ليس من السهل على امرأة فقدت أطفالها الثلاثة لصالح عائلة أميركية قبل ربع قرن أن تبقى محافظة على تماسكها وتركيزها في معركة استعادتهم على مدى أكثر من 15 عاماً.
رحاب عامر وزوجها أحمد عامر خسرا المعركة. بعد خسارتهم للأطفال الثلاثة وشقيقهم الرابع الذي مات في حادثة قبل 25 سنة أطلقت الحلقة الأولى في مسلسل معاناة عائلة عامر والتي لم تنته فصولا إلا يوم الثلاثاء الماضي، عندما وقفت رحاب عامر مع زوجها الى جانب حاكمة الولاية جنيفر غرانهولم وهي توقع على “قانون عامر” الذي من شأنه أن يضع حدا للظلم الذي شرعنه القانون على مدى عقود.
“قانون عامر” ببساطة يعيد ممارسات الوكالات المختصة بشؤون الأطفال وحمايتهم إلى السكة الصحيحة بعدما جنحت عنها مع عدد لا يحصى من العائلات وأدت إلى معاناة عشرات الألوف من الأطفال في بيوت رعاية تعاملت معهم كسلع بشرية في تجارة أقل ما يقال فيها إنها غير أخلاقية لكنها ألبست ثوب القانون مع كل الظلم الذي يمكن أن يتصوره عقل.
قبل 25 عاما اتهمت رحاب عامر بالتسبب بمقتل طفلها سمير. ثبت بعد 15 عاما من الحادثة أن الوفاة تسبب بها القضاء والقدر، معطوفين على مرض نادر في العظام كان يعاني منه الطفل السيء الحظ.
سلبت العائلة طفليها محمد علي وسهير. وعندما حملت رحاب ووضعت مولودتها زينب في احدى مستشفيات مدينة ديربورن. حضرت سلطات الولاية واستولت على الوليدة، بعد ساعات قليلة من عملية الولادة.
خسرت رحاب وزوجها معركة استرداد الأطفال لكنها لم تيأس. أثبتت براءتها في ساحة العدالة واستمرت تقاتل من اجل ألا يقع الظلم الذي ذاقته مع زوجها وأطفالها على عائلات أخرى. لم تعدم وسيلة اتصال أو تواصل مع عائلات تعرضت لمحنة مشابهة. حشدت ما امكنها من طاقات وهي تعمل مع زوجها منفردين، وبلا عون حقيقي، ما خلا التغطية الإعلامية من “صدى الوطن” التي واكبت القضية منذ بدايتها وبعض الصحف الأميركية المحلية. ونجحت في إرساء صيغة مشروع قانون يضع حدا لعسف السلطات القانونية في التعامل مع الأطفال المفصولين عن ذويهم كسلع في سوق التبني.
أطلقت رحاب الصرخة تلو الصرخة وكان صداها يكبر كل مرة حتى تحولت إلى قضية في ميزان عدالة اختلت كفتاه طويلا لكنهما لم تنكسرا، مثلما لم تنكسر إرادتها في تبيان مدى الظلم الذي يحيق بعائلتها وبعوائل كثيرة أخرى عربية وغير عربية.
وصلت صيغة مشروع القانون إلى بعض المشرعين في كونغرس الولاية، ووجدت من يتبناها لتعرض على التصويت، ثم الإقرار بأغلبية كاسحة في مجلسي النواب والشيوخ، فالتوقيع عليه من قبل حاكمة الولاية صباح الثلاثاء الماضي ليصبح نافذا.
ما بذلته رحاب عامر من مجهود خارق، عجزت عنه “مؤسسات” تعد بالعشرات في المدينة التي تقطنها. لم تحاول أي منها أصلا الاتيان بمبادرة، أو إيجاد وقت للتفكير بهذه المحنة الإنسانية التي خيمت على عائلات عربية عديدة.
بعضها قارب المسألة من منظور ريعي وعندما وجدها غير مجزية أهملها. لطالما أطلقت صرخات ألم من غياب بيوت رعاية عربية لكنها تلاشت جميعها في زحام المشاريع الفاشلة وغير المجدية التي انشغلت بها معظم مؤسسات الجالية.
ظلت قضايا من نوع قضية عامر وسواها على هامش تلك “المؤسسات”. أثبتت لنا رحاب عامر أن “مؤسستها” تعدلهم وتبزهم جميعا. وقفت مع زوجها الى جانب الحاكمة وهي توقع على “قانون عامر” دون شهود من “الرموز” ربما لم تكن لحظة ملائمة لالتقاط صور تذكارية في هذه المناسبة التاريخية. أو ربما هو الشعوربالخجل والتقصير أمام امرأة تحولت بقوة الأمومة الى مؤسسة ناجحة لان أمام إرادتها وإصرارها جمود القوانين.
قضية عائلة عامر لم تكن أقل من تمييز عنصري، اثني، ديني، وثقافي أخفقت الجالية العربية بكل مؤسساتها “المختصة” في مكافحته.
خسرت عائلة عامر أطفالها، لكنها أبت الانكفاء قبل أن تضمن عدم تعرض عائلات أخرى عربية ومسلمة لمحنة شبيهة بمحنتها.
تستحق رحاب عامر وزوجها أحمد عامر كل الاحترام وأن يرفع لهما قواد المؤسسات العربية قبعاتهم على إنجاز سوف يحمي أطفالنا المعرضين للفصل عن ذويهم من مصائر التشرد والمعاناة والاضطهاد والتعذيب الجسدي والنفسي في بيوت رعاية، انتظمت علاقتها مع سلطات الولاية بموجب قوانين أقرب إلى شريعة الغاب منها إلى المجتمع الإنساني، والى عصابات المافيا منها الى سلطة مسؤولة.
يمكن لكل المظلومين والمقهورين ممن يمرون بمحن شبيهة بمحنة عائلة عامر أن يتنفسوا الصعداء.
كل الشكر والتقدير والاحترام لرحاب وأحمد عامر على التضحيات والصبر والاصرار. ومبروك لهما هذا الانجاز التاريخي بصدور قانون يحمي أطفالنا ويحمل اسم العائلة (العربي) التي خسرت أطفالها، لكنها لم تخسر إيمانها بعدالة قضيتها وإهتمامها بأطفال العائلات الأخرى.
Leave a Reply