من مطعم فلافل إلى منصة الأوسكار
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
«لا يوجد شيء اسمه الجيل الأول أو الجيل الثاني، فأنا مصري. لقد نشأت وترعرعت على حب الاستماع إلى الموسيقى المصرية. أحببت أم كلثوم. وأحببت عمر الشريف. هؤلاء هم شعبي. أشعر بأنني مرتبط بشكل رائع بالثقافة والبشر الموجودين هناك. أقر بأن لدي تجربة مختلفة، لكنني مغرم ومتشابك مع الثقافة المصرية. إنه نسيج مرتبط بكياني وشخصيتي».
هذه هي كلمات رامي مالك، المصري الأميركي، الشخصية التي شغلت الرأي العام العالمي والعربي الأسبوع الماضي بعد فوزه بجائزة أوسكار لأفضل ممثل عن دوره في فيلم «الملحمة البوهيمية»، بتجسيدٍ مبهر لفريدي ميركوري، المُغني الزنجباري البريطاني الراحل في فرقة «كوين».
طموح وموهبة
رامي، الممثل الذي يجري في دمه طموح الفراعنة وإحساس الفن المصري بالإضافة إلى ثقافة الإبداع الأميركية، استطاع أن يصل إلى القمة سريعاً ويبهر الجمهور العالمي بأدائه المتقن وحسه المرهف، مذكراً الجمهور العربي بأساطير من طراز عمر الشريف وأحمد زكي…
العديد من النقاد تحدثوا عن موهبة أحمد زكي وقدرته الهائلة على تقمص الأبعاد الجسدية والنفسية لشخصياته. ولكن الفنان الراحل لم يهاجر إلى الخارج ولم يتعلم اللغة الإنكليزية فلم يخرج إلى العالمية. في المقابل، هاجر والد رامي إلى الولايات المتحدة، فسطعت بهذه الهجرة موهبة ولكن بنسخة عالمية هذه المرة.
من مسرح الجامعة إلى السيد روبوت
متحدراً من أسرة مصرية هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 1978، ولد رامي عام 1981 في لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، ثم التحق بـ«جامعة إيفانزفيل» بولاية إنديانا حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في المسرح عام 2003.
أول دور بطولي له، كان القرصان الإلكتروني «أليوت ألدرسون» في مسلسل «السيد روبوت» Mr. Robot، وقد أكسبه أداؤه في الدراما جائزة النقاد لأفضل ممثل تلفزيوني وجائزة «إيمي» عام 2016. كذلك ترشح لجوائز كبرى من بينها «غولدن غلوب» لأفضل ممثل في مسلسل درامي.
جسد رامي في العمل، شخصية مهندس معلوماتية حاقد على نظام الاستهلاك العالمي. مهندس وحيد، يكره مجتمعه ويحمل دماغاً تسير في داخله أحداث كثيرة وتحليلات جمة مليئة بالمعلومات المعقدة. أبهر رامي الجميع بأدائه وبلغة جسده وبحواراته الفلسفية التي اقتُطفت من المسلسل وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
شارك مالك خلال مسيرته في ثمانية أفلام سينمائية بأدوار مساعدة، أبرزها ثلاثية Night at the Museum وفي 11 مسلسلاً تلفزيونياً أبرزها Mr. Robot الذي يتواصل عرضه على الشاشة الأميركية، ويقول عنه مالك إنه كان فأل خير عليه، فمن خلال الأجر الذي حصل عليه استطاع تسديد ديونه الطلابية، بحسب مقابلة أجراها مع برنامج The Tonight Show عام 2016.
كذلك يتحرك مالك مدافعاً عن حقوق المهاجرين، داعماً للمجتمعات المتنوعة ثقافياً وإثنياً. يشير بتصريحاته دائماً إلى أن أميركا هي أرض الفرص السانحة لجميع سكان الأرض. ويحمل بدمائه العربية فكراً عابرا للأديان وفناً باحثاً في عمق الإنسان.
البداية
عندما كان طفلاً، قضى رامي الكثير من الوقت في «خلق الشخصيات وأداء الأصوات» ولذلك بحث عن منفذ لتلك الطاقة، فقرر الانضمام إلى مسرح الثانوية.
رغب والداه في أن يصبح طبيباً أو محامياً، فانضم أيضاً إلى فريق المناظرات في مدرسته. وعلى الرغم من أنه كافح في تشكيل الحجج، لاحظ معلمه، موهبته في مجال التأويل الدرامي، وشجعه بدلاً من ذلك على تمثيل مسرحية Zooman and The Sign في المسابقة. كان رد فعل والديه الإيجابي على أدائه دافعاً لإقدامه على دخول مهنة التمثيل.
ساعده أداؤه الأول على إدراك «قوة التمثيل» لأنها كانت أول مرة يرى والده يتصرف بعاطفة كبيرة. قال مالك: «على خشبة المسرح واجهت هذه اللحظة أمام والدي مع مجموعة من الجمهور، ولكن بعد ذلك فكرت، شيء خاص حقاً يحدث هنا».
توفي الوالد عام 2006، قبل رؤية ابنه وهو يحقق نجومية كبيرة في هوليوود.
من مطاعم هوليوود إلى استديوهاتها
في تقرير لشبكة «سي أن بي سي» عن بدايات رامي. أشارت أنه وقبل انطلاقته في عالم التمثيل، عندما كان في العشرينيات من عمره. عمل في مطاعم الفلافل بمدينة هوليوود وكان يوصل الطلبات للمنازل من أجل توفير نفقاته الأساسية. لكن شغفه بالتمثيل كبر بمرور الزمن.
قال مالك في مقابلة مع صحيفة «المصري اليوم» نشرت عام 2015 إنه كان يحلم «بالعمل في استوديوهات هوليوود لا في مطاعمها» وكاد يتملكه الشعور باليأس حتى ابتسم له الحظ عام 2004، حين جاءته مكالمة هاتفية من مُخرج، طلب منه المشاركة في مسلسل Gilmore Girls فوافق دون تردد، فكانت الانطلاقة.
لو بقي مالك في مصر
أثار فوز رامي مالك بالأوسكار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل العربية، كان عنوانها: «لو بقي مالك في مصر لكان مسجوناً الآن». فأداؤه لدور فريدي ميركوري المثلي جنسياً كان ليثير المتشددين دينياً بوجهه، أما أفكاره السياسية والعلمانية فهي كفيلة بسجنه.
Leave a Reply