قد يتفاجأ البعض بأن مدينة تروي الواقعة في مقاطعة أوكلاند (شمال ديترويت)، تتفوق على مدينة ديربورن في نسبة السكان المهاجرين (المولودون في الخارج).
وفيما حافظت هامترامك على صدارة المدن الحاضنة للمهاجرين في ميشيغن، فإن مدينة تروي تمكنت العام الماضي من احتلال المرتبة الثانية على صعيد الولاية التي كانت ضمن أكثر أربع ولايات أميركياً استقبالاً للاجئين في العام ٢٠١٦، ومعظمهم من العراقيين الذين انتقلوا للعيش في المدينة ضمن «موزاييك» متنوع من مختلف الإثنيات حول العالم.
وفاقت تروي مؤخَّراً، ديربورن بارتفاع نسبة السكان المولودين في الخارج إلى 27.7 بالمئة، حيث تشكل في ديربورن (26.5 بالمئة).
غالبية سكان تروي المهاجرين، ولدوا في العراق والهند، ويشكل اللاجئون نسبة 10 منهم.
أما عدد سكان المدينة الإجمالي فيقدر بحوالي ٨٥ ألف نسمة، وهي أكبر مدن مقاطعة وين سكانياً.
وتشير الإحصائيات إلى أن تروي حازت على أكبر حصة من اللاجئين في ميشيغن، وتحديداً من اللاجئين العراقيين والسوريين.
وفي حين تؤكد البيانات الإحصائية أن تروي مدينة مرحبة بالتنوع والمهاجرين، فإن الفضل في تحقيق هذه الأرقام يعود أيضاً إلى منظمة «ساماريتاس» (الخدمات اللوثرية الاجتماعية سابقاً) ومركزها مدينة وست بلومفيلد المجاورة، والتي لعبت دوراً بارزاً في جهود توطين اللاجئين من العراق وسوريا في ميشيغن.
عوامل جاذبة
«مجموعة من العوامل جعلت من مدينة تروي مقصداً للأسر»، قال رئيس البلدية داين سلايتر لـ«صدى الوطن»، وأضاف أن «المستوى التعليمي الرفيع يجذب المهاجرين، كما أن تروي تعد واحدة من أكثر مدن ميشيغن أمناً.. ونحن نعامل القادمين بالترحيب. (وهم يعرفون) أن المساعدة متاحة لهم إذا احتاجوا إليها».
والمعروف أن تروي تتمتع بأدنى معدلات الجرائم مقارنة بغيرها من المدن المماثلة بحجم السكان في ولاية ميشيغن.
كما أن نجاحات تروي في مكافحة الظلم الاجتماعي وغيره من القضايا الناجمة عن المناخ السياسي الحاقد على الأجانب، تعود إلى جهود منظمات المجتمع المحلي في تكريس التنوع الإثني والديني في المدينة.
ومن بين تلك المؤسسات المحلية، منظمة تطلق على نفسها اسم «التحالف ضد جرائم الكراهية» تأسست في العام 2014 لالتقاء «كل الجماعات الدينية للتضامن والنمو معاً والعطاء من أجل تعزيز قيم المحبة المشتركة وإحلال السلام والعدالة بين جميع الأديان محلياً وعالمياً».
وفي هذا الاطار تقوم هيئة بلدية بإسم «لجنة تروي الاستشارية العالمية»، بتجنيد مندوبين ممثلين من كل المجموعات العرقية في المدينة من أجل أن يرفعوا قضاياهم وهمومهم إلى البلدية «لكي تستمر الحوارات البناءة حول الأفكار والقضايا ذات الصلة والاهتمام المشترك».
«من المهم أن نحصل على أفضل تمثيل، من أجل توعية الجمهور حول خصائص الثقافات الموجودة هنا، ومن المهم أن نفهم ما هي هذه الخصائص»، بحسب تعبير سلايتر.
وخلال الأشهر الستة الماضية، كانت «لجنة تروي الاستشارية العالمية» في طليعة المساعدين في تنظيم الأنشطة التي تسهِّل وتحتفي بالتزام تروي الكامل بدمج وتوطين اللاجئين.
مثال على هذه الأنشطة، «مهرجان أسر ديترويت»، التي نظمتها اللجنة، بمساعدة من البلدية والمسؤولين فيها الذين لعبوا دوراً تنسيقياً بين المهاجرين والمجتمعات المضيفة من أجل تسهيل التعدُّدية والاندماج الإجتماعي بدلاً من التباعد والانعزال.
شرطة متعاونة
بدورها، لعبت شرطة تروي أيضاً دوراً رئيسياً في نجاح البلدية بتعزيز التعدُّدية. وبذلت إدارة الشرطة جهوداً للانخراط الاجتماعي والعمل على خدمة المجتمع المهاجر من خلال استضافة ندوات تثقيفية وورش عمل واللقاء بشكل منتظم مع مختلف الجاليات.
ويتفق كلّ من سلايتر والرقيب في شرطة تروي ميغان بروديريك ليمان، على أن بناء الثقة والمشاركة الفعالة تبقيان عاملين حيويين لتسهيل قيام علاقات بناءة.
«لقد بذلنا جهوداً خاصة للتواصل مع المهاجرين الجدد والإقرار بحقيقة أن ما يقرب من 30 بالمئة من السكان هنا مولودون في الخارج» ذكرت ليمان، وتابعت «على مدى العامين الماضيين، نحن نقوم بحضور اجتماعات تعقدها «مجموعات نقاش» موجَّهة للسكان الذين يتحدثون الإنكليزية في محاولة منا لمعالجة المخاوف الخاصة التي يشعر بها المهاجرون الجدد، إلى جانب جهود التواصل مع المجتمع ككل ومن ضمنه المهاجرون».
وخلال الشهر الماضي، أقامت دائرة الشرطة حفل «ليلة ترحيب» بالمهاجرين الجدد. وفصلت ليمان «ان هذه المناسبات هي بمثابة منتدى للمهاجرين يتمكنون من خلالها وبراحة تامة توجيه أسئلة واستفسارات إلى السلطات المعنية حول خدمات الشرطة والإجراءات المتبعة».
مدينة مرحبة
عوني فاخوري، مندوب مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) إلى مدينة تروي، أثنى على جهود البلدية في تعزيز الثقة والتواصل بين وكالات إنفاذ القانون وبين اللاجئين من مختلف البلدان التي أتوا منها حيث أن «مجرَّد طرق على الباب من قبل الشرطة ولو بصورة روتينية يعد سبباً للخوف والقلق الكبيرين» في مناطق أخرى.
وأردف أن سلايتر كان «أول رئيس بلدية في ميشيغن يرحب باللاجئين حتَّى قبل ديربورن».
وفي حين أن تروي لا تعتبر مدينة ملاذ للمهاجرين غير الشرعيين (سانكشويري)، لكنها دون شك «مدينة مرحِّبة»، وذلك بفضل سياسة البلدية الداعمة للبيئة التعدُّدية المتنامية في المدينة.
وقد رد ناخبو تروي تحية التقدير للبلدية «المضيافة» بالتصويت لها اعترافاً بتقبل التعددية الثقافية والفرص التي يوفرها المهاجرون من حيث ازدهار الأعمال التجارية والمواهب العلمية الفريدة التي حملوها معهم إلى الولايات المتحدة والمثال على ذلك اللاجيء السوري العالم رفاعي حمو الذي تصدرت قصته الملهِمة اهتمام الاعلام في 2015، حسب سلايتر.
وخلص سلايتر إلى القول «إن شغفهم بالمعرفة والعلم، أدى إلى جذب المهاجرين إلى تروي لوضع اطفالهم في أفضل المدارس والمساهمة في إغناء وتنوع النظام التعليمي». وختم بالقول «تروي تتحدث 86 لغة مختلفة وشباب تروي، سواء من الجيل الأول من المهاجرين أو المواطنين الساكنين فيها منذ زمن طويل، يستفيدون من النشوء والترعرع وحضور الصفوف مع غيرهم من الطلاب الذين قد يختلفون عنهم قليلاً بالمظهر لكنهم يشبهونهم من حيث القيم والمبادئ والأحلام».
وختم سلايتر حديثه بالقول «من خلال التعليم والمشاركة الاجتماعية الفعالة والعطف والالتزام بالتعددية، فإن تروي كمدينة مرحبة يتوقع أن تثبِّتْ مكانتها وسمعتها كنقطة استقطاب هامة للمهاجرين».
Leave a Reply