بيروت – كمال ذبيان
دخل لبنان مرحلة الإستحقاق الرئاسي وفق المهلة الدستورية التي حدّدتها المادة 73 من الدستور، والتي بدأت في 25 آذار، والتي تعطي فترة شهرين لمجلس النواب لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي سيحمل الرقم 13. وبعد 71 عاماً على الإستقلال الذي شهد إنتخاب أول رئيس للبنان بـ«قرار بريطاني» دعم بشارة الخوري، في مواجهة إميل إده المدعوم من الإنتداب الفرنسي، حيث كانت صناعة الرئيس الأول خارجية وليست لبنانية، ومنذ ذلك الحين، مازال اللبنانيون ينتظرون القرار الإقليمي والدولي لتسمية رئيسهم، حتى يقترعوا له، وهذا ما حصل في كل العهود الرئاسية باستثناء انتخاب الرئيس سليمان فرنجية الذي صنع في لبنان، لأن ظروف الحرب الباردة بين الجبارين الأميركي والسوفياتي انعكست بانتخاب رئيس الجمهورية لبنانياً في العام 1970، ومن أسباب ذلك أن المخابرات السوفياتية عملت على استدراج أحد الضباط اللبنانيين الطيار محمود مطر لخطف طائرة «ميراج» فرنسية الصنع لحسابها، لكنه أفشى السر لقيادة الجيش، مما تسبب بأزمة دبلوماسية، وتأجيج الحرب الباردة في لبنان، مما أدّى الى الإنشغال العالمي عن الإنتخابات الرئاسية اللبنانية، كما أن ظهور الثورة الفلسطينية والتجاذب العربي حولها، وانعكاسها حروباً ضد الأنظمة والدول التي فيها وجود فلسطيني، تأثّر بها لبنان قبل عام من إنتخابات رئاسة الجمهورية، حيث انفجر صدام مسلح بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية في العام 1969 أسفر عن إتفاق القاهرة بين الطرفين رعاه الرئيس المصري جمال عبدالناصر،الذي كان يدعم وصول «مرشح النهج» إلياس سركيس، لكن النائب كمال جنبلاط لم يجيّر أصوات كتلته النيابية (جبهة النضال الوطني) الى سركيس، بل وزّعها بينه وبين فرنجية، وجاء موقفه هذا تضامناً مع أصدقائه السوفيات بعد حادثة طائرة «الميراج».
ميشال سليمان |
وما حصل قبل 44 سنة، قد يتكرّر في هذه الإنتخابات التي تبدو أن صناعتها لبنانية وبطلها النائب وليد جنبلاط الذي سيستعيد الدور الذي لعبه والده في إنتخابات المرشحين فرنجية-سركيس، إذ رجحت أصوات كتلته الفوز لمرشح الوسط فرنجية.
فالنائب جنبلاط الذي ينسّق التحضير لإنتخابات رئاسة الجمهورية مع الرئيس نبيه برّي، وهما اللاعبان القويان اللذان سهّلا تشكيل الحكومة، وكانت صناعتها لبنانية مئة بالمئة، وأبعدا العوامل الخارجية عنها، بعد مرور نحو عشرة أشهر على تكليف رئيسها، فتمكّنا من أن يسقطا الشروط والشروط المضادة لأطراف الصراع الداخلي من «8» و«14 آذار»، وأبعدا تأثير الأزمة السورية عن ولادتها، بعد أن سعى كل طرف الى ربط تأليف الحكومة بمسار التطورات الميدانية في سوريا، كما في مشاركة قوى لبنابنة داخلية في القتال داخلها.
وما جرى أثناء تشكيل الحكومة، حصل في صياغة البيان الوزاري، وأدخلت المقاومة في نصه كوسيلة وأداة لصد أي عدوان إسرائيلي على لبنان، وتحرير ما تبقى من أرضه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لمدينة الغجر، على إعطاء الدور الأساسي للدولة، حيث أرضت هذه الصيغة كل مكونات الحكومة ونالت الثقة، لتبدأ مهمتها في إعداد الأجواء السياسية والأمنية، لحصول الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري كما أكّد الرئيس تمام سلام الذي أعلن أن من أولى مهمات حكومته اجراء هذا الإستحقاق لمنع وقوع البلد في الفراغ الرئاسي، الذي تحذّر بكركي منه أيضاً، وتطالب الدول بضرورة إجرائه، وفي طليعة المصرّين عليه دولة الفاتيكان التي ترى أن رئاسة الجمهورية لها رمزيتها لأنها تمثّل الوجود المسيحي في الشرق، في وقت يتعرض فيه للإنقراض في عدد من الدول العربية بفعل القتل والتهجير والإقصاء من المشاركة في الحياة السياسية، الى عوامل إقتصادية واجتماعية، وقد زاد من تفاقم أزمة الوجود المسيحي لاسيما في المشرق العربي التي تعرضت دوله للإحتلال الأميركي في العراق وقبله الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والحرب الأهلية في لبنان واحتلاله من قبل العدو الإسرائيلي الذي ساهم فيها، كما ادّعائه حماية المسيحيين الذين تهجروا بسبب ارتباط قوى سياسية به، تحت هذا العنوان والشعار.
فالإنتخابات الرئاسية تحظى بدعم دولي وإقليمي لإجرائها، وحث اللبنانيين للإتفاق على أن تحصل في موعدها حفاظاً على استمرار المؤسسات الدستورية وتداول السلطة، واحترام الدستور، وهو ما يعزّز الإستقرار والأمن، ويمنع انزلاق اللبنانيين نحو الإقتتال وتحييدهم عن الصراعات الخارجية، لاسيما ما يجري في سوريا التي بات الحريق فيها يمتد الى الجوار وتحديداً لبنان الذي بدأ يتأثر به باستخدام السيارات المفخخة، وتسلّل المسلحين إليه مع موجة النزوح الكثيفة والتي وصلت الى أكثر من مليون سوري، حيث يقدّر عدد المسلحين بينهم بنحو مئة ألف مسلح تغلغلوا في الأراضي اللبنانية.
فكما حصلت عملية تشكيل الحكومة لبنانياً، وصياغة بيانها الوزاري بأحرف لبنانية، فإن رئاسة الجمهورية ستكون هذه المرة لبنانية، كما يبدو من خلال مسار العملية، التي لم تتسرّب معلومات عن الإسم الذي سيكون رئيساً للبنان، إذ أن الأسماء المتداولة باتت معروفة ومحصورة بعدد من المرشحين، ويتم التداول بكل من: الرئيس أمين الجميّل، العماد ميشال عون، النائب سليمان فرنجية، النائب بطرس حرب، النائب روبير غانم، قائد الجيش جان قهوجي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، جان عبيد، زياد بارود، جوزف طربيه، ودميانوس قطار، والتركيز يتم على عقد الجلسة وتأمين نصابها القانوني أي ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب في الجلسة الأولى (82 نائباً)، وهو ممر إجباري لإفتتاح رئيس المجلس النيابي الجلسة، لأنه يشترط ووفق المادة 49 من الدستور أن يحصل المرشح في الدورة الأولى على أصوات ثلثي الهيئة الناخبة، مما يفرض حضورهم، وإذا لم يحصل هذا النصاب، فإن رئيس مجلس النواب يرجىء الجلسة ويدعو الى أخرى حتى 15 أيار، وقبل أيام من انتهاء ولاية الرئيس الحالي، ليلتئم المجلس حكماً من دون دعوة رئيسه، مع اشتراط تأمين الثلثين، وإذا لم تجرِ الإنتخابات خلال مهلة الشهرين الدستورية، تصبح رئاسة الجمهورية في حالة فراغ، وتتولى الحكومة صلاحياتها ويستمر رئيس المجلس في الدعوة لإنتخابات رئاسة الجمهورية متى نضجت الظروف السياسية، أو التوافق على إسم مرشح.
وقد حصل فراغ في رئاسة الجمهورية ثلاث مرات، الأولى في العام 1952 عندما استقال الرئيس بشارة الخوري تحت ضغط الشارع والعصيان المدني الذي نفّذته «الجبهة الإشتراكية الوطنية»، فعيّن قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للحكومة، وتولّت الصلاحيات وأمّنت إجراء إنتخابات رئاسية، وقد تمّت بعد أيام قليلة على استقالة الخوري، وانتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية الذي رشّحته «الجبهة الإشتراكية الوطنية» في مواجهة المرشح حميد فرنجية.
ويجري العمل على حصول الإنتخابات، وأعلنت «8 آذار» أن مرشحها هو العماد عون، بإستثناء الرئيس برّي الذي شكّل لجنة نيابية من كتلته النيابية لإستطلاع آراء الكتل النيابية، قبل أن يدعو لجلسة الإنتخاب، إذ أن سير الإتصالات تشير الى أن مرشح التحدي كالعماد عون أو الرئيس الجميّل أو جعجع وحرب، ليس مرغوباً من قبل برّي وجنبلاط ولم يفصح أي منهما عن مرشحه، لكن رئيس «جبهة النضال الوطني» ألمح في حديث تلفزيوني الى أن المرحلة تتطلّب رئيساً يدير الأزمة، لأن لبنان مرتبط بأزمات المنطقة وسوريا منها، التي لا حلول قريبة لها، وهذا ما لا ينطبق على مرشحي «8» و«14 آذار»، لأن الظروف الداخلية ليست مؤاتية لإنتخاب أي مرشح منهم، حيث يتم الحديث عن سيناريو يقوم على انعقاد جلسة الإنتخاب بنصاب قانوني يتنافس فيها المرشحون، ولا يحصل أي منهما على الأصوات القانونية، فيجري تقديم مرشح توافقي أو وسطي، الذي يمكن تأمين فوزه بأصوات كتلة النائب جنبلاط الذي ينتهج طريق الوسطية، منذ تأييد وصول نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، ثمّ تمام سلام، وعدم إخراج «حزب الله» من الحكومة، وهو سيلعب الوسطية في إنتخابات رئاسة الجمهورية، ويكرّر ما فعله والده في إنتخابات 1970، بأن أوصل المرشح الوسطي سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وأسقط وصول مرشح النهج إلياس سركيس أو «الحلف الثلاثي» الذي ترشح منه الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون إده، الذين جيّروا أصواتهم لمرشح الوسط لإسقاط مرشّح النهج أو الشهابي و«المكتب الثاني» (مخابرات الجيش)، وهكذا فإن «8 آذار» مع النائب جنبلاط ستعطي أصواتها لمرشح وسطي لقطع الطريق على مرشح «14 آذار»، وهو ما حصل في الإنتخابات الرئاسية السابقة في العام 2008، بتجيير أصوات «8 آذار» لصالح قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي أيّده فريق «14 آذار»، الذي قد يلجأ الى نفس خيار «8 آذار»، لاسقاط مرشحها عون لصالح المرشح الوسطي، حيث يتردّد إسم النائب والوزير السابق جان عبيد، الذي وصلت رئاسة الجمهورية إليه في أكثر من دورة ثمّ استُبعدت عنه لظروف داخلية وخارجية، فهل ترسو عليه؟
Leave a Reply