عماد مرمل – «صدى الوطن»
من الواضح أن وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية انطوى على نقلة نوعية في وضع مسيحيي لبنان، الذين انتقلوا خلال 24 ساعة من مرحلة الشعور بالاحباط والغبن الى مرحلة استعادة المعنويات والثقة، وهو الأمر الذي عكسته رمزياً الاحتفالات الصاخبة بهذا الحدث من قبل قواعد «التيار الوطني الحر» وحتى «القوات اللبنانية».
بل أن هناك من اعتبر أن انتخاب عون يعادل في الوجدان المسيحي انتخاب قائد القوات اللبنانية السابق بشير الجميل للرئاسة عام 1982، والذي شكل في ذلك الحين تعبيراً عن «فائض قوة» غير مسبوق لدى المسيحيين، قبل أن يسقط «الحلم» بالضربة القاضية مع اغتيال الجميل، وبدء العد العكسي لحقبة جديدة أفرزت عام 1990 اتفاق الطائف الشهير الذي نقل معظم صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة مجتمعة.
وإزاء إصرار عون آنذاك على رفض «الطائف»، خصوصاً في شقه المتعلق بالوجود السوري، شنت القوات السورية بالتنسيق مع وحدات الجيش اللبناني التي كان يقودها العماد إميل لحود، هجوماً على مواقع وحدات عون في المنطقة الشرقية من بيروت، أفضى الى الحاق الهزيمة بالجنرال وسقوط القصر الجمهوري الذي كان يتموضع فيه بيد القوات المهاجمة.
من الإحباط الى الانتعاش المعنوي
بعد هذا الانقلاب الجذري في موازين القوى، دخل لبنان في حقبة سياسية مختلفة، كان من أبرز سماتها تفشي الاحباط في صفوف الأكثرية المسيحية المؤيدة لكل من عون الذي انتقل الى المنفى الباريسي، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع الذي دخل الى السجن في تلك الفترة بعد إدانته بعدد من جرائم الاغتيال السياسي.
وقد انعكست هذه المعادلة على تركيبة السلطة التي بات «التيار» و«القوات» خارجها كلياً، من مجلس النواب الى الحكومة مروراً بالادارة، فيما خضع تطبيق «الطائف» الى استنسابية معينة، برعاية الفريق السوري الذي كان يدير الملف اللبناني آنذاك وقوامه عبد الحليم خدام وغازي كنعان وحكمت الشهابي، وهو فريق تمكن من نسج شبكة من المصالح المركبة مع شخصيات لبنانية أمسكت بمفاصل الحكم.
عام 2005، عاد عون الى «بيئته الحاضنة» وخرج جعجع من السجن، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، ليبدأ هذا الثنائي المسيحي بمحاولة تصحيح قواعد اللعبة الداخلية، كلٌ على طريقته، فتحالف عون مع «حزب الله» وجعجع مع «تيار المستقبل»، لتعويض الخلل المزمن والمتراكم في التوازن، فدخلا الى مجلس النواب والحكومة بأحجام متفاوتة، ولكن بقيت رئاسة الجمهورية –وهي الموقع الأهم للمسيحيين في لبنان والشرق– تخضع الى فلسفة التسويات التي أتت بالعماد ميشال سليمان الى سدة الرئاسة، حيث أمضى ست سنوات من الصراع السياسي بينه وبين الجنرال.
بعد انتهاء ولاية سليمان، أصرّ عون على ترشيحه الى الرئاسة انطلاقاً من ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية قوياً وصاحب حيثية تمثيلية واسعة، حتى يتحقق التكافؤ في الحجم والحضور بينه وبين رئيس مجلس النواب الشيعي ورئيس الوزراء السني القويين، في إطار الميثاقية التي يرفع «التيار الوطني الحر» شعارها.
صلاحيات محدود
وبرغم أن صلاحيات رئيس الجمهورية تراجعت كثيراً بموجب «الطائف»، إلا أن هناك من يعتقد أن ارتكازه على حيثية شعبية وكتلة نيابية وازنة، يمكن أن يعوضه عن النقص في الصلاحيات، وبالتالي أن يفرضه رقماً صعباً في المعادلة الداخلية، بمعزل عن الحدود الضيقة لدوره المرسوم في الدستور.
وعلى هذه القاعدة، صار وصول عون الى قصر بعبدا مسألة مصيرية بالنسبة للمسيحيين، خصوصاً بعد مصالحة «التيار» مع «القوات» ودعم جعجع للجنرال في معركته الرئاسية، بحيث اكتسب ترشيحه شرعية مسيحية، وبالتالي غدا انتخابه معياراً لتحقق الميثاقية واستعادة الحق المهدور.
ولهذا كله، شكّل انتخاب عون نقطة تحول في مسار فئة لبنانية كانت تشعر بالغبن، الى حد أن بعض المقربين من الجنرال اعتبروا أن مجرد انتخابه يؤمن نوعاً من الاكتفاء المعنوي للمسيحيين، سواء تم وضع قانون جديد للانتخابات النيابية أم لا، علماً أن «قانون الستين» الذي لا يزال نافذا في انتظار وضع مشروع جديد، لا يسمح للمسيحيين بأن يختاروا وحدهم جميع ممثليهم في مجلس النواب، بل أن قرابة 30 نائباً يصلون الى مقاعدهم برافعة الصوت المسلم في العديد من الدوائر الانتخابية.
ارتياب
وإذا كانت أكثرية المسيحيين قد انتعشت بفعل انتخاب عون وتوافق «التيار–القوات»، فإن هذا الواقع المستجد أدى الى ظهور علامات القلق والحذر في أوساط أخرى، لاسيما لدى الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية اللذين لمسا وجود محاولة لتحجيمهما في معادلة العهد الجديد، نتيجة وقوفهما ضد انتخاب عون وامتناعهما عن التصويت له.
وظهرت مفاعيل هذا الاصطفاف بوضوح خلال مفاوضات تأليف الحكومة، حيث تموضع بري وفرنجية في معسكر واحد في مواجهة تحالف «التيار–القوات».
ولا يخفي مقربون من محور عين التينة – بنشعي انزعاجهم مما يعتبرونه سلوكاً متشدداً للرئيس عون وخطاباً طائفياً للوزير جبران باسيل، معربين عن اعتقادهم بان الاتفاق الذي حصل بين الرابية ومعراب يحاول أن يعيد إحياء تقاليد الجمهورية الاولى المنتهية، والتي حلت مكانها الجمهورية الثانية منذ 1990، وهذا ما انعكس من خلال مسعى الثنائي المسيحي، لاسيما «القوات»، للحصول على حجم منتفخ في الحكم على حساب القوى المسيحية الاخرى كـ«تيار المردة» و«حزب الكتائب».
Leave a Reply