عماد مرمل – «صدى الوطن»
بدلاً من أن تشكل استقالة وزيري «الكتائب» أزمة للحكومة اللبنانية، كما كان يُفترض، إذا بها تتحول الى أزمة للحزب نفسه، بعدما تمرد وزير العمل سجعان قزي على قرار رئيس الحزب سامي الجميل، وأصر على مواصلة نشاطه الوزاري، لعدم قناعته بجدوى الاستقالة، ما دفع القيادة الكتائبية الى فصله، فيما التزم وزير الاقتصاد آلان حكيم بقرار الانسحاب من الحكومة، ولو من دون حماسة.
ببساطة، لم يترك خيار الاستقالة الدوي الذي كان يتوقعه الكتائبيون، ليبدو مجرد طلقة سياسية في الهواء، إذ لم يتضامن أي من مكونات الحكومة مع انتفاضة الجميل، فيما استطاع مجلس الوزراء هضم مفاعيلها سريعاً، ليستمر بـ«اللي بقيوا»، مستفيداً من الغطاء المحلي والخارجي الذي يمنع انهياره، في ظل الشغور الرئاسي.
صحيح أن شكوى الجميل من فشل الحكومة على كل المستويات هي في مكانها، ولعلها جزء يسير مما يشعر به رئيسها تمام سلام الذي هو من أشد الناقمين على واقعها، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الحكومة باقية حتما حتى انتخاب رئيس للجمهورية، وحتى لو استقالت لسبب قسري ما، فإنها ستبقى في موضع تصريف الأعمال، بحكم قوة الاستمرارية.
والمفارقة أن والد سامي، الرئيس السابق للجمهورية وللكتائب أمين الجميل، لم يكن مقتنعاً هو أيضاً بخيار الاستقالة من الحكومة، وحاول جاهدا اقناع ابنه بالعدول عنه، انطلاقا من حساباته البراغماتية، لكنه لم ينجح. وتجدر الإشارة في هذا السياق الى أن قزي، محسوب على الجميل-الأب، الذي كان قد اختاره لتولي وزارة العمل قبل أن يفسح المجال أمام ابنه لقيادة الحزب.
ويعتبر المعارضون لخطوة الجميل أنه ليس من الحكمة ولا من الواقعية التنازل بهذه البساطة عن موقع «الكتائب» في الحكومة، والذي كان يسمح له بخوض معاركه ورفع صوته الاعتراضي من داخل مجلس الوزراء، علما أن حصة الحزب الوزارية هي أكبر من تلك العائدة لقوى أساسية أوسع نفوذاً وتمثيلاً، كـ«التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«حركة أمل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».
ويشير أصحاب هذا الرأي الى أنه كان من واجب «الكتائب» البقاء في الحكومة، برغم كل علاتها ومساوئها، بعدما حلّت مجتمعة مكان رئيس الجمهورية الغائب، بحيث ان الوزراء الكتائبيين لم يكونوا مجرد أعضاء عاديين في الحكومة، بل انهم ورثوا مع زملائهم جزءا من صلاحيات الرئيس، في انتظار أن تعود اليه بعد انتخابه.
ماذا يقول سامي الجميل؟
في المقابل، يملك سامي الجميل مقاربة مغايرة تماماً للموقف، تنطلق من عداء متأصل للنادي السياسي التقليدي الذي يحمّله مسؤولية كل الأزمات التي يعاني منها لبنان. ويحاول الجميل أن يقدم نفسه كقيادي تغييري، اصلاحي، يرفض التعايش مع الأمر الواقع ويتطلع الى الثورة عليه.
وبهذا المعنى، لا يعدو قرار الجميل بالاستقالة من الحكومة، بناء على «مقياس ريختر» الكتائبي، سوى تفصيل موضعي، يندرج في سياق مواجهة شاملة، بدأ بخوضها ضد نمط الحكم المعتمد منذ اتفاق الطائف، مع ما تنطوي عليه هذه المواجهة من مغامرة محفوفة بالمخاطر السياسية.
ويؤكد الجميل لـ«صدى الوطن» أن قرار الاستقالة أتى بعد بحث عميق، ولم يكن وليد انفعال، مشيراً الى أنه سبق أن أعطى كل الفرص لإمكانية تحقيق التغيير من داخل الحكومة، لكنه وصل في نهاية المطاف الى أفق مقفل، فكان لا بد من اتخاذ الموقف المناسب، «لأننا نرفض أن نكون شهود زور».
ويلفت الانتباه الى أنه صبر كثيراً على منطق الصفقات والسمسرات المعتمد في مجلس الوزراء، ولعل الضغط من قلب الحكومة يفيد في تعديل مسارها الملتوي وتصويبه، موضحاً انه اكتشف أن من العبث الاستمرار في انتظار صحوة تعالج مكامن الخلل، وملاحظا أن «الملقّ فلتان» والحبل على غاربه، «ولذا صممت على عدم إعطاء صك براءة لهذا الوضع المستمر منذ مدة طويلة، على قاعدة: اسكتلي لأسكتلك»..
ويؤكد الجميل أنه بات على قناعة بأن استمرار الحكومة الحالية أصبح مؤذيا للبنان، خصوصا ان هناك من يختبئ خلف وهم عدم امكانية التخلي عنها حتى يتوسع في الارتكابات والمخالفات من غير أن يخشى من التبعات، آملا في ان تشكل استقالة وزيري «الكتائب» صدمة إيجابية، تُسرّع في الخروج من المأزق وتدفع في اتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولا يجد الجميل في سقوط الحكومة، إذا حصل، قفزة في الفراغ الشامل والمشرّع على أسوأ الاحتمالات، مشيراً الى ان السيناريو البديل جاهز ولا يحتاج تنفيذه سوى الى وقت قصير، وهو يتمثل في النزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام العام الى جسم الدولة، مشدداً على أنه لم يكن ممكناً الاستمرار في مراقبة هذا الاهتراءالمستفحل من دون أن نحرك ساكنا.
ويؤكد الجميل انه ليس واردا لديه القبول بان يكون جزءاً من الامر الواقع السائد، لافتا الانتباه الى انه لم يترأس «الكتائب» حتى يشبه غيره، ويذوب في وعاء هذه الطبقة السياسية، «بل أنا مصمم على أن أصنع نموذجاً مغايراً في كيفية التعاطي مع الشأن العام، والوقت كفيل بأن يُثبت ذلك، لمن لا يعرفني ولم يعتد علي بعد».
ويرى الجميل أن المشكلة تتجاوز حدود الحكومة لتشمل مجمل سلوك الطبقة السياسية التي تواجه أزمة بنيوية، آخذة في الاستفحال مع مرور الوقت، حتى أتت على ما تبقى من مصداقيتها، متسائلاً: هل يجوز على سبيل المثال ان تبادر شخصيتان في «14 آذار» الى ترشيح شخصيتين من «8 آذار» الى رئاسة الجمهورية بهذه البساطة، على حساب الثوابت والمبادئ، ومن دون احترام المحازبين والرأي العام؟
ويجزم الجميل بان الاستقالة الكتائبية من الحكومة ليست سوى محطة سيكون لها ما بعدها، في اطار المعركة الاصلاحية الشاملة التي يخوضها.
Leave a Reply