جيمس زغبي
سيكتب الكثير عن مغزى وأهمية الانتخابات التي أجريت في سنة 2021، لكن الخبر الأهم بالنسبة إلي يتمثل في الفوز الذي حققه عبدالله حمود كرئيس لبلدية ديربورن بولاية ميشيغن. فقد لعبت هذه المدينة من نواحٍ عديدة دوراً مركزياً في العمل الذي نقوم به والذي يرمي إلى تمكين المجتمع العربي الأميركي.
منذ دخولنا السياسة في إطار دائرة انتخابية منظمة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، عشنا حالات عديدة مؤلمة سمتها الرفض والإقصاء. في سنة 1983 حضر أحد المرشحين لتولي منصب رئيس بلدية فيلادلفيا حملة لجمع التبرعات تولى تنظيمها العرب الأميركيون.
لقد قرر ذلك المرشح أن يعيد تلك التبرعات بعد أن راح خصمه ينتقده ويتحداه أن يقبل بأموال التبرعات التي جمعها العرب الأميركيون. أما المرشحون الآخرون فقد تأثروا بتلك الأجواء المشحونة وعمدوا إلى التخلص من الموظفين الأميركيين العرب الذين كانوا يشاركون في حملاتهم الانتخابية فيما تجنب البعض الآخر الجالية العربية الأميركية.
بعد ذلك، وفي سنة 1984، ظهر القس جيسي جاكسون على سطح الأحداث عندما قرر الترشح وخوض غمار حملة الانتخابات الرئاسية وكان أول من رحب بالجالية العربية الأميركية وأشركها في ائتلافه الذي يقود حملته الانتخابية.
كانت الاستجابة كبيرة. فقد هب أبناء الجالية العربية الأميركية وشاركوا بأعداد كبيرة بكل حماس في مختلف الفعاليات التي أقامها ضمن إطار حملته الانتخابية في جميع أنحاء الولايات المتحدة لما أبداه من احترام وتقدير للعرب الأميركيين. لم تكن مدينة ديربورن استثناءً.
بعد تلك الانتخابات، أدركنا مدى أهمية البناء على تلك التجربة. لذلك فقد بادرنا بإنشاء المعهد العربي الأميركي لمواصلة الزخم الذي أوجدته انتخابات 1984. لقد ألزمنا أنفسنا بزيادة تسجيل الناخبين الأميركيين العرب وتشجيع المزيد من العرب الأميركيين على الترشح للمناصب.
لقد ارتأينا في البداية التركيز على التحضير والاستعداد للانتخابات الرئاسية التي أجريت سنة 1988. في تلك الأثناء حدث شيء ما بعد اجتماعنا التأسيسي الذي عقدناه في أوائل سنة 1985 وهو ما شحذ عزيمتنا ودفعنا إلى إعادة تركيز جهودنا.
اتصلت امرأة عربية أميركية شابة، كانت قد حضرت ذلك الاجتماع التأسيسي، من ديربورن بمكتبنا وأخبرتنا أن مرشحاً يتنافس على منصب عمدة مدينة ديربورن في ذلك العام قد أرسل بريداً من نوع التابلويد إلى كل منزل في المدينة وقد اختار له عنوان: لنتحدث عن «المشكلة العربية».
كانت «المشكلة»، كما وصفها، أن «هناك عدداً كبيراً منهم (العرب)، وهم لا يتحدثون لغتنا، ولا يشاركوننا قيمنا، وهم «يدمرون أسلوب حياتنا الجيد والمنظم». لقد نجح ذلك المرشح من خلال خطابه العنصري وانتصر في تلك الانتخابات.
ديربورن هي مدينة صغيرة مجاورة لديترويت. في فترة الثمانينيات. كان عدد سكانها حوالي 90.000 نسمة وقد كانت موطئا لأحد المصانع الرئيسية لشركة فورد لصناعة السيارات أنشأه هنري فورد في أوائل القرن العشرين. لقد كانت تلك المدينة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقطاع صناعة السيارات.
كان العمال وعائلاتهم يعيشون بالقرب من مصنع فورد لصناعة السيارات ومصانع الصلب الموجودة على الجانب الشرقي من المدينة، بينما كان الغرب الأكثر رقياً موطناً للإدارة والموظفين من ذوي الياقات البيض. وبما أن فورد كان شخصاً معروفاً بأفكاره الخاصة فإنه لم يتوان في فصل القوى العاملة لديه ولم يُسمح للسود أو اليهود بالاختلاط معها. ومع مرور السنين، وصل المزيد من المهاجرين الجدد إلى مدينة ديربورن وهم يمنون النفس بالحصول على فرصة للعمل في شركة «فورد». عندما استقروا في المدينة أمكن لهم الحلول تدريجياً محل أولئك الذين جاءوا من قبلهم وصعدوا منذ ذلك الحين على سلم الحراك الاجتماعي والاقتصادي.
خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، كان العرب هم المهاجرون الجدد (غادر الكثير منهم لبنان خلال الحرب الأهلية، مع وصول أعداد كبيرة بشكل خاص من جنوب لبنان بعد الغزو والاحتلال الإسرائيليين). وبالتالي، ربما لم يكن من غير المتوقع أن يقوم المرشح بالقيام باعتراض عنصري ضد «الوافدين الجدد». أقول متوقع، لكنه كان صادماً ومؤلماً.
سافرت إلى ديربورن في اليوم التالي لنشر تلك الأخبار التابلويد المؤذية وتحدثت هناك إلى تجمع كبير من المجتمع. لن أنسى أبداً نظرة الرفض المؤلمة على وجوههم. يومها قلت لهم: «أنتم لستم مشكلة ديربورن –إنكم وعدها ومستقبلها».
نظراً إلى أن المجتمع العربي الأميركي في تلك المدينة كان حديث النشأة فقد كان تسجيل الناخبين منخفضاً. لذلك فقد شعر المرشح لرئاسة المجلس البلدي أنهم كانوا هدفاً سهلاً، لكن من خلال العمل مع العديد من مجموعات المجتمع المحلي الكبيرة، فقد قمنا بتعيين موظفين وخصصنا الموارد اللازمة وضاعفنا جهودنا من أجل زيادة تسجيل الناخبين وتعبئتهم.
بعد مرور أربع سنوات تم انتخاب سوزان سرعيني، تلك المرأة التي اتصلت بمكتبنا للإبلاغ عن صحيفة التابلويد، عضوا في مجلس المدينة – لتصبح أول عربية أميركية تنتخب في المدينة. بعد عشر سنوات من ذلك، بلغ عدد الناخبين الأميركيين العرب أكثر من سبعة آلاف نسمة. أما رئيس مجلس المدينة فقد تحدث في إحدى الفعاليات التي أقمناها وقد استهل حديثه باللغة العربية وسلمني «مفتاح المدينة» الرمزي.
في سنة 2003 أطلقنا فعالية في مدينة ديربورن وقد شارك فيها كل ديمقراطي يرشح نفسه للرئاسة. وبحلول عام 2013. كان الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس المدينة من العرب الأميركيين. أما في الوقت الحالي، فقد أصبح العرب الأميركيون يشكلون غالبية سكان مدينة ديربورن التي انتخب فيها أيضا أول عمدة من العرب الأميركيين.
يمثل عبدالله حمود قصة أميركية كلاسيكية بامتياز. فقد هاجر والداه من لبنان إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث عمل أبوه سائق شاحنة فيما كانت والدته تدير شركة صغيرة. تم انتخاب عبدالله، الحاصل على درجتي ماجستير، ممثلاً عن الولاية عام 2017 وأعيد انتخابه مرة أخرى في عام 2019 – وهو أول أميركي عربي يمثل ديربورن في المجلس التشريعي لولاية ميشيغن.
على الرغم من أن خصمه حاول الإيقاع به خلال الحملة الانتخابية وتشويهه من خلال الزعم بأن عبدالله كان يهرول ويتلهف لتمثيل «مجتمعه» في نفس الوقت الذي كان فيه يتلهف لتمثيل ديربورن بالكامل. حافظ عبدالله على روحه الإيجابية وركز على احتياجات المدينة.
بالإضافة إلى فوز عبدالله حمود في تلك الانتخابات وتوليه منصب رئيس البلدية فقد كان أربعة من أصل سبعة من أعضاء المجلس البلدي من العرب الأميركيين، بما في ذلك نجل سوزان، مايكل الذي تم انتخابه رئيساً للمجلس. قائد الشرطة أيضاً عربي أميركي، وكذلك العديد من القضاة والمدراء الثلاثة في المدارس الثانوية العامة في ديربورن.
ويواصل مجتمع الأعمال العربي الأميركي جهوده الحثيثة الرامية إلى إعادة الحياة إلى المدينة، ما يسهم في تجديد مترو ديترويت بشكل عام. من المهم أن نلاحظ أن ديربورن هايتس قد انتخبت أيضاً عمدة من عرب أميركا يدعى بيل بزي، كما فعلته أيضا مدينة هامترامك المجاورة والتي نسجت على نفس المنوال وانتخبت عامر غالب، وهو مهاجر يمني والذي أصبح أول رئيس بلدية عربي أميركي في تلك المدينة.
لقد أظهر المجتمع العربي الأميركي أن عرب أميركا هم بمثابة «الوعد» في مدنهم وهم لا يمثلون بالتالي «المشكلة». نحن في أمس الحاجة إلى التذكير بقصتنا في مثل هذه الأوقات.
Leave a Reply