علي منصور
لم ينزعج الحريري من تسمية الوزير السابق حسان دياب لتكليفه بتشكيل الحكومة القادمة بقدر ما استاء من الدكتور سمير جعجع الذي سدّد له سهماً قاتلاً أطاح بتكليفه الذي كان قاب قوسين أو أدنى. وضمناً، اعتبر الحريري أن ما حصل يشكّل رداً على إقصائه، وليس تخلياً عنه، بعد تمسك الثنائي الشيعي به حتى آخر رمق، وهو الذي أعلن مراراً، في لقاءات «بيت الوسط» مع الخليلين، تفهمه لهواجس «حزب الله» و«حركة أمل» وتخوفه من انزلاق الساحة إلى توتر مذهبي سني–شيعي، مقدراً موقف الثنائي الشيعي المتمسك به والمصر على ترؤسه للحكومة القادمة.
تشير المعطيات المتوفرة، بحسب شخصية مطّلعة ومواكبة لحركة «بيت الوسط »، إلى أن الحريري يشعر بأنه تعرض لمؤامرة سعودية ومكيدة داخلية، مشابهة لما حصل له في ٣ تشرين الثاني ٢٠١٧، نفذها بصيغة أمر «مهمة مستعجلة» قائد القوات اللبنانية، بكوماندوس نسائي ناعم اجتاح مسامع الحريري مع ساعات الفجر الأولى.
الحريري لا يستطيع –بالطبع– مواجهة السعودية لاعتبارات كثيرة، بفعل أذرعها المتمددة داخل الطائفة السنية ونفوذها في «دار الفتوى» ومونتها على كثير من المشايخ والعشائر، إضافة لقدرتها على تأليب خصوم الحريري السياسيين ضده ومدّهم بالمال والعتاد. وقد بدت أولى طلائع المواجهة مع «القوات اللبنانية» بردّ مستشار الحريري غطاّس خوري على النائب ستريدا جعجع ودعوتها لقراءة بيان «المستقبل» في إشارة لتحريفها للحقيقة، وسط معلومات تشير إلى قرار اتُّخِذَ بفتح النار على معراب وساكنها والعودة إلى فتح الدفاتر القديمة والبدء بجردة الحساب وإعادة دراسة الجدوى السياسية من التحالف مع «القوات اللبنانية» في أية مرحلة مستقبلية. وهو ما سيحبط إعادة استيلاد قوى «١٤ آذار»، وسيخفف من حدة الانقسام الطائفي والمذهبي، بالرغم من الذهاب نحو تشكيل حكومة تفتقد لثلاثة أحزاب أساسية وكبيرة بعد قرار النائب وليد جنبلاط بتسمية سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، لكنه –كما تقول بعض الأوساط– تسليف قصير الأجل للسعودية على الطريقة الجنبلاطية لن يلبث أن يسترده الزعيم الدرزي ويعيد إيداعه لدى المصرف السياسي لـ«عين التينة» عند استحقاق منح الثقة في مجلس النواب.
هناك عدة اعتبارات ووقائع لا بدّ من التطرق لها عند مواجهة الاستحقاق الحكومي الذي دقّ الباب بعد مسار عسير لا يبشر بولادة سهلة، ولا بجنين حكومي سليم من التشوهات الخلقية والبنيوية، وأهمها:
– الحريري رفض التكليف لافتقاده الميثاقية المسيحية بالرغم من إمكانية حصوله على ١٩ صوتاً مسيحياً لاختيار رئيس حكومة سنّي، فكيف يُكَلف دياب بمشاركة ستة نوّاب فقط، وهو أقل من ربع عدد النوّاب السنّة في المجلس؟
– كان الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصرالله، قد حدد المعادلة الحكومية ضمن احتمالين اثنين، إما تكليف الحريري أو من يرضى به. كذلك موقف الرئيس نبيه برّي، فهل سيرضى الثنائي الشيعي بتشكيل حكومة بتمثيل سنّي هزيل؟ ألا يضرب هذا المنطق ما يردده الوزير جبران باسيل عن انتخاب الأقوياء في طوائفهم، ويمكن أن يشكل جسر عبور يبرر انتخاب الوزير سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في استحقاق ٢٠٢٢؟
– كيف سيتمثل الحراك في هذه الحكومة، وهل سيقبل بالمشاركة أساساً، وهل يستطيع الحراك توحيد موقفه من هذه المشاركة؟
– ماذا لو شاركت مجموعات معينة من الحراك في الحكومة وقاطعتها مجموعات أخرى، فهل سنشهد انقسامات داخل الحراك وكيف سينعكس ذلك على الحكومة؟
– شكل الحكومة وهوية الوزراء وصبغتهم السياسية وبرنامج عملها وبيانها الوزاري، هي المحددات لمدى قبولها أو رفضها من قوى الحراك.
– هل تستطيع هذه الحكومة إذا تشكّلت، القيام بالمحاسبة المطلوبة واستعادة الأموال المنهوبة؟ وهل ستفتح ملفات الفساد لأزلام السلطة مهما كانت مواقعهم؟ وهل هي محصّنة كفاية بما يمكنها من اختراق قلاع الطوائف الحصينة واقتياد المتعلقين بأستارها من الفاسدين إلى المحاكم والسجون؟
– كيف ستواجه هذه الحكومة الولايات المتحدة ومعها الدول الخليجية، وماذا لو فُرضت عقوبات مباشرة على لبنان ونظامه المصرفي؟
– هل ستنجح الحكومة الجديدة بتأمين شبكة أمان عربية بغطاء مصري يؤمنه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تقاطعت نظرته للأوضاع في لبنان مع نظرة الرئيس ميشال عون والثنائي الشيعي؟
– ما هو الموقف الفرنسي من الحكومة، وهل ستشكل فرنسا عامل حماية لها أم أنها ستزيد من مسلسل الضغوط عليها؟
كل هذه التساؤلات تؤكد بأنّ مهمة الحكومة صعبة أو شبه مستحيلة في ظلّ وضع اقتصادي أصبح في قلب الانهيار مع توقع المزيد من الأزمات المعيشية والاجتماعية وانقطاع المساعدات الخارجية، في أوج الاشتباك الإيراني مع الولايات المتحدة والسعودية في المنطقة على أبواب الانتخابات الأميركية، التي بدأت بالاحتدام مع توجيه الاتهام للرئيس دونالد ترامب، والمباشرة بإجراءات عزله التي ستُحبط في مجلس الشيوخ، لكنها لن تسقط من حسابات الناخبين.
ترامب لن يكترث باستقرار لبنان ولا بمعاناة شعبه، فكل ما يعنيه الآن هو الحصول على مكتسبات وإنجازات يصرفها أصواتاً في صناديق الانتخابات. ولكن ترامب المعروف بتهوره، سيبقى محكوماً لعدة اعتبارات دقيقة وحساسة في المنطقة في فترة حملته الانتخابية، وهي اعتبارات وأهداف استراتيجية يرسمها البنتاغون بالتعاون مع وزارة الخارجية وقيادة الجيش الأميركي، واللعب فيها يُعتبر مسّاً بالأمن القومي الأميركي، والمواجهة المفتوحة ستطيح بكل ما بنته الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن بعد رحيل قوات المارينز عن لبنان في عهد الرئيس رونالد ريغان.
حصار لبنان وتجويع شعبه وإفقاره سيجعل منه قاعدة متقدمة في الشرق الأوسط تستهدف مصالح الولايات المتحدة، وسيحرر الجيش اللبناني من انتقائية وقيود التسلح الأميركي وسيفتح الباب العريض أمام روسيا المنتظِرة وإيران المتلهّفة للدخول بقوة ومدّ الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد. وستجد المؤسسة الأمنية العميقة في واشنطن ضرورة للتدّخل ورسم الحدود القصوى التي لا يجب تجاوزها من قبل إدارة ترامب. من هنا، يمكن فتح كوّة في المفاوضات الملتهبة بين واشنطن وطهران لإعادة رسم النفوذ ضمن الستاتيكو الذي كان قائماً في لبنان قبل ١٧ تشرين، وعندها، ربما ستكون الفرصة سانحة لعودة الرئيس الحريري على رأس الحكومة كما يرغب الثنائي الشيعي، لإرساء الاستقرار الداخلي وإعادة التوازن في الرئاسات الثلاث.
هي نظرية تقول بأن تكليف دياب ما هو إلا مرحلة لكسب الوقت والتخلص من ضغط الاستشارات لإدارة المفاوضات داخلياً وخارجياً، وهو تكليف حتى لو أنجب حكومة سيُبقي باب المفاوضات مفتوحاً، فهل بدأت رحلة استعادة الحريري لترؤس الحكومة كما حصل قبل عامين؟
هذا ما ستجيب عنه الأسابيع وربما الأشهر القادمة، أجوبة ستكون معمدة بالألم والمعاناة على أمل ضئيل بعدم الانزلاق إلى توترات أمنية وأعمال شغب مشبوهة ومفتعلة.
Leave a Reply