فشلت فـي تنشيط المفاوضات الاسرائيلية-الفلسطينية فحاولت التعويض عنها فـي لبنان
طالبت السنيورة بإبعاد «حزب الله» عن الحكومة وعدم تمثيل عون
بعد فشلها في تنشيط المفاوضات الاسرائيلية-الفلسطينية، بسبب رفض الحكومة الاسرائيلية وقف برنامجها الاستيطاني، لا سيما في القدس ومحيطها، لبقائها عاصمة للدولة العبرية، جاءت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس الى لبنان في زيارة مفاجئة وخاطفة ودون موعد مسبق، وتحت عنوان تهنئة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وتقديم دعم ادارتها له وتوجيه دعوة اليه من الرئيس جورج بوش لزيارة واشنطن.
الا ان العنوان الاساسي كان البحث في موضوع مزارع شبعا، لجهة التفاوض حولها مع اسرائيل التي نقل عن رئيس حكومتها ايهود اولمرت استعداده للانسحاب منها، اذا تم توقيع معاهدة سلام بين البلدين، وقد فاجأ كلام رايس المسؤولين اللبنانيين الذين ابلغتهم ان الظروف مؤاتية للبدء في مفاوضات حول مزارع شبعا، بالتزامن مع المفاوضات السورية-الاسرائيلية حول الجولان، ولا بدّ من ان تكون المسارات واحدة، بعكس ما كانت عليه السياسة الاميركية، التي كانت تشجع على حلول جزئية ومنفردة وفك المسارات عن بعضها وعدم تلازمها، حيث كانت الادارات الاميركية تضغط دائماً على لبنان لفك مساره عن المسار السوري في المفاوضات حول السلام مع اسرائيل، وان من الاسباب التي كانت وراء صدور القرار 1559 الذي طالب بإنسحاب القوات السورية من لبنان، هو لدفع لبنان نحو سلام منفرد مع اسرائيل.
فاللقاءات السريعة لرايس في بيروت، كانت لانقاذ مهمتها من الفشل الذي اصابها في تفعيل المحادثات الاسرائيلية-الفلسطينية، بعد زيارات متكررة لها الى المنطقة، ومجيئ رئيسها جورج بوش اليها مرتين خلال ثلاثة اشهر، حيث لم ينجح في الوصول الى اهدافه التي رسمها في قيام دولتين يهودية وفلسطينية، وهو كان يريد احراز تقدم على الجبهة الفلسطينية-الاسرائيلية، لينهي عهده الرئاسي بنصر دبلوماسي في الشرق الاوسط، بعد هزيمته في العراق وغرق جيشه فيه، وعدم تمكن السلطة الفلسطينية من ان تصمد في وجه حر كة المقاومة، اضافة الى الانتكاسة التي اصابت حلفائه في لبنان.
حضرت رئيسة الدبلوماسية الى لبنان، علها تفتح باباً لحل على الجبهة الاسرائيلية-اللبنانية من خلال مزارع شبعا، بعد ان غابت عن رعاية التفاوض غير المباشر الاسرائيلي-السوري عبر تركيا، ولتقديم جرعة دعم لأولمرت الذي يغرق في فضيحة فساد، قد تخرجه من رئاسة الحكومة وتذهب به الى المحكمة وتقرب انتخابات مبكرة للكنيست.
هذه خلاصة لقاءات الساعات الثلاث والنصف، التي عقدتها وزيرة الخارجية الاميركية مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وحلفائها في قوى 41 شباط، فأبلغتهم ان ثمة فرصة لاخراج اسرائيل من مزارع شبعا، واقفال ملف المقاومة وسلاحها، وهذا يساعد على بسط سلطة الدولة وتقوية الجيش اللبناني، الذي تتعهد الادارة الاميركية بتقديم الدعم له، لتصبح الدولة قوية.
وقد لاقت فكرة رايس ارتياحاً لدى السنيورة وفريقه، الا انهم اكدوا لها، ان المفاوضات مستبعدة، لان المطلوب هو تنفيذ القرار 1701 وعلى الامم المتحدة ان تقوم بواجبها، وان تضع مزارع شبعا بعهدتها للبدء بترسيم الحدود مع سوريا، او تطبيق ما هو متفق عليه وموجود في المحاضر المشتركة بين البلدين منذ الاربعينات والخمسينات من خلال لقاءات جمعت مسؤولين في الدولتين.
وكان موضوع مزارع شبعا احتل حيزا في المباحثات، التي جرت بين رايس ووزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير ولم يغب عن القمة التي جمعت الرئيسين الاميركي بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان زار لبنان لتهنئة الرئيس سليمان واستمع منه الى ضرورة انهاء وضع مزارع شبعا، وطلب مساعدة فرنسية من اجل تنفيذ القرارات الدولية، ومنها حق العودة للفلسطينيين، ولمنع توطينهم في لبنان.
فتحريك قضية مزارع شبعا لتحريرها دبلوماسياً، نظرت اليه المقاومة بإيجابية، على ان تعود دون مفاوضات وتكون تحت السيادة اللبنانية وينتشر فيها الجيش اللبناني، وكان تحفظ قيادة المقاومة على ان لا يتخذ من هذا الموضوع ذريعة لتجريد المقاومة من سلاحها، والبحث في وجودها، قبل ان يتم الاتفاق على استراتيجية دفاعية، بعد استكمال التحرير.
الا ان ما لفت هو ان رايس لم تتحدث عن الوجود الفلسطيني في لبنان، ولم تعط جواباً للرئيس سليمان حول تنفيذ قرار حق العودة للاجئين، لا بل تجاهلته واعتبرته انه يدخل في اطار الحل النهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، والذي لا يلحظ عودة للنازحين الفلسطينيين، وهو ما دفع العماد ميشال عون الى السؤال حول عودة الفلسطينيين، لان بقاءهم في لبنان، يعني عدم الاستقرار واستمرار وجود السلاح في المخيمات، والذي بات مربوطاً بحل قضية اللاجئين. وكان البطريرك الماروني نصرالله صفير، واثناء زيارته الاخيرة لواشنطن سمع من الرئيس الاميركي جواباً حول توطين الفلسطينيين وموقفه منه، بأنهم سيبقون حيث هم، مما يعني توطينهم.
وخارج البحث في موضوع مزارع شبعا، فان رايس اكدت للرئيس السنيورة، انها لن تكون مرتاحة لوجود «حزب الله» في الحكومة لانه تنظيم «ارهابي» حسب زعمها، وهي طالبته بإبعاده عن التشكيلة، اذا توفرت الظروف، ولا مانع من ان لا يتمثل «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون في الحكومة، لانه خرج عن «ثورة الارز» وتفاهم مع «حزب الله».
وهذه الايحاءات لرايس امام السنيورة، تؤكد تدخلها في الشؤون اللبنانية، رغم اعلانها امام الصحافيين انها ام تتطرق الى الوضع الحكومي، لكنها اشارت الى سرورها بعودة السنيورة الى رئاسة الحكومة، وقد اكدت له على ضرورة ان لا يتضمن البيان الوزاري للحكومة اي شيئ عن المقاومة، وطالبته انتظار تقرير الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرار 1701، لانه سيشير فيه الى ان الامم المتحدة ستضع المزارع تحت وصايتها، وعندها لا تلتزم الحكومة بموضوع المقاومة.
وفي الوقت القليل المحدد لها في زيارتها، جمعت رايس حلفائها في قوى 14 شباط، في محاولة لطمأنتهم ان ادارتها لن تتخلى عنهم وان ما حصل في بيروت لن يكون سلبياً ضدهم، وان مشروعهم في قيام الدولة، هو الذي سينجح، دون ان تذكر لهم، ان مشروع ادارتها في المنطقة ومنها لبنان فشل، وان سوريا تمكنت من مواجهة الضغوط عليها، وان الانفتاح الفرنسي عليها ودعوة الرئيس بشار الاسد لحضور مؤتمر الاتحاد المتوسطي وذكرى الاستقلال الفرنسي في باريس، لا يدل على انها محاصرة ومعزولة دولياً فكان رد الوزيرة الاميركية، ان هذه المواضيع جرى بحثها في اللقاءات مع الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزرائه، وتم التنبيه الى ضرورة عدم اعطاء سوريا صك براءة، وان عليها تغيير سلوكها لان ما قدمته في انتخابات رئاسة الجمهورية لا يكفي، وان المحكمة الدولية مستمرة وقائمة للتوصل الى معرفة من اغتال الرئيس رفيق الحريري.
زيارة رايس لم تكن لتهنئة الرئيس سليمان، بل لدفع لبنان نحو اتفاق 17 ايار جديد ومعاهدة مع اسرائيل.
Leave a Reply