نورُ إبداع وعطاء أطفأه الموت فـي ذروة إشراقه
ودعت الجالية العربية الأميركية بجميع فعالياتها، مع الأسرة الطبية في ولاية ميشيغن، صباح يوم الإثنين الماضي في إحتفال جنائزي مهيب أحد أبرز الأطباء والجراحين والناشطين السياسيين والإجتماعيين العرب الأميركيين في الولايات المتحدة، الطبيب الجراح صاحب القلب الكبير واليد البيضاء الراحل المرحوم الدكتور فاروق عبيد.
أسلم الدكتور فاروق عبيد الروح بعد صراع مرير مع مرض عضال ألم به قبل أشهر تاركاً صفحات مشرقة في سجلات الإنجازات الطبية والجراحية كطبيب سوري عربي مهاجر حمل أحلامه الكبيرة إلى أميركا وحقق الكثير منها قبل أن يدهمه المرض العضال وهو في عز عطائه وإبداعه وهو الذي لم يتجاو الثامنة والخمسين من العمر.
جسّد الراحل الدكتور عبيد مهنة الطب كرسالة إنسانية بكل مضامينها ومعانيها وعرفته الجالية العربية في مستشفيات ولاية ميشيغن أباً وأخاً وإبناً تعاطى مع مرضاها ومع سائر المرضى بروحٍ من الإندفاع والإخلاص لم تكن تحدّ منها أي قيود في مجتمع تسود علاقاته الإعتبارات المادية والمصلحية.
تقلّد الراحل المرحوم الدكتور فاروق عبيد العديد من المناصب والمراكز الرفيعة في المعاهد والمؤسسات الطبية التي عمل فيها وكان قبل إصابته بالمرض رئيساً لقسم الجراحة في مستشفى «هيرلي» التابع لجامعة ميشيغن ستايت وقبلها مسؤولاً لقسم جراحة الطوارئ في مستشفى هنري فورد في مدينة ديترويت حيث كان المرجع والدليل لكثير من العائلات العربية التي ابتليت بمحنٍ مع أحبائها مقدماً المشورة والنصيحة ومشاركاً في التخفيف من آلامها بروح من الإنفتاح والمحبة غير المحدودة التي كانت تحكم مهنته كطبيب جرّاح، تجتمع في شخصيته المسؤولية المهنية والأخلاقية مع الشعور بالإنتماء الفردي إلى كل عائلة عربية، وهو الطبيب الشاعر الرقيق، والأديب المفوّه الذي لطالما إعتلى منابر المناسبات الوطنية والإجتماعية والخيرية متحفاً جمهور جاليته العربية بباقات جميلة من القصائد والكلمات التي عبرت عن صدق إنتمائي وتعلقه بقضايا وطنه العربي الكبير.
أكثر ما تركه الدكتور الراحل هو تلك الثروة التي لا تقيّم من حب الناس الذين خدمهم سنوات عمره المهني وقدّم لهم بلسماً لجراحاتهم الجسدية والنفسية على حدّ سواء.
عديدة هي مناقب هذا الطبيب العربي الأميركي الفدّ في المجالات الطبية السياسية والإجتماعية، فهو خدم لسنوات طويلة رئيساً لجمعية الجراحين الأميركيين الشباب في ولاية ميشيغن مساهماً في إستحداث العديد من البرامج الصحية المفيدة وإلغاء قوانين وسياسات كانت تعيق عمل الجراحين في الولاية عبر تواصله الدائم وجراحين آخرين مع الهيئات التشريعية في الولاية وفي الكونغرس الأميركي.
شارك الراحل منذ وصوله إلى ولاية ميشغين في معظم الحوارات والنقاشات وأطلق العديد من المبادرات التي أسهمت في تأسيس وإطلاق جمعيات ومنظمات عربية أميركية من جهة، وأصلحت ذات البين بين مؤسسات وافراد من جهة أخرى، حيث كان رحمه الله، داعية توافق وعامل تواصل وجسراً للإلفة وواحة لنبذ التفرقة.
لم يتوان الراحل الدكتور عبيد عن تأدية واجب وطني وإجتماعي وهو الذي ترأس الجمعية الأميركية العربية السورية وخدم في عضوية مجلس إدارتها حتى محنة مرضه.
ساهم في إغناء الوعي الثقافي والسياسي في مجتمع جاليته العربية عبر مشاركته في العديد من المنتديات الإعلامية، والمناسبات الوطنية والإجتماعية، وكان لكاتبي هذه السطور شرف إستضافته في حلقات نقاش وحوار على شاشة تلفزيون الشرق ضمن برنامج «قضايا وأحداث» قبل عدة سنوات وكان تشديده الدائم في الحوارات والنقاشات التي أجريناها معه في ذلك البرنامج أو في البرنامج الإذاعي يتلخص في إن قوة أميركا السياسية والإقتصادية تكمن في قوة أفرادها وجماعاتها المغتربين القادمين من مختلف بقاع الأرض.
وليس من قبيل الصدف أن الدكتور الراحل فاروق عبيد كان أول ضيف على البرنامج الإذاعي «جسر المعرفة» في أول حلقة بثت في العام 1996 وكان المتحدث الرئيس في إحتفال البرنامج المذكور في الذكرى السنوية الخامسة لتأسيسه عام 2001.
وكانت للراحل إطلالات إعلامية تثقيفية على برامج فضائيات عربية كالـ«جزيرة» و«أبو ظبي» ومحطات أميركية مثل «آي بي سي» و«أن بي سي» وغيرها، حيث ساهم بثقافته الطبية الغنية وتجربته الرائدة في ميدان الجراحة في توعية وتثقيف ملايين المشاهدين، في مختلف دول العالم.
لم يرأف المرض بشباب هذا الطبيب العربي الشهم والمعطاء، فأطفأ نوره المتلألئ في سماء أسرته وجاليته ووطنه، لكنها مشيئة الله التي لا رادّ لها، والعزاء في أبنائه وبناته السائرين على نهجه الإنساني والمقتدين بسيرة نجاحه وإبداعه. ولسوف تبقى ذكراه عاطرة ومخلّدة في أعماق قلوب كل من عرفوه وأحبوه.
أسرة «صدى الوطن» تتقدم من زوجة الراحل السيذة غلوريا ومن نجليه نبيل ونيكولاس ومن ابنتيه ناديا وليلى وعموم أفراد أسرته والجالية العربية السورية الكريمة بأصدق التعازي في هذه الفاجعة الكبيرة التي ألمت بهم وبالمجتمع العربي الأميركي برمته، راجين لهم الصبر والسلوان ولروحه الطاهرة إقامة خالدة في جنات النعيم.
Leave a Reply