لم يكد ينتهي كلام السيِّد حسن نصرالله الهام جداً في برنامج «بلا حصانة» مع الإعلامي جان عزيز، والذي فجَّر فيه قنبلة أنَّ السعودية تقف وراء تفجيري السفارة الايرانيَّة في الجناح، حتَّى جاء الرد-الرسالة بعد نصف ساعة فأردتْ خمس رصاصات غادرة ومجرمة قائداً ميدانيَّاً «مجهولاً»، الشهيد حسَّان هولو اللقيس، وهو بحجم الشهيد عماد مُغنيِّة الذي اغتيل في دمشق عام ٢٠٠٨. المقاومة وقائدها لا يُجازفان بالكلام ولا يُطلقانه على عواهنه في هكذا مسألة حسَّاسة. ولو لم تكن هناك مُعطيات وقرائن وأدلَّة قاطعة عن تورُّط بني سعود المغتاظين جداً من مساندة «حزب الله» لسوريا ومن الإتِّفاق النووي الإيراني الدولي، لمَا كشَف السيِّد نصرالله عن ذلك وهو الذي ظلَّ يساير آل سعود إلى آخر لحظة ممكنة فلم يرعوِ هؤلاء.
المؤسف في الأمر أنَّ «سعد المهاجر» إلى بلده الأول غضِب لكرامة أسياده ووطنه السعودي فردَّ على كلام السيِّد نصرالله الإتِّهامي بعد لحظاتٍ من صدوره متَّهماً إيَّاه بأنَّه تعبيرٌ عن الضغينة والكراهية! لكن هذا المنتقم لكرامة معلِّميه تناسى كيف أنَّه هو وصغار «١٤ آذار» كانوا يتَّهمون النظام السوري بعد ثوانٍ من حدوث جريمة قتل من دون أنْ يعتبروا القرائن الأخرى مثل تورُّط العدو الإسرائيلي مثلاً. هذا هو الفرق بين الموتورين التابعين والمرسوم لهم خطٌّ لا يحيدون عنه بالكلام والأفعال وبين المقاومة والشرفاء من الوطنيين الذين لا يريدون توجيه أي إتِّهام سياسي عبثي أو طائفي أو مذهبي من دون دليل دامغ. وهكذا انتظرتْ المقاومة التحقيق في تفجيري الرويس والمعمورة ثم السفارة الإيرانيَّة حتَّى توضحتْ الصورة التحقيقيَّة لديها ولدى الجيش اللبناني وهي أنَّ الجماعات التكفيرية الإجرامية التي تتولى مملكة آل سعود إدارتها مباشرةّ بدليل مقتل «أمراء» وضباط في سوريا موءخَّراً، تقف وراء إزهاق أرواح الأبرياء بدمٍ بارد مثل السفَّاحَين المجرمَين أبو ظهر وعدنان المحمَّد اللذين تمتَّعا بما لذَّ وطاب من شراب وإقامة في فندق فخم قبل أنْ يقوما بجريمتهما المنحطَّة أمام السفارة.
وإذا كان سعد الغريد معذور في «التبييض» أمام أولياء أمره فما عذر ميشال سليمان «المستقتِل» هذه الأيام على التمديد لنفسه رغم إنكاره المزعوم؟ إذ ردَّ على كلام السيِّد من دون أنْ يُسمِّيه داعياً إلى عدم رمي الكلام «جزافاً». هذا الكلام لا يقال لنصرالله الذي يقيس كلامه بمقياس الذهب بل الكلام الجزاف ينطبق على حلفائه من جوقة «الدنيا هيك» الذين يضعون لسانهم السليط على الزناد واتهامهم السياسي حاضر ناضر دائماً. كان على ميشال سليمان الحريص على سمعة السعودية أنْ يقول شيئاً عندما بادره أبو متعب بالهجوم على «حزب الله»، وهو فريق وازن في بلد غير متوازن يعتبر نفسه فيه فريقاً لكل اللبنانيين، فكيف إذا حقَّق هذا الفريق لوطن خيال الصحرا وعرب الردَّة حتَّى، العزَّة والكرامة؟ بل لا يستحي رئيس هذه الدَّولة أنْ يُحيي ما يُسمَّى «عيد الإستقلال» وهو يستهين بالمقاومة التي منحتْ هذا الإستقلال معناه الحقيقي؟ وكيف يسمح لنفسه بإطلاق التُّهم «جزافاً» ضد سوريا التي جاءَتْ به رئيساً فيشكوها إلى مجلس الأمن ثم يتِّهم الرئيس السوري بتلفيقات أشرف ريفي ووسام الحسن بحق الوزير ميشال سماحة، عندما أطلق تصريحه «المجازف» بأنَّه ينتظر إتِّصالاً من الرئيس الأسد؟! وحتى اليوم ومنذ ما يقرب العاميَن لم يحصل هذا الإتِّصال المزعوم ولن يحصل!
اليوم يُعتبر سليمان ممثِّلاً لصغار «١٤ آٓذار» بعد أنْ فقَد الأمل مع سوريا مثله مثل وليد جنبلاط الذي دعا أيضاً إلى عدم المسارعة بإطلاق التهم ضد السعودية!؟ ما هذا الذوق الرفيع يا سبحان الله! لقد نسي جنبلاط يوم كان زعيماً لثورة «الزنزلخت» كيف كان إتِّهام سوريا جاهزاً لديه قبل أنْ تجفَّ الدماء! لكنَّ ميشال سليمان يحاول قليلاً التموضع لعلَّ وعسى، فلم ينسَ زيارة السفير الإيراني للتعزية وهو لم يفكِّر أبداً بزيارة الضاحية للتعزية بالشهداء هناك، فظن البعض أنَّه أخذ يتصرَّف بموضوعية بعيداً عن الانحياز. إلا إنَّ خطابه في «عيد الإستكمال» الطاعن بالمقاومة وسلاحها أعاد اصطفافه السياسي مع الفريق السعودي وأمَّن له ضمان توديع التمديد الرئاسي!
بل لم يذكر سليمان الشهيد اللقيس إلا بعد وقتٍ حتى لا يفوته تسجيل موقف سابق من كلام نصرالله، أمام بني سعود. ولعل استشهاد اللقيس، قائد سلاح الجو في المقاومة، سوف يعيد الحرب السرية مع إسرائيل إلى سابق عزِّها. وقد أرادتْ إسرائيل من هكذا عملية دقيقة في عقردار المقاومة واستهداف قائد بهذا الحجم أنْ تعيد خلط الأوراق في المنطقة لتستفيد من التحالفات الجديدة بعد الإتفاق النووي الإيراني والتوافق المصلحي مع السعودية. وأكثر ما تتخوَّف منه الأوساط الوطنية هو سهولة تواجد العملاء في بلدٍ سائب فلتان من كل المقاييس وفي ظل سياسة النعي بالنفس التي تنطبق على سوريا ولا تنطبق على التكفيريين الإرهابيين الذين أصبحت الأرض اللبنانية متاحة لهم يعملون فيها بحرية مطلقة وبحمايةٍ رسمية من أجهزة ميليشياوية أمنية حزبية!!
لقد برهنت الدولة عن تقاعس وعجز، وسلطتها التنفيذية بحاجةٍ دوماً إلى راعٍ خارجي. وإذا كان السوريون خبراء في إقامة التوازنات الدقيقة في «شقفة الوطن»، فإنَّ آل سعود لا يملكون هذه الحنكة والدراية والخبرة سوى الإعلان عن سخطهم وغضبهم من عدم حصول ما يبتغون.
إنَّ المصلحة اليوم تجمع إسرائيل والسعودية مع التكفيريين والكل في سباقٍ مع الوقت لأن الغرب التوَّاق إلى التصالح مع إيران بعد فشل الخيار العسكري والخيار العقابي سوف يصل إلى قناعة بوجود خطرٍ على مصالحه من السلفيين التكفيريين الذين سوف يصل إرهابهم الى هذه الدول ليضرب من جديد فيها وليدب الذعر في أوساطها وبالتالي سوف تصبح المعركة بين المتطرفين الإرهابيَّين ومموليهم وداعميهم الإسرائيليين الذين بدأوا يشاركون علناً في معارك سوريا، وبين الإعتدال والحوار والسلام المقترن بالعدل. لهذا السبب قال الأمين العام سيأتي اليوم الذي تُشكر فيه المقاومة على تدخُّلها في سوريا قبل أنْ يجتاح الإرهاب التكفيري الأبيض والأخضر والأصفر! وكلامه هذا ليس «جزافاً» بل هو سيد الكلام.
المقاومة التي أنهتْ كل استعداداتها ضد العدو التاريخي والتي كسبت خبرات هائلة في الداخل السوري، لن تترك إستهداف أحد أكبر كوادرها يمر من دون عقاب أو ردع ولكن من دون حربٍ شاملة ستكون في مصلحة إسرائيل الساعية إلى تدمير المنطقة وإلغاء كل تفاهم مع إيران. وفي المقبل من الأيام هناك الكثير من الأسباب لكي يتحسس قادة العدو وعملاؤه رقابهم كلما غادروا منازلهم.
Leave a Reply