واشنطن - توفي الدبلوماسي اللبناني والمفكر العربي كلوفيس مقصود، الأحد الماضي، عن عمر ناهز التسعين عاما في العاصمة الأميركية واشنطن بعد نحو أسبوعين من إصابته بنزيف دموي في الدماغ، مما استدعى نقله إلى قسم العناية المشددة في مستشفى “ميد ستار واشنطن هوسبيتال سنتر” حيث مكث عدة أيام فاقدا الوعي، تحت رقابة طبية متواصلة، قبل أن يفارق الحياة.
وقد عُرف الراحل الكبير بدفاعه الدائم عن العروبة في جميع المواقع التي شغلها والمناصب التي تبوأها، خصوصا من خلال موقعه كمندوب دائم للجامعة العربية لدى الأمم المتحدة، وممثل رئيسي لها في الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من 10 سنوات.
وقد استطاع الدبلوماسي والأكاديمي، اللبناني الأصل، أن يكون صديقا للجميع في خضم الخصومات والتجاذبات بين دول وأقطاب ومؤسسات إعلامية، كما حاز على ثقة واحترام كل الأطراف، وعلى جميع المنابر التي اعتلاها.
ولد مقصود في الولايات المتحدة، لمهاجر لبناني، وحصل فيها على دارساته العليا، وامتهن العمل الدبلوماسي، فعمل سفيراً لجامعة الدول العربية في الهند وجنوب شرقي آسيا منذ عام 1961 إلى عام 1966، وكان أيضاً المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى الولايات المتحدة عام 1974، وشغل عضوية المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بتقارير التنمية البشرية العربية.
وإلى جانب عمله الدبلوماسي والأكاديمي شغل منصب كبير محرري جريدة الأهرام المصرية، ورئيس تحرير صحيفة النهار الأسبوعية، وعمل أستاذا محاضرا في «كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية» في واشنطن، وكلية واشنطن للحقوق حتى استقالته في العام 2011، إضافة إلى مشاركته في منتديات ومؤتمرات للأمم المتحدة في عدد من عواصم العالم.
كما شارك في ندوات عديدة تعنى بالمنطقة العربيّة، وكان على الدوام في واجهة كل بحث يتعلق بالعروبة وأحوال الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
كتب عددا من المؤلفات، بينها: “أزمة اليسار العربي” و”الصورة العربية” و”العروبة في زمن الضياع” و”أفكار حول الشؤون الأفروآسيوية” و”معنى عدم الانحياز”، وكان آخر ما نشره مقصود في العام 2014 بعنوان “من زوايا الذاكرة”، وهو عبارة عن مذكرات قسمها إلى مراحل في حياته من لبنان إلى مصر فالهند فالولايات المتحدة فالاستقالة من العمل السياسي والتفرغ للتدريس والكتابة والمحاضرات.
وقد خصص مقصود كتابه الأخير لإضاءة شعلة أمل وسط الخراب الذي يعم الوطن العربي، فهو يرى أننا لا يجب أن نفقد الأمل، فحتى تستقيم المعادلة علينا أن نسترجع البوصلة من خلال عودة القضية الفلسطينية كبوصلة وقضية مركزية تتجاوز كل العقبات وتوحد الجماهير.
ودعا في أواخر السطور التي خطها دفاعا عن القضية الفلسطينية إلى الدفاع عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وأن يكون لهم كيانهم المستقل الذي يتمتع بالسيادة ويجب أن تستعيد القضية الفلسطينية قدرتها على الإلهام من خلال إسترجاع وحدة المرجعية الفلسطينية أولاً وغلق باب الانقسام ومن خلال إسترجاع مصر لدورها التاريخي، وأن يكون لدينا القدرة على إنقاذ اليمن من محنته الحالية التي تمثل أعلى مراحل الاستقطاب في العالم الإسلامي.
ويقول ضمن ما جاء في الكتاب، : يجب العودة إلى عقلنة الأمة العربية سياسيا واقتصاديا، نحن أمة غنية وشعوب فقيرة، هذا هو المطلوب معالجته بشكل واضح كي يسترجع الفرد العربي كرامته وكي تستعيد المرجعية الأخلاقية في وجودنا وسياساتنا، وهذا ممكن التحقيق.
لقد ظل مقصود يعمل حتى آخر رمق من أنفاسه، فكان مثال المناضل الصلب الذي رفض أن يلقي سلاحه ويتقاعد رغم عبء السنين الثقيل.
وقد شبه الكاتب سمير عطالله عروبة كلوفيس مقصود بعروبة الأديب اللبناني أمين الريحاني، وعروبة السياسي السوري فارس الخوري، وعروبة السياسي المصري مكرم عبيد، كان فيها شيء من النسك وشيء من التبشير. وليس من مبالغة بهذا الوصف على رجل دافع عن العروبة والعرب بأغلى ما لديه، وبذل في سبيل ذلك وقته وفكره وعلاقاته، وقاتل بالكلمة من أجل فلسطين من على منابر العالم وقاعات الجامعات، دون أن يشكو من تعب أو يأس، أو يطلب استراحة مما ألزم نفسه به، دفاعا عن قناعاته ومبادئه.
Leave a Reply