التأكيد على الحوار والتمسك بقيم الإسلام السمحاءديربورن – خاص «صدى الوطن»«إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات».كان يمكن لهذه الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر الأسبق سماحة الشيخ محمود شلتوت، منذ عدة عقود من الزمن، أن تكون بداية طيبة لحوار إسلامي-أسلامي، ينطلق أساساً من الاعتراف بالآخر وحقه في الاعتقاد ومزوالة شعائره التعبدية. وكان يمكن لها (الفتوى) أن تطوي صفحة مؤلمة من تاريخنا وتراثنا الثقافي والوجداني. إذ أن الأصل في الحوار ومبرراته، هو عدم الادعاء بالحيازة الكاملة والنهائية للحقيقة، وعدم احتكارها.في سياق آخر، كان يمكن للحوار الإسلامي-الإسلامي، بين أفراد الأسرة الواحدة، أن يؤسس لقيم ثقافية انفتاحية متسامحة، مهادنة وعقلانية، تعمق حسن الظن وتزيح التوجس والشكوك عن الواجهة، طالما أن ما يجمعنا هو أكبر بكثير مما يفرقنا. على الأقل، كان يمكن اعتبار هكذا أنواع من الحوار بمثابة تمارين استعداداً لنوع آخر من الحوار، الحوار مع العالم الغربي تحديداً، بتمظهراته الدينية والثقافية والسياسية. وواقع الحال يقول، إن حوار أفراد الأسرة الواحدة ليس بالمستوى المطلوب، طالما أن أدنى احتكاك، أو ملامسة، أو زلة لسان، تفتح الباب على حقل ألغام، بشكل تبدو فيه جميع الأصوات الهادئة (والرصينة) مجرد محاولات يائسة لتسكين الألم. الحق.. أننا رغم كل ما يشاع ويبث وينشر عن مؤتمرات وندوات ومحاضرات لم ننجح بنزع الفتيل، والأهم.. أننا ما زلنا نفتقد للشجاعة الأدبية والأخلاقية للاعتراف بوجود الفتيل أصلاً، طالما أن معظم أدبياتنا ما تزال تبرر فشلنا ومآسينا ونكباتنا بتلك المفردة-البعبع: المؤامرة. المؤامرة.. مفردة راسخة في بنيتنا العقلية والوجدانية!!..يمكن لهذه المقدمة أن تكون مبررة ومقبولة على هامش تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي، وعن مخاوفه «من الغزو الشيعي للعالم السني»، التي أثارت ردود أفعال مختلفة، في طبيعتها وفي شدتها، وصحيفة صدى الوطن إذ تفتح الباب أمام مناقشة هذه المسألة وتداعياتها، فهي تفعل ذلك من منطلق تعميق المشاركة الإيجابية، وعلى اعتبارات نبيلة دائماً، وبشكل يكفل صيانة حق التعبير، بعيداً عن التشنج والتجريح وإثارة الغرائز، في محاولة لفهم المسائل في سياقاتها الطبيعية.الشيخ محمد علي إلاهي (إمام مركز دار الحكمة الإسلامي)، يكن الكثير من الود والاحترام للشيخ القرضاوي، ويعترف بجهوده في إدارة الحوار بين المسلمين (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، ويقدر مواقفه تجاه الثورة الإسلامية في إيران، و«حزب الله» في لبنان، ولكنه يخشى في الوقت ذاته، أن يتلقف المتعصبون والمتشددون تصريحاته، وأن يستغلوا اسمه في تثوير النعرات وخلق الفتن..
ويؤكد الشيخ إلاهي على أخوة المسلمين، سنة وشيعية، والتركيز على ما يجمع بين المسلمين، والإعراض عما يفرقهم، ويذكر أنه تم التوقيع على ميثاق شرف في دار الحكمة، في العام الماضي، ضم الكثير من رجال الدين، السنة والشيعة، في ولاية ميشيغن، من أجل توحيد الصف ولم الشمل..مع ذلك، يرجح الشيخ إلاهي وجود عوامل سياسية تغذي الكثير من الجهات، والدوائر الثقافية والدينية، تساهم إلى حد كبير في تشويه بعض الأفكار والنشاطات، ويذكر في هذا السياق أن بعض الأنظمة العربية عملت، وما تزال تعمل، ضد بعض المفاهيم التي جاءت بها الثورة الإيرانية، وتحديداً.. ضد مفهوم «تصدير الثورة». وأوضح في هذا المجال، أن مفهوم تصدير الثورة لا يعني نشر المذهب الشيعي في العالم الإسلامي، أو العالم السني، وإنما يعني تعميم ونشر فهم مقاوم للظلم والاستبداد ضد أنظمة فاسدة ومتخلفة، وهذا مبدأ إنساني وثقافي عام دعمته جميع الثورات في العالم، وعبر التاريخ. ويتساءل في السياق ذاته: لماذا كل هذا الخوف من المذهب الشيعي، طالما أنه لا ينشر أفكاراً تشكل خطراً حقيقياً على حياة الناس، ومصالحهم.. ثم إن جميع المذاهب والأديان تعمل على نشر مبادئها وأفكارها، فالسعودية مثلاً تعمل على توزيع الكتب والنشرات في الكثير من الأماكن، وفي موسم الحج خصوصاً، ولا ضير في ذلك، طالما أن الإسلام بقيمه السمحاء يكفل حرية الاعتقاد (من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)..ينهي الشيخ إلاهي حديثه، بضرورة التعقل والتسامح والانفتاح، لنعطي صورة ناصعة عن الإسلام، هي الصورة الصحيحة على كل حال، ونعمل على تفكيك الصورة المشوهة التي تستخدمها بعض الجهات الغربية في تغذية ما يعرف اليوم في الغرب، بالإسلام فوبيا..الإمام السيد حسن القزويني، أيضاً، يعتبر الشيخ القرضاوي رجل اعتدال وانفتاح على الأمة الإسلامية بكل أطيافها. ويستغرب هذه التصريحات التي جاءت في غير زمانها وغير مكانها، خاصة في هذا الوقت.. حيث يتم استغلال الفرز الطائفي والشحن المذهبي، في العراق ولبنان مثلاً..ويستغرب الإمام القزويني خوف الشيخ القرضاوي مما يسمى «التبشير الشيعي» مشدداً على ضرورة الإيمان بحرية المعتقد في الدين الواحد، وما الضير في ذلك طالما أن الأزهر الشريف المعروف بمكانته في العالم السني، قد أجاز التعبد بالمذهب الشيعي. يخالف الإمام القزويني تلك الأصوات التي تحاول أن تربط الشيعة بإيران، ويقول: إن التشيع عربي وليس فارسياً، كما أنه من غير المقبول التشكيك بالروابط الوطنية للشيعة حيث يقيمون، فهم يدينون لأوطانهم التي يعيشون فيها، وليس لأيران.ويعرض الإمام القزويني مقالاً نُشر في صحيفة نيويورك تايمز في 17 يناير يتكلم عن خطة أعدتها بعض الدول الغربية العظمى، بالتفاهم مع بعض الدول العربية، وتقوم على تجنيد مثقفين وإعلاميين ورجال دين يعملون على تشويه المذهب الشيعي في خطوة الهدف منها محاصرة إيران واحتواء نفوذها المتزايد في المنطقة..في نهاية حديثه، تمنى الإمام القزويني على الجميع ألا ينخرطوا، ربما عن غير قصد، في هكذا مشاريع تضعف من عزيمة الأمة وتزيد في تفككها وضعفها..«صدى الوطن» سترصد في عددها المقبل المزيد من الردود على مواقف القرضاوي الأخيرة.
Leave a Reply