بقلوب يعتصرها الحزن والألم راضية بقضاء الله وقدره، مؤمنة بحكم الله، مصدقة بوعده، مسلّمة الأمر كله لله تعالى الذي قهر عباده بالموت والفناء، نعت الحوزة العلمية في قم المقدسة رحيل رجل الفقه والورع والتقى، الأبن الأكبر البار للعلم ولوالديه، الذي تميّز بالفقاهة في العلم والزهد في الدنيا، أستاذ الحوزة العلمية، سماحة آية الله السيد محمد رضا نجل المرجع الديني الراحل الفقيه السيد محمد الشيرازي قدس سره، والذي وافته المنية صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الأول الموافق 1/6/2008 م بعيد صلاة الصبح. وختم حياته في محراب الله للقاء الله.
جرت العادة عند الوسط الديني الحوزوي، حينما يختطف الموت رجلاً متميّزا في العلم والفقاهة، يبادر المراجع العظام وأساتذة الحوزة العلمية والمدارس الدينية بإرسال برقيات وبيانات التعازي والمواساة لأسرة الفقيد وذويه، وذلك أمر مشروع ومستحب، كما جرت العادة عند جمهور المحبين والموالين لتلك الشخصية العلمية من الذين نهلوا من علمه وتعلموا من أخلاقه أن يبادروا للمشاركة في تشييعه وتأبينه وإقامة الفاتحة على روحه في الحدود التي تليق بمكانته وإذا خرج ذلك السلوك عن السيطرة فقد يتجه الى طريق لا يخدم القيمة والفضيلة التي خلفها تلك الراحل، بل قد تسيء اليه وتمنح الفرصة لأعداء العلم والفضيلة أن يقوضوا وينسفوا ما تركه ذلك العالم والوفقيه من تراث وخبرة ينتظرها الناس.
فقيدنا الراحل بالإضافة الى عبقريته وإبداعه وتميّزه في علوم الفقه، كان قمة في التقوى والورع والزهد في أمور الدنيا بالخصوص التي تتعلق بالشأن السياسي والبحث عن المناصب والألقاب حيث لم يسجل عليه أنه أشترك في تنظيم أو حزب رغم أنه من أسرة مجاهدة قدمت التضحيات تلوى التضحيات في العقود المنصرمه، وكانت الفرص مغرية للنزول الى ساحة الجهاد المقدس كما فعل جده وأبوه وعمه وأخوته وأبناء عمومته، وآثر الجهاد في ميدان العلم مقدياً بأجداده الباقر والصادق عليهم السلام، كما أنه لم يفكر في تمثيل والده قدس سره لا في حياته ولا بعد مماته، وكانت سجاياه إحترام الناس دون النظر الى مراتبهم وكان يبالغ في التواضع الى حد خطف فيه قلوب الجميع، فلا يذكر عند أحد إلا وقف له إحتراماً وتبجيلاً وأعترافاً بخلقه الرفيع، سواء كان من أسرته أو من التابعين الى مدرسة والده وحتى من الذين أختلفوا مع منهج والده.
إن الحديث عن هذه الشخصية العلمية التي جمعت بين العلم والورع يفسح المجال أمام من يحملون القلم أو من يعتلون المنابر للدفاع عن القيم والمثل التي ينبغي أن يتصف بها رجل العلم الحقيقي في زمن أختلطت فيه المصالح الدنيوية بالمصالح الأخروية، وغابت الحقيقة عن من يريد النجاة ويبحث عن طريق يسلك به سبيل الرشاد، ذلك هو سر تعاظم الحزن والأسى لفقد هذا النموذج في سن مبكر لم يتجاوز العقد الخامس بعد أن ثبتت قدماه على طريق أهل الشوكة ونهل من معين الفقاهة والأجتهاد، وتركزت عليه الآمال، لكن مشيئة الله وحكمته أبت إلا أن تختار له الأصلح، فخسارة أهل العلم بغيابه مجبورة بوفادته على رب غفور رحيم فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أعظمها من مصيب على العارفين به وما آلمها من فاجعة على أسرته وما أفدحها من خسارة للحوزة العلمية.
Leave a Reply