الترقُّب وانتظار المجهول هو أشدُّ رعباً من الحدث المُرعِب نفسه. هذا هو حال إسرائيل بعد الغارة التي شنَّتْهاعلى موقع ثابت لـ«حزب الله» قرب مدينة جنتا اللبنانية على الحدود مع سوريا، وإعلان المقاومة جهراً وبجرأة عن هذا الإعتداء الإسرائيلي الغادر وتوعُّدها بالرَّد عليه. إِذْ أنَّ العدو كان في إحتفالية شاملة قبل إعلان المقاومة ظنَّاً منه إنَّها سوف «تأكل الضرب» وتلتزم الصمت خصوصاً وأنَّ إسرائيل، عبر رقابتها العسكرية الصارمة التي لم تعرفها أقسى وأعنف ديكتاتوريات الأنظمة العسكرية، لم تعترف بالإعتداء لكي تسمح بهامش للتراجع وعدم الرَّد من قِبَل الخصم الذي قد يتدحرج إلى مناوشات وتبادل عمليات عسكرية وربما حربٍ شاملة ليست تل أبيب مستعدَّة أو مهيَّأة لها أو قادرة على تحمُّل عواقبها بعد تجربة حرب عام ٢٠٠٦ الكارثيَّة. وهكذا ظنَّتْ حكومة نتنياهو أنَّها في أمان بعد أنْ حقَّقتْ أهدافها العسكرية بضربة مباغتة لموقع للمقاومة وفي الوقت نفسه لم تتورَّط في حربٍ مدمِّرة طالما ظلَّتْ تنفي حصول الضربة بينما الطرف الآخر لا يأتي على ذكرها منعاً للإحراج.
أمَّا وقد أعلنت المقاومة عن العملية الإسرائيلية فقد قلبَتْ توقُّعات وحسابات إسرائيل الدقيقة رأسا على عقب لأنَّ إسرائيل، بعكس معاقي «١٤ آذار»، تعرف قدرات وصدقية وحيثية واستعداد وإمكانات المقاومة. وقد تكون المرَّة الأولى في تاريخ الحروب العسكريَّة تبادر «دولة» ما للاعتداء على طرف مقاوم متأملةً أن يمنع غموض الموقف من الرَّد ثم ترتعد فرائصها ويدبُّ الذعر في أوصالها وأوصال مرتزقتها من السكَّان خوفاً من إنتقام مقابل! بيان واحد من المقاومة أرسل ٥٠٠ ألف إسرائيلي إلى الملاجئ وكلَّف العدو ٢ مليون دولار يومياً بسبب الإجراءات الأمنية بينما بيانات أنظمة الردة تثير الضحك والسُّخرية لدى قادة اسرائيل.
ومهما حصل بعد ذلك فإنَّ الحقيقة التي لا يجب تمويهها بعد اليوم أنَّ إسرائيل دخلَتْ رسمياً في الحرب ضد سوريا بالتحالف مع آل سعود علناً ومن دون محاباة، بعد انكشاف دورها في دعم «الثوار» بكل الوسائل العسكرية والأمنية واللوجستية حتى معالجة جرحى التكفيريين الإرهابيين، الذين كانوا بالأمس فقط أعداء الغرب، في مشافيها داخل فلسطين المغتصبة ثم إرسالهم للعودة إلى القتال ضد الحكومة السوريَّة. ولعلَّ صورة نتنياهو وهو يصافح أحد المصابين من المجرمين التكفيريين خلال زيارة له للمستشفى من أجل الاطمئنان على صحَّة القَتَلة من طينته، سوف تظل عالقة في الذاكرة إلى الأبد بعد أنْ تبيَّن أنٌَ أفضل حليف لدولة الإجرام الصهيوني هم المجرمون التكفيريُّون من أدعياء الدين الاسلامي العظيم البريء منهم براءة الذئب من دمِ يوسف.
إلاَّ أنَّ هناك هدف أكبر وراء العملية الإسرائيلية أرادتْ منها تغيير قواعد فك الإشتباك وتوازن الرعب ووضع خطوط حمراء أمام المقاومة أولها منع سقوط مدينة يبرود في القلمون، منبع التخطيط الإرهابي على مناطق المقاومة. لكن المقاومة علَّمتْنا أنها لا تعترف بالخطوط الصهيونيَّة من كل الألوان ولن يكون هناك «أحمر» من الإرهابيين التكفيريين القَتَلة الذين يتحالفون مع الصهاينة من «الإخوان» و«القاعدة» إلى بعض «حماس». كان ردُّ المقاومة مع الجيش السوري صاعقاً ومُزلزِلاً كما عنَتْ في بيانها بالرد في المكان والزمان المناسبين. فالزمان كان بعد يومين والمكان هو العتيبية حيث قامت بنصب كمين لفلول المرتزقة المجرمين وعددهم يفوق ١٧٠ إرهابياً حاولوا التسلُّل عبر الغوطة الشرقية إمَّا لفك الحصار عن يبرود أو الذهاب إلى الأردن للانضمام إلى باقي الإرهابيين هناك لبدء معركة دمشق الكبرى التي خطَّطتْ لها السعودية كطلقة أخيرة لتغيير الوضع العسكري على الأرض، بموافقة من الأردن الذي موَّه موقفه المتواطئ الخائن للجار السوري عبر الإيعاز للبرلمان الأردني بطرد السفير الإسرائيلي بينما أثَر زيارة نتنياهو الحميمة بالأمس لعبدالله بن حسين في عمَّان لم يندثر بعد.
المؤامرة اتَّضحت حيث جرى تدريب وإعداد الجماعات المسلَّحة من قِبل الغرب وآل سعود والأردن للقيام بالمعركة الكبرى ضد الحكومة السوريَّة بعد الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن اشترتْها السعودية من باكستان على أنْ تتولَّى إسرائيل صرف أنظار المقاومة والهائها عن الهدف الحقيقي بالقيام بغارة وهذا ما يفسِّر تدمير موقع قديم للمقاومة غير ذي أهميَّة استراتيجيَّة. لكنَّ المؤامرة فشلتْ وتم حصد وهلاك كل المتسلِّلين في الغوطة عن بكرة أبيهم وشوهدت صور الكمين المأخوذة من أرض الواقع على كل الشاشات. والسؤال هو كم سيضحِّي آل سعود بالمُغرَّر بهم حتى يشفى غليلهم ويعترفون بالخسارة؟! هذا رد المقاومة لكن الحساب مازال مفتوحاً.
إسرائيل قصدتْ أيضاً من الغارة إختبار جهوزيَّة المقاومة التي تحارب على جبهتين في سوريا وفي الداخل اللبناني ضدَّ التكفيريين الإنتحاريين، ورصد قدراتها إذا فتحتْ حرباً جديدة في الجنوب. كذلك فعلتْ ذلك من أجل عدم كسر هيبة إسرائيل التي أعلنتْ مِراراً أنَّها ستضرب أي عملية نقل أسلحة كاسرة للتوازن من سوريا إلى «حزب الله» لكنَّ مشكلتها الدائمة هي عدم معرفتها اليقينيَّة لأسرار القدرات العسكرية للمقاومة كما يبدو من تضارب معلومات قادتها حول عدد الصواريخ ونوعيتها وفرضية أنَّ ما بحوزة الجيش السوري من سلاح متطوِّر أصبح بيد المقاومة.
وكالعادة بدل أن يتوحَّد «نتشة الوطن» ضدَّ العدو الإسرائيلي المعتدي وتسارع الحكومة الصلعاء الشمطاء إلى تضمين حق لبنان بالمقاومة المشروعة لم تُنجز اللجنة «الوزريَّة» بيان الحكومة رغم تراجع ٨ الشهر عن المسلَّمات من خلال حذف ثلاثيَّة الشعب والجيش والمقاومة التي لا يطيق ذكرها «مُشوَّهو ١٤ زغار».
ثم بالمناسبة ما موقف هذه الحكومة الصلعاء الشمطاء من المعلومات التي اعترف بها نعيم للجيش والتفجير الانتحاري ضد الجيش الذي لا يقاتل في سوريا؟ وبعد اعتراف المجرم الخطير نعيم عباس بمعلومات مهمَّة عن دوره في إعداد الانتحاريين ودور حسام الصباغ الملقب وسالم الرافعي وعمر جوانية في التخطيط للموت المذهبي الحاقد، نشكر الله أنَّ عبَّاس ليس سعودياً أو قطريَّ الجنسية وإلَّا لكان قُتل في ظروف غامضة أو جرى تسليمه لآل سعود أو حمد كما فعلت الدولة سابقاً. كلُّ هَم هذه الحكومة هو أنْ تنصُب كميناً في البيان الوزاري من أجل الإيقاع بالمقاومة ودورها واستعمال البيان الوزاري لسحب الشرعية منها لاحقاً بسبب تدخُّلها في سوريا! إخس.
ميشال سليمان المبارح كان رد فعله خجولاً وليس بحجم تحمُّسه في الشكوى ضد سوريا، أمَّا «أمانة ١٤ عبيد زغار» فقد اكتشَفَتْ دور الجيش فجأةً لنشره على الحدود مع لبنان طبعاً من دون إدانة الغارة. لكنَّ فلتة الشوط كان سمير جعجع الذي «فنَّد» نظرية المقاومة بأنَّ التكفيريين كانوا سيجتاحوا لبنان سواءً تدخَّلتْ في سوريا أم لم تتدخَّل بالقول إنَّ آخرهم أتى خلال معركة نهر البارد ودافع عن «داعش» التي هي موجودة في العراق منذ ٢٠٠٣ ولم تفكِّر بالمجيء إلى لبنان وتناسى وجود الجماعات السلفية التي بدأت بنصرة «الثورة السوريَّة» وتدفُّق القاعدة إلى «عرسال» كما حذَّر وزير الدفاع السابق غصن.
ثم ماذا عن المجرم أحمد الأسير وميليشات التكفيريين في طرابلس قبل دخول المقاومة إلى سوريا؟ بل ماذا عن عمر بكري فستق الذي أفتى بعدم إطلاق صفة الشهيد على العسكريين اللبنانيين الذين يقتلهم الانتحاريون ويحلم برفرفة العلم الإسلامي فوق «قصر بعبدا»؟ ما رأي صاحب مقولة «فليحكم الإخوان» في رفرفة فستق؟!
لبنان ومنطق الدولة صنوان لا يلتقيان أبداً. رئيس بعبدا يخربط البيان الوزاري وسجناء «رومية» من التكفيريين الظلاميين يهربون على دفعات ويعيشون حياة الرفاهية والترف والسطوة والنفوذ خصوصاً الآن بوجود حاميها حراميها في الداخلية والعدل، وطيرانها الحوتي يميِّز ضد المواطنين والعدو يساند الإرهابيين ويجول في سماء «شبه الوطن» والقضاء فاسد ومرتشي ونواب «الأمَّة» في عطلة دائمة ومحميون هم وعوائلهم من الإنفجارات في ثكنات بيوتهم أو في أوروبا بعكس الشعب المسكين. لقد تبجَّح سليمان بعد تشكيل الحكومة الشمطاء أنَّ لا ثورة ولا «ربيع عربي» في لبنان! هذا النظام المهتريء العفن مع سياسييه لا يحتاج إلى ثورة بل الى قلعه من جذوره لأنَّ لا إصلاح ولا ترميم ولا تجميل يفلح معه.
Leave a Reply