بلال شرارة
هل تريد عملاً؟
هل تريد بيتاً, سيارة, طعاماً, لباساً؟
هل تريد وطناً؟
يانصيب يجري فـي كل مكان, وبمختلف العناوين السياسية والاجتماعية والاقتصادية, من أجل ان يوفر لك ما تشتهي, اذا وقعت عليك القرعة, واذا لم تقع فانك, وتحت عناوين انسانية, ستصبح لاجئاً فـي خيمة على قارعة وطنٍ ما, تكسب حلم العودة وتخسره فـي آنٍ معاً.
وسط هذه المعمعة تستمر بالمطالبة , تستمر بالتلصلص على المدينة التي تتسلق عامودياً كخازوق يدق فـي قلبك, وعلى الريف الذي ينتشر افقياً ليحول الحقول الى محالٍ للخردوات على انواعها, وتستمر فـي المبالغة بممارسة لذاتك اليومية فتتدافع والناس أمام واجهات المخازن. وانت.. ,انت بائع ولست بمشتر ٍ فماذا تريد؟
هل حقلاً لبذار كلماتك, واذا آن حصادها تخفض رأسك وتدفنه فـي الرمل, فتأتيك العواصف من كل مكان, تجعلك عارياً ومكشوفاً كنقطة علامة فـي حقل رماية بالذخيرة الحية؟!
ها انت ذا تعود مجدداً الى التورية, تختبىء خلف اصبع عبارتك, وتظن نفسك «الشاطر حسن» . ولكن فانوسك يخطىء الجان, فتحاول ان تعيده الى قمقمه لتنجو بذكريات طفولتك الاولى, وتعود فتطرح قضيتك فـي الماء وتصطاد احرفاً لا تجتمع على كلمة مفـيدة.
وبعد..وبعد.. تريد مكاناً تحت الشمس..!؟ والشمس يا صاحبي تحولت احتكاراً بحجب الضوء والدفء, وانت بعد ذلك كله وقبله لست «ديوجين», ولكن الاحتكار هو نفس «الاسكندر ذو القرنين» عبر اطوار التاريخ الجيولوجية والجيوبوليتيكية.
لست «ديوجين» أنت, بل ربما فـي العرف والتعريف النملة المثابرة نفسها التي تسحب غلة صيفها الى ذات شتاء, فلا ينتهي الصيف قبل ان يصبح لها جناحان فتطير الى حيث تتفكك وتتحلل, ولا يأتي الشتاء الا ليغسل موتها ويدفنها فـي متسع لجسدها.
هل انت وحدك تتفسخ ولا يسعك صدر أحد, وصدرك ضاق عليك وأغلق دونك رتاج قفصه. ها انت حي ميت معلق على احجية عاصفة تفتك, وعاصفة تنكفىء, وعاصفة تقتل و عواصف تحتضر! على رصيف روحك تنطرح, تتكيء على مرفقك, وتضع خدك على يدك وترسل عينيك الى جديلة حلمك فـي وادٍ ما تتقيد الى وجدانك وهو -الوادي- مقيد الى مصير غامض.
وبعد.. وبعد..
هل تريد عملاً يا ولدي فـي الوطن؟
اذن سجل روحك على قوائم التوظيف , لعلك أخيراً تصبح رسمياً , وقد كنت فـيما مضى شبه رسمي تعلق يدك على خط التيار من أجل فلتة ضوء, وتعلق شريانك على سراب شبكة تحسب ان فـيها ماء, فاذا أتتك وجدتها السراب.
وبعد.. وبعد…
هل تريد وطناً؟ وأي اسم تشتهي له؟
ما هو تعريفك فـيه, ما هي حقوقك وواجباتك؟
هنا لا مفاهيم مُوحَدة ومُوحِدة لـ : الوطن, المواطن, المواطنة, العاصمة, الحدود.
أنت تجيب: نعم, أريد وطناً لا مزرعة.
وطن نهائي ممنوع من الصرف, حكامه وحكومته وموالوه ومعارضوه يملكون ضميراً متصلاً بالارض ..
انه وطن خيالي
بل انه وطن فـي قصيدة كتبتها ذات يوم على وقع اكعاب «راشيل» وهي ترقص رقصة الموت فـي ساحة بلدتي الواقعة قرب مطلع الشمس, فـي جنوب الجنوب.
قصيدة خارج سلطة المختار والناطور, نائية فلا يدخلها العسس, وفقيرة فلا يحرسها جندي, لكنها تختال كبنت فـي ربيع عمرها… هي «بنت جبيل» بلدتي التي أصبحت خائفاً من محاكاتها الى درجة انني امنع روحي من التسلل اليها.
هكذا خاتمة احزانك, شاهد رخام لقبر حرب ولسلام لن يأتي , واذا أتى فعليك…
أينك؟… لماذا تتلاشى وتستحيل خيالاً؟
Leave a Reply