عماد مرمل – «صدى الوطن»
يحاول رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل أن يتمايز عن الآخرين فـي مقارباته السياسية وفـي طريقة تعامله مع الملفات المطروحة. وإذا كان من الطبيعي ان يقف الجميل على مسافة من خصومه فـي «8 آذار» والتيار الوطني الحر، فإن اللافت للانتباه هو اتجاهه أكثر فاكثر نحو فك ارتباطه مع حلفائه المفترضين فـي «14 آذار»، وفـي طليعتهم القوات اللبنانية، سواء لجهة الموقف من الاستحقاق الرئاسي أو النظرة الى الأزمة السورية.
وفـي حوار شامل مع «صدى الوطن»، أكد الجميل رفضه التام لـ«تشريع الضرورة»، متسائلاً: كيف يجوز التشريع فـي ظل غياب رئيس الجمهورية الذي يحق له وحده رد القوانين؟
وحذر من أن هذا النوع من الاجتهادات يمهد لانقلاب على القواعد الدستورية، مشدداً على ان الدستور حازم وجازم فـي تأكيده بأن «على مجلس النواب الشروع فور شغور الرئاسة بانتخاب رئيس الجمهورية من دون مناقشة او أي عمل آخر»، وبالتالي فان قانوني الانتخاب والجنسية، برغم أهميتهما، يجب إقرارهما فـي أول جلسة تشريعية بعد انتخاب الرئيس، وليس الآن.
وتابع: المفارقة انه بات مطلوباً من الذين يحترمون الدستور ويشاركون فـي كل جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، كحزب الكتائب، أن يخالفوا الدستور ويشاركوا فـي التشريع الذي يتجاهل حقيقة أن المجلس تحول منذ شغور موقع الرئاسة الى هيئة انتخابية حصراً، بينما من ينتهك الدستور لا أحد يقول له شيئاً. بمعنى آخر، من يحترم إشارات السير ويقف على الضوء الأحمر يعاتبونه، ومن يخالف ويتابع السير يطلبون منا أن نفعل مثله.
وقال إن النظام السياسي أثبت فشله، ويجب تطويره، وهناك العديد من الفجوات فـي اتفاق الطائف ولكن التطوير لا يحصل بالانقلاب، وإنما من خلال المؤسسات، منبها الى أن المؤتمر التأسيسي لا يعقد إلا عندما تكون الدولة متلاشية كليا.
وأشار الى أن هناك من يروج بأن لبنان سيخسر مئات ملايين الدولارات إذا لم يلتئم مجلس النواب للتصديق على المبالغ الممنوحة من البنك الدولي، فـي حين أن الصحيح هو أن لبنان سيكون رابحاً فـي حال عدم التصديق عليها كونه سينجو من ديون إضافـية، لأن البنك وبكل بساطة قدم لنا قروضاً، لا هبات، وبالتالي فإن إقرار تلك القروض يعني ببساطة ان الدين العام سيزيد، مع ما سيرتبه ذلك من أعباء إضافـية على الدولة المنهكة التي تلامس الافلاس.
وتساءل: لو افترضنا ان هناك عائلة تمر فـي أزمة مالية، هل يشتري أفرادها سيارة فـيراري؟ أم يلجأون الى التقشف والاعتماد على الدراجة الهوائية أو النقل العام فـي تنقلاتهم؟ ان المشاريع الممولة من البنك الدولي هي قياساً الى ظروفنا الصعبة «فـيراري انمائية»، علما انه يمكننا أن نجد تمويلا عن طريق التعاون مع القطاع الخاص، من دون أن نرتب على الدولة أعباء إضافـية.
ونبه الى أن لبنان يكاد يصبح دولة مفلسة ووضعنا ليس أفضل من النموذج اليوناني، فهل هذا هو الوقت المناسب لإنشاء سدود وتنفـيذ مشاريع بكلفة عالية، إلا إذا أردنا ان تنهار العملة الوطنية، محذرا من ان القروض تُسرّع عملية إفلاس الدولة، وأضاف: أي خريج فـي العلوم الاقتصادية يعرف أن الدول التي تقف على حافة الافلاس تلجأ الى التقشف، فأين نحن من ذلك؟
وأكد ان مقاطعته لطاولة الحوار تهدف الى الضغط على أطرافها حتى يعالجوا أزمة النفايات بسرعة، موضحا انه بعد حلها سيعاود مشاركته فـي الحوار.
وأبدى الجميل تشاؤما حيال إمكانية انتخاب رئيس الجمهورية قريباً، بفعل توهم كل من فريقي «8» و«14 آذار» أن رهانه الاقليمي سيفوز وسيسمح له باختيار الرئيس، مشيرا الى ان «14 آذار» تنتظر انتصار المعارضة السورية و«8 آذار» تنتظر انتصار النظام، بينما المطلوب رئيس يكون على الحياد فـي الصراع السوري ولا يكرس انتصار محور على محور فـي المنطقة ولبنان.
واعتبر أن رهان كل من الفريقين خاطىء، إذ لا بشار الاسد سيستعيد سيطرته على كل سوريا ولا المعارضة ستتمكن من إسقاطه خصوصا بعد التدخل الروسي فـي الحرب، ما يعني أن الأزمة طويلة والمطلوب من الفريقين أن يوقفا لعبة البوكر هذه، وان نذهب نحو تسوية رئاسية على قاعدة لا خاسر ولا رابح.
ورأى أن المطلوب رئيس لا ينتمي الى «8» أو «14 آذار»، ويحب لبنان ولديه خبرة اقتصادية، من نوع كارلوس غصن الذي ليس جزءا من الصراع اللبناني.
وأضاف: لا الشيعي سيستطيع ان يأخذ لبنان كله، ولا السني يستطيع ان يأخذ لبنان الى حيث يريد، والمسيحيون لا يمكن ان يكونوا طرفا فـي هذا الصراع، ولذلك لا مفر من التسوية فـي نهاية المطاف.
وشدد الجميل على أن «الكتائب» ليس جزءا من أي منظومة إقليمية فـي حين أن العماد ميشال عون حليف المحور السوري-الايراني وسمير جعجع حليف المحور السعودي-الاميركي، وبالتالي فان وصول أي منهما الى الرئاسة سيعني أن محوراً انتصر على الآخر، وهذا ما لا تحتمله التوازنات اللبنانية، موضحاً ان «الكتائب» لم يعد يدعم ترشيح جعجع بعدما تبين انه لا يوجد أمل بفوزه.
واعتبر أن تمثيل عون لنصف المسيحيين او أكثر بقليل لا يحتم علي تأييده لان قناعاتي السياسية تختلف عن قناعاته، داعيا عون الى ان يقتدي بتجربة الرئيس المؤسس للكتائب الشيخ بيار الجميل الذي كان صاحب التمثيل المسيحي الاوسع، لكنه لم يترشح الى الرئاسة، بل بادر مع الزعيمين المسيحيين كميل شمعون وريمون إده الى الذهاب تحت الخطر الى مجلس النواب، لانتخاب شخصية أخرى لا تملك الحيثية الشعبية التي كان يملكها هؤلاء الزعماء.
وأشار الى انه عندما تقرر القيادات المسيحية الحالية دعم مرشح توافقي، فانه يصبح قويا، ويغدو لديه سند شعبي حتى لو انه لا يحظى بقاعدة واسعة.
ولفت الجميل الانتباه الى أن الرئيس سعد الحريري وبرغم انه يمثل الأكثرية السنية الساحقة، اقترح لرئاسة الحكومة اسما وافقت عليه قوى «8 آذار» وهو تمام سلام الذي أثبت انه توافقي بامتياز، فلماذا لا يفعل الجنرال الشيء ذاته، ويقترح علينا اسما مقبولا، حتى نبحث فـيه، وربما يكون حليفا له.
وأوضح ان هناك اختلافا فـي وجهات النظر بينه وبين قيادات «14 آذار»، كما يوجد تنافس واختلاف حول بعض الخيارات الاستراتيجية مع القوات اللبنانية، لافتا الانتباه الى أن «الكتائب» على تواصل مع جميع القوى السياسية، باستثناء «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي اعترف بقتل الرئيس بشير الجميل، بل افتخر بذلك.
ورأى انه كان على الرئيس تمام سلام أن يحسم أمره فـي ملف النفايات الملح، نافـياً أن يكون قد استخدم خطاباً طائفـياً فـي مقاربة هذا الملف الذي وصلنا «ممذهباً ومطيّفاً»، مؤكداً أن الكتائب يدعم خطة المعالجة كما اقرها مجلس الوزراء وبالتالي فان أي تعديل يتطلب العودة الى المجلس، وموضحا أن رفض اعتماد أي مطمر فـي المتن وكسروان يعود الى كون جبل لبنان دفع الثمن بمفعول رجعي وتحمل نفايات بيروت على مدى 20 سنة.
وأشار الى ان المطلوب من الحكومة أن تؤمّن حصول انتخابات رئاسية ونيابية، لأن الاولوية فـي هذه المرحلة يجب ان تكون لإعادة إنبثاق السلطة، فـي ظل الشلل المؤسساتي المتمادي الذي يسمح بتفشي الفساد وحصول تلزيمات بعشرات ملايين الدولارات من دون أن تخضع الى الرقابة.
Leave a Reply