أحمد السبلاني – «صدى الوطن»
فـي الوقت الذي يعيش فـيه الأميركيون حمى الانتخابات الرئاسية وما يرافقها من انقسام حاد بين الرؤى المتناقضة للمرشحين حول مستقبل البلاد ومسارها بعد انتهاء عهد الرئيس باراك أوباما، فتحت الأبواب على مصاريعها، أمام معركة مصيرية أخرى بعد رحيل القاضي المحافظ أنتونين سكاليا (٨٠ عاماً) الذي توفـي بشكل مفاجىء صباح السبت الماضي، ليشغر مقعده فـي المحكمة العليا الأميركية التي باتت منقسمة بالتساوي بين القضاة المحافظين (الجمهوريين) والليبراليين (الديمقراطيين).
ويعتبر الأميركيون أن أعضاء المحكمة العليا التسعة أكثر الأشخاص فـي البلاد قوة وتأثيراً على سير حياتهم من بين جميع أهل السلطة. ولهذا أحدثت وفاة سكاليا المفاجئة «خضة» لدى قطاع واسع من التيار المحافظ فـي الولايات المتحدة وأنصار الحزب الجمهوري، فـي ظل وجود رئيس ليبرالي فـي البيت الأبيض، ستقع على عاتقه مسؤولية اختيار البديل، وهو باراك أوباما.
هي فرصة سارع أوباما الى تأكيد أحقيته بها، حيث تعهد مساء السبت الماضي -بعد ساعات من وفاة سكاليا- بتعيين عضو جديد بالمحكمة العليا لتلوح بذلك نذر معركة بين الرئيس الديمقراطي والكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية الذي سارع الى مطالبة أوباما بترك مهمة ملء المعقد الشاغر للرئيس المقبل الذي سيختاره الشعب الأميركي فـي الانتخابات الراهنة.
وأكد أوباما فـي تصريح مقتضب مساء السبت الماضي «أعتزم تحمل مسؤولياتي الدستورية بتعيين خلف للقاضي سكاليا فـي الوقت المحدد، وسآخذ كل وقتي لفعل ذلك ولمجلس الشيوخ أن يتحمل مسؤولياته بالاستماع إلى هذا الشخص كما ينبغي والتصويت على تعيينه حين يحين الوقت لذلك».
ويرى المراقبون أن أوباما لن يفوت فرصة تمييل كفة المحكمة لصالح الليبراليين، لأن ذلك كفـيل بحماية إرثه قانونياً ولاسيما قانون الرعاية الصحية.
وقال أوباما «أنا آخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد كما ينبغي على الجميع أن يفعل، إنها مسألة أكبر من حزب سياسي لوحده وإنها مسألة تتعلق بالديمقراطية».
وعندما بادر أوباما إلى تعزية الشعب الأميركي بوفاة القاضي الفقيد، كان من اللافت أنه لم يكتف بالتعزية بل تطرق إلى حقه الدستوري فـي ترشيح البديل، قائلاً، إن ذلك سيتم فـي وقت قصير. ونكأ أوباما جراح الجمهوريين حين طالب مجلس الشيوخ منح المرشح المقبل الفرصة الكاملة والعادلة من جلسات الاستماع والمصادقة على تعيينه، وكأن أوباما يلمح سلفاً إلى أن الجمهوريين فـي مجلس الشيوخ لن يوافقوا على اختياره، إلا إذا تماشى الاختيار مع أهوائهم.
بعد سكاليا
قالت شرطة تكساس إن سكاليا توفـي فـي سريره فـي وقت مبكر من يوم السبت الماضي بعد رحلة صيد كان يقوم بها غربي الولاية.
وقبل وفاة القاضي سكاليا كان هناك نوع من التوازن داخل المحكمة، إذ كان يوجد فـيها أربعة قضاة معروفـون بميولهم الليبرالية وأربعة قضاة معروفـون بميولهم المحافظة. وبمجرد أن أعلنت وفاة سكاليا، وهو أحد المحافظين الأربعة، استشعر الجمهوريون بالخطورة، لأن من مهام أعضاء المحكمة الحسم فـي أي خلاف انتخابي أو تساو فـي الأصوات وإصدار أحكام تفسيرية لأي مادة خلافـية فـي الدستور أو القانون.
يذكر أن القاضي سكاليا كان من أبرز أتباع فلسفة «الأصلنة»، وهي فلسفة قضائية محافظة تعتقد بأن للدستور الأميركي معان ثابتة لا تتغير بمرور الزمن. وقد اشتهر سكاليا، الإيطالي الأصل، بتفسيره الحرفـي للدستور الأميركي منذ عينه الرئيس الراحل رونالد ريغان فـي 1986 عضوا فـي أعلى هيئة قضائية بالولايات المتحدة.
وكانت الأغلبية المحافظة فـي المحكمة العليا قد عرقلت فـي السنوات الاخيرة الجهود التي حاولت إدارة أوباما بذلها لاصدار تشريعات تتعلق بتغير المناخ والهجرة، غير أن انقلاب القاضي أنطوني كينيدي على المحافظين فـي حزيران (يونيو) الماضي أدى الى إقرار زواج المثليين فـي جميع الولايات الأميركية، بغض النظر عن قوانين الولايات، معتبراً أن «الزواج حق جوهري» لجميع الأميركيين، بينما أودع أربعة قضاة محافظين فـي المحكمة، أسباب اعتراضهم على الحكم بين القاضي سكاليا الذي كان يعتبر من صقور المحافظين فـي المحكمة.
وكان سكاليا، المولود فـي نيوجيرزي لأبوين إيطاليين، طيلة حياته المهنية معارضاً بارزاً وقوياً للاجهاض وللمثليين، وكان داعماً لمصالح الشركات الكبرى ومؤيداً قويا لعقوبة الإعدام. وكان معروفا بروح الدعابة التي كان يتمتع بها وبالعبارات السوقية التي كان يستخدمها فـي كلامه.
كلمة الشعب
وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي بتمسكه بحق تعيين بديل لسكاليا، عقب إعلان زعيم الأغلبية الجمهورية فـي مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن خلف سكاليا ينبغي أن يختاره الرئيس الأميركي المقبل وليس أوباما.
وقال ماكونيل فـي بيان إنه يجب أن تكون للشعب الأميركي كلمة فـي اختيار القاضي المقبل فـي المحكمة العليا وعليه «فإن هذا المنصب يجب أن يظل شاغرا إلى أن يصبح لدينا رئيس جديد».
ويعتبر ميزان القوى داخل المحكمة العليا أمرا بالغ الحساسية الأمر الذي يدفع الجمهوريين لرفض أن يتولى الرئيس الديمقراطي تعيين خلف لسكاليا لأن هذا التعيين قد يرجح كفة على أخرى.
ومع اقتراب الانتخابات العامة المقررة فـي تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ربما ترفض الأغلبية الجمهورية فـي مجلس الشيوخ تثبيت تعيين قاض جديد مما يجعل تعيينات القضاة مشكلة كبيرة فـي السباق الرئاسي.
وينص الدستور الأميركي على أن مهمة اختيار أعضاء المحكمة العليا تقع على عاتق الرئيس ولمجلس الشيوخ بعد ذلك صلاحية المصادقة على هذا التعيين أو رفضه.
لكن بما أن الجمهوريين يهيمنون على مجلس الشيوخ الأميركي، فمن المستبعد جداً أن يصادقوا على بديل يختاره أوباما فـي سنة انتخابية حاسمة، لأن ترك الخيار لأوباما لا يعني فـي نظر الجمهوريين سوى ترسيخ الغلبة فـي المحكمة العليا للتيار الليبرالي؛ إذ تشمل المهام الدستورية لأعضاء المحكمة العليا التسعة حسم أي خلاف انتخابي أو لعب دور ترجيحي فـي حالة تساوي الأصوات وإصدار أحكام تفسيرية لأي قضايا خلافـية تتعلق بالدستور أو القانون، فضلاً عن الفصل فـي أهلية بعض المرشحين المحتملين للرئاسة، فـي حال تطلب الأمر ذلك.
Leave a Reply