على حين غرّة أتاها نسيم منعش كنسيم أهل الشمال، حيث كانت في حال تنعدم فيه الحياة، وتكفهّر السماء وتسوّد، حيث تنتظر الأرض الغيث أملا بهطول المطر للوقوف على مشارف الربيع.
غيثٌ طال إنتظاره بعد قرونٍ من “خلافةٍ” جائرة حصدت خلالها الزرع والبشر وباعتهم بأبخس الأثمان.
كانت تجلس كمثيلاتها العربيات على شرفة الحرية.. تحلم بالتحرر من نير الإستعمار الحديث، وظلم بني القربى القديم.
كانت تحلم بغدٍ أفضل، حيث لا إحتلال ولا ظلم ولا إستبداد؛ ظناً منها أن الرياح، رياح التغيير، ستجلب معها أمطار نيسان علها ترتوي من عطش الدهر.
ولكن الرياح جرت عكس مُشتهاها، فبدل القحط المزمن كان الخريف المستمر؛ حيث الوعود بالشتاء، ولا مطر؛ حيث الربيع يلوح في الأفق، وما هو إلا مجرد سراب.
خريفٌ عمل الجميع لاستمراره، منذ الإنتداب المشبوه وإعلان دولة الإغتصاب مروراً بحروب الهزيمة وتوقيع إتفاقيات العار، وصولاً إلى أسفل الدرك حيث تخلى الباقون عنها؛ وإنشغلوا عوضاً عن ذلك، بإرضاء مستعمرٍ جديد؛ إلا من رحِمَ ربّي..
ولكن، وبعد ثلاثة وستين عاماً من الصقيع حيث لا معطفَ يقي ولا حطبَ يُدفىء، وبعد أن صادر المحتل كل أنواع أنساغ الحياة؛ يأتيها الدفء من أقصى المدينة؛ من تونس. فنار “البوعزيزي” التي أحرقته، أشعلت معه نار الحرية في بلادٍ كانت تنشد الحرية ولم تنسها.
لقد ألهمت دماء “البوعزيزي” أبطالا داخل لبنان وسوريا وما تبقى من فلسطين، حملوا في كفةٍ دمهم يفتدون به الأرض المقدسة، وبالأخرى ممحاة يزيلون فيها حدوداً وهمية رُسمت بدم أجدادهم.
في عيد نكبتنا جلست فلسطين لتحلم بالربيع، ربيع جديد يلونه أبناؤها بكل ألوان الحياة بعيداً عن أنظمتهم، ربيع كربيع تونس ومصر.
جلست، والدمعة في المآقي حزناً على الشهداء الذين أتوا من خارج أسوارها لنُصرتها، جلست تدعو الجبار أن يمُن على باقي أخواتها بالربيع ذاته، وأن يجعل من أيام كل بلداننا العربية ربيعا..
Leave a Reply