بيروت – رحل الاحد الماضي المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله عن خمسة وسبعين عاماً بعد معاناة مع المرض، وشيع جثمانه الثلاثاء الماضي في موكب شعبي مهيب ليوارى الثرى في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد سار مئات الالاف من الاشخاص في موكب التشييع وسط حداد واقفال عام في البلاد اعلنته الحكومة اللبنانية.
وكان فضل الله قد أصيب خلال الاشهر الاخيرة بسلسلة ازمات صحية ادخلته المستشفى، وادخل مستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية قبل اكثر من اسبوع في مراجعة عادية. الا انه اصيب فجر الجمعة الماضب بنزيف داخلي حاد تسبب بوفاته.
وبدأت مراسم التشييع عند الساعة الواحدة بعد الظهر من امام منزل الراحل في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، وسلك موكب التشييع عددا من شوارع الضاحية قبل ان يصل الى “مسجد الامامين الحسنين” حيث أقيمت الصلاة، وكان أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله قد ألقى النظرة الأخيرة على جثمان فضل الله في مستشفى بهمن في الضاحية لأسباب أمنية.
وشارك في المسيرة مئات الالاف الذين بدأوا التجمع باكرا في احياء الضاحية. ورفعت الاعلام السوداء وصور المرجع الشيعي في كل مكان. كما انتشرت صوره على السيارات.
ووضعت عمامة العلامة الراحل على النعش الذي حمله انصاره ومحبوه وسط غابة من البشر وتدافع وطقس حار للغاية. وحاول العديدون لمس النعش الذي كان يتقدم بصعوبة، وسط هتافات “لبيك يا حسين” و”لا اله الا الله والسيد حبيب الله”. بينما كانت النساء يذرفن الدموع بغزارة.
في الوقت ذاته، ارتفعت اصوات تسجيلات لخطب بصوت العلامة الراحل. كما علقت لافتات ضخمة في شوارع الضاحية الجنوبية مع صور لفضل الله كتب عليها “انا لله وانا اليه راجعون” و”استودعكم الله”.
وتولى عناصر “الانضباط” في “حزب الله” بلباسهم الاسود وقبعات تحمل صور فضل الله تنظيم المرور ومواكبة الجموع في معقل الحزب، بينما انتشر عناصر القوى الامنية بكثافة عند مداخل الضاحية. واقفلت المحلات التجارية في المنطقة، كما سجل اقفال في عدد كبير من المناطق اللبنانية، في يوم حداد وطني. واقفال للمؤسسات الرسمية والعامة اعلنه مجلس الوزراء.
وتولى “حزب الله” التفاصيل التنظيمية لمراسم التشييع التي تجري في معقله في الضاحية الجنوبية.
وكان فضل الله “المرشد الروحي” لـ”حزب الله” في بداية تأسيسه في الثمانينات، قبل ان يحصل تباعد بين الجانبين بسبب تباينات في وجهات النظر حول المرجعية الدينية، اذ سعى فضل الله الى تأسيس مرجعية مستقلة للحزب الشيعي، في حين ان الاخير يعتبر “ولاية الفقيه” من صلب عقيدته.
ومنذ ذلك الوقت بقي اسم فضل الله مدرجا على اللائحة الاميركية للارهابيين العالميين.
وقد اتهمته الولايات المتحدة في الماضي بالتورط في خطف الرهائن الاجانب في لبنان خلال الحرب الاهلية (1975-1990). وبحسب مصادر اخرى، كان يلعب دور “الوسيط” في قضايا الرهائن.
وكان فضل الله من اشد مناهضي سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، الا ان ذلك لم يمنعه من ادانة اعتداءات “11 ايلول”.
وقد شرع العلامة الشيعي “العمليات الاستشهادية في لبنان لدحر الاحتلال الصهيوني، وفي فلسطين لاسقاط الامن الصهيوني”.
وكان فضل الله مؤمنا باقامة الدولة الاسلامية في يوم من الايام، لكنه كان مقتنعا بان الامر غير ممكن في المرحلة الراهنة في لبنان. وهو يلتقي في ذلك مع نظرة “حزب الله” المعلنة.
وقد عرف فضل الله بانفتاحه على العصر وتطور العلم في فتاواه، مع تمسكه باصول الدين.
وافتى باعتماد علم الفلك والارصاد في اثبات بدء شهر رمضان وانتهائه. كما افتى بتحريم “جرائم الشرف” وتحريم ختان الاناث.
ولد السيد محمد حسين فضل الله في 1935 في النجف في العراق حيث درس العلوم الدينية. عاد الى لبنان العام 1966، فأسس حوزة “المعهد الشرعي الاسلامي” الذي تخرج منه كثير من العلماء البارزين.
كما رعى العديد من المشاريع الخيرية والاجتماعية، وبينها تاسيس جمعية “المبرات” الخيرية التي اعلنت الحداد لمدة اسبوع. وعلى مدى اكثر من اربعين عاما، شكل فضل الله مرجعية بارزة في المذهب الشيعي وله اتباع في لبنان وخارجه.
ردود فعل
وصدر نعي فضل الله في بيان عن مكتب العلامة الشيعي تلاه رجل الدين البحريني آية الله عبد الله الغريفي في مؤتمر صحافي، وجاء فيه ان فضل الله “شكل علامة فارقة في حركة المرجعية الدينية”.
واضاف الغريفي وقد جلس الى جانب نجل الراحل السيد علي فضل الله الذي كان مجهشاً بالبكاء، ان فضل الله كان “العقل الذي اطلق المقاومة، فاستمدت من فكره روح المواجهة والتصدي والممانعة وسارت في خط الانجازات والانتصارات الكبرى في لبنان وفلسطين وكل بلد فيه للجهاد موقع”. وتابع “شكلت فلسطين الهم الأكبر لحركته منذ ريعان شبابه وحتى الرمق الاخير”.
ونقل الغريفي عن فضل الله قوله “لن ارتاح الا عندما يسقط الكيان الصهيوني”.
واصدر الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بياناً قال فيه “فقدنا اليوم اباً رحيماً ومرشداً حكيماً”، مضيفاً “علمنا في مدرسته ان نكون دعاة بالحكمة والموعظة الحسنة وان نكون اهل الحوار مع الآخر وان نكون الرافضين للظلم والمقاومين للاحتلال”. وتابع نصرالله “اتقدم باسم المجاهدين والمقاومين وعوائل الشهداء والجرحى والمحررين وكل جمهور المقاومة (…) الى جميع المسلمين بأحر التعازي واصدق مشاعر المواساة. ونعاهد روح سيدنا الجليل الراحل اننا سنبقى الأوفياء للأهداف المقدسة التي عاش من أجلها”.
ووصف نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي شارك عائلة الفقيد في تقبل التعازي، فضل الله بانه كان “علما من الاعلام الذين رفعوا راية المقاومة وايدوها”.
واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري ان فضل الله “واحد من ابرز اركان المرجعية الدينية الرشيدة (…) وأحد ابرز دعاة قيام لبنان نموذجا للتعايش بين الحضارات وظهيرا للمقاومة حتى الرمق الاخير”.
وقال رئيس الوزراء سعد الحريري في بيان ان “لبنان خسر بغيابه مرجعية وطنية وروحية كبرى اضافت الى الفكر الاسلامي صفحات مميزة ستتوارثها الاجيال جيلا بعد جيل”.
وراى النائب المسيحي ميشال عون، زعيم “التيار الوطني الحر”، ان المرجع الشيعي كان بمثابة “مرشد ورسالته تتخطى الحدود”. واضاف ان فضل الله “قدم مساهمة كبيرة في الوحدة الوطنية واحاديثه موعظة للناس يمكن ان تقرأ في المسجد وحتى في الكنيسة”.
وفي القاهرة، حيا الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في بيان مواقف فضل الله “الوطنية”، معتبرا انه “كان واحداً من ابرز اركان المرجعية الدينية الشيعية، كما كان من ابرز دعاة ان يكون لبنان نموذجاً للتعايش بين الحضارات”.
ودعا الزعيم العراقي مقتدى الصدر الذي يقيم في ايران منذ العام 2007 مناصريه في العراق وخارجه الى الحداد ثلاثة ايام.
وأصدر المرشد الاعلى في ايران اية الله علي خامنئي بيانا الاثنين الماضي قدم فيه تعازيه بوفاة فضل الله. وقال خامنئي في البيان الذي اوردته وسائل الاعلام الايرانية الرسمية “نقدم تعازينا بوفاة العلامة المجاهد اية الله السيد محمد حسين فضل الله الى جميع اتباعه في لبنان والجالية اللبنانية في افريقيا واميركا اللاتينية وجميع الشيعة”.
وأضاف ان “المقاومة الاسلامية في لبنان حظيت على مدى تاريخها بالدعم والتعاون والمساعدة من هذا العلامة المجاهد. لقد كان ايضا مناصرا صادقا وقريبا للجمهورية الاسلامية واثبت خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة في خطاباته وممارسته حرصه على الثورة الاسلامية والجمهورية الاسلامية”.
وكان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد قد سبق خامنئي وقدم الاحد تعازيه بوفاة فضل الله، بحسب ما اوردت وكالة الانباء الايرانية. وقال احمدي نجاد في رسالة موجهة الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان ان “الخدمات التي قدمها رجل الدين الوقور هذا لصالح الوحدة الوطنية واصراره على المقاومة سيظلان في تاريخ لبنان”.
Leave a Reply