دفن جثمان مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الزعيم الفلسطيني التاريخي جورج حبش الاثنين الماضي في مقبرة تقع جنوب شرق العاصمة الاردنية عمان بحضور حشد كبير من السياسيين الفلسطينيين.
بوفاة مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش السبت في عمان عن 82 عاما، يغيب قائد تاريخي ثان للثورة الفلسطينية بعد ياسر عرفات عام 2004، عرف كيف يمزج بين نشأته المسيحية وماركسيته التقدمية وثقافته الاسلامية.
ولد «حكيم الثورة» كما كان يلقب من قبل الاوساط المقربة منه، في مدينة اللد في فلسطين التاريخية عام 1926 من عائلة مسيحية ميسورة من طائفة الروم الأرثوذكس وانتقل في منتصف الاربعينات الى بيروت لدراسة الطب في الجامعة الاميركية.
في ربيع العام 1948 عاد الى اللد في خضم المعارك بين العرب واليهود وتطوع كطبيب لاسعاف الجرحى قبل ان يضطر مثل مئات الالاف من مواطنيه الفلسطينيين الى النزوح خلال حرب 1948 مع قيام دولة اسرائيل.
عاش نكبة عام 1948 عن كثب ونزح مع الالاف من ابناء اللد والرملة في تموز (يوليو) تلاحقهم قوات منظمة الهاغانا الصهيونية التي عملت على افراغ هذه المنطقة من سكانها العرب.
وروى حبش لاحقا كيف ان مشهد النساء والاطفال وهم يتوجهون مشيا على الاقدام تحت الشمس الحارقة الى رام الله وبعضهم مات فعلا على الطريق دفعه الى تكريس حياته للدفاع عن القضية الفلسطينية.
في عام 1951 تخرج من الجامعة الاميركية في بيروت متخصصا في طب الأطفال، فعمل في العاصمة الاردنية والمخيمات الفلسطينية، وفي العام 1952 اسس مع هاني الهندي وآخرين حركة القوميين العرب التي ما لبثت ان انشأت فروعا لها في دول عربية عدة، قبل ان تعلن عن حل نفسها على وقع نكسة 1967.
مارس الطب في الاردن حتى عام 1957، فر بعدها من عمان إلى العاصمة السورية دمشق التي انتقل منها إلى بيروت قبل ان يعود مجددا الى عمان.
أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كانون الأول (ديسمبر) 1967 بعد نكسة حزيران (يونيو) التي شكلت صدمة كبيرة للفلسطينيين، بعد ان احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة اي ما تبقى من فلسطين التاريخية اضافة الى الجولان وسيناء. واطلق حبش «المقاومة الشعبية المسلحة» معتبرا ان السلاح وحده قادر على استرداد الاراضي الفلسطينية. اقام علاقات وثيقة جدا مع الاتحاد السوفياتي الذي قدم له الاف المنح الدراسية استفاد منها عدد كبير من كادرات الجبهة. وشارك حبش في المعارك العنيفة ضد النظام الاردني عام 1970 التي عرفت بـ«ايلول الاسود». وكان وراء سياسة خطف الطائرات حين خطفت الجبهة في العام نفسه خمس طائرات مدنية غربية انزلتها في «مطار الثورة» في الاردن قبل تفجيرها من دون ركابها لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية.
اضافة الى خطف الطائرات نفذت الجبهة الشعبية عمليات مختلفة مثل ضرب طائرات تابعة لشركة العال الاسرائيلية او مهاجمة سفارات اسرائيلية في العالم. واقامت الجبهة الشعبية اتصالات وثيقة بحركات ثورية عالمية مثل بدر ماينهوف في المانيا والجيش الاحمر في اليابان.
من الاردن خرج حبش الى لبنان حيث اقام الفلسطينيون «فتح لاند» في جنوب لبنان، حتى اطاح الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 الذي شمل نصف لبنان، بالمقاومة المسلحة الفلسطينية في هذا البلد واجبر حبش على اللجوء الى دمشق في حين فضل عرفات المنفى في تونس. وتولى الامانة العامة للجنة المركزية للجبهة من العام 1967 وحتى العام 2000، حيث تنحى عن هذا المنصب.
رفض مسيرة اوسلو السلمية مع اسرائيل عام 1993 ورفض الانتقال الى الاراضي الفلسطينية بعد انتقال رفيقه في النضال ياسر عرفات الى رام الله وغزة وفضل البقاء في المنفى حتى وفاته في العاصمة الاردنية دون ان يرى اللد مسقط رأسه، لكنه كان يضع على حائط مكتبه في دمشق لوحة فيها حفنة من تراب بلدته.
في عام 1961 تزوج ابنة عمه هيلدا حبش من القدس، وله ابنتان ميساء وهي طبيبة متزوجة ولها ثلاثة أولاد، ولمى وهي مهندسة كيماوية.
كان حبش يعرف عن نفسه بالقول «أنا ماركسي، يساري الثقافة، والتراث الإسلامي جزء أصيل من بنيتي الفكرية والنفسية، معني بالإسلام بقدر أية حركة سياسية إسلامية كما أن القومية العربية مكون أصيل من مكوناتي» مؤكدا «إنني في حال انسجام مع قوميتي العربية ومسيحيتي وثقافتي الإسلامية وماركسيتي التقدمية».
Leave a Reply