من المواطنين فـي سوريا وخصوصاً فـي حلب وفلسطين والعراق واليمن ولا تُضاء صخرة الروشة كما أضاءت لفرنسا التي تحتجز مواطناً لبنانياً من دون وجه حق، ولبلجيكا؟ بل كيف يوصف نديم قطيش بأنه إعلامي؟
صفوة القول، يبدو أنَّ الانتخابات الرئاسية اللبنانية ملغاة حتى إشعار آخر لكي يتقرر من هو الرئيس الجديد فـي البيت الأبيض الأميركي، ونتيجة الجنون السعودي ضد إيران، والعدوان على سوريا واليمن لان لبنان متنفَّس المنطقة وملعبها رغم الهدوء الأمني النسبي، لا بفضل وحوش السياسة بل بفضل قدرات المقاومة. وحتى ذلك الحين، الكل يلعب ضمن الوقت الضائع فـي الملهاة الهزلية اللبنانية.
Leave a Reply