تقيداً بالقواعد المتعارف عليها في كتابة الرسائل، يفترض أن أبدأ مخاطبتك بصفتين، أولهما كلمة عظيمة في معناها، لأنها تحمل رابطا ساميا بين الأفراد، يرتقي بهم إلى مصاف المحبة والإيثار ويجمعهم كالبنيان يشد بعضه بعضا وتلك هي كلمة “الأخ”.
غير أني عودت نفسي في حديثي وكتاباتي على التمسك بالصدق والوضوح ما استطعت إلى ذلك سبيلا، والحديث الصادق هنا كناقل مباشر لما أظن أني أحمله من قيم وأحاسيس، يلزمني تجنب إستخدام كلمة “الأخ” بسبب غياب كل عوامل حضور هذه الكلمة فيما بيننا، إستنادا إلى المصادر الشرعية المحددة لمعاني الأخوة بين المسلمين، ثم معايير الأعراف القبلية التي رسخت أواصر الأخوة بين الأفراد، بصورة لا أرى لها أثرا بيننا وبينك في قبيلتنا اليمنية الكبرى (إن جاز اللفظ)، وقبل أن تقول أني ظالم في حكمي هذا، أو حتى حاقد وحاسد (بحسب ثقافة القصر) دعني أستحضر لك بعض الأدلة الشرعية المؤكدة لما أقول، فالقرآن الكريم يخاطب المسلمين ويذكرهم بالنعمة التي من الله عليهم بها، يوم أن نقلهم من فوضى العداء والتناحر إلى روح الألفة والأخوة في قوله تعالى “واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا” صدق الله العظيم.
تشرح الآية الكريمة نفسها وتؤكد بأن الناس وإن تعادوا فمن الممكن أن يتآخوا بعد أن تتحقق خطوة هامة للوصول إلى ذلك الرابط الإلهي، وهي خطوة تآلف القلوب ومحبة أصحابها لبعضهم البعض، وهذا ما يعني غياب المفهوم القرآني السابق فيما بيننا بسبب بروز معايير المعاداة من قبلكم تجاهنا، لأنك تعتبر كل من ينتقد والدك وأنا أحدهم “أعداء لك وله”، كما أنك تعادي بشدة كل من يرفض توريثك الحكم ووصولك إليه وبالطبع أنا منهم، ولو أنك حملت تلك المشاعر العدائية واكتفيت بكتمها في نفسك، ولم تنوِ أو تسعَ لإلحاق الأذى بأحد من الناس، لأبقيت جزءا يسيرا من تلك المعاني الأخوية، لكنك برضاك عن والدك في تصرفاته المخالفة لكل القوانين وسيرك على نهجه “القديم”، رغم أنك من جيل مختلف يتحتم عليه التطور بتطور الحياة نفسها، تثبت لنا أنك ستقاتل بسلاح السلطة وبشتى الوسائل، كل الأعداء من أبناء اليمن الذين لا هم لهم سوى تطور الوطن وسيادة القانون وتمكين كل فرد يمني من العيش مرفوع الرأس منتصب القامة، فهل من الممكن أن يكون هنالك تآلف بيننا وبينك حتى نرتقي لمعنى الأخوة العظيم؟.. بصدق أقول لك لا أعتقد ذلك أبدا.
في سيرة مربينا ورسولنا الأكرم محمد بن عبدالله (ص)، صور ومشاهد تعلمنا الأخوة الحقيقية التي تجمع المسلمين، ولحظة الإستدلال بها على واقعنا اليوم لم أجد لك أي مكان في صفوف التعلم منها، وبإمكانك إن واصلت اتهامي بالظلم في أحكامي عليك، مراجعة وقراءة درس المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كأزكى صورة مشرقة في تاريخ الأخوة البشرية، يوم أن وصل المهاجرون الأغنياء بدينهم والفاقدون لكل شيء مادي في الدنيا، إلى قوم الأنصار في المدينة الذين آخوهم قولا وفعلا، فإلى جانب الترحيب بهم في وطنهم الجديد تقاسموا معهم كل ما يملكونه، فمن كان يملك بيتين تنازل عن أحدهما لمهاجر، ومن كان يملك نقودا قسمها نصفين بينه ومهاجر آخر، حتى أن الأنصار تقاسموا الأرض والأغنام والبعير مع المهاجرين لأنهم بنعمة الإسلام أصبحوا إخوة، بينما نحن وأنت نعيش في فوارق لا يمكن أن تتقارب أو حتى تتشابه، ولكي تعلم أنك ونظام والدك من صنع تلك الفوارق أدعوك لقراءة حديث المصطفى القائل “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”، فبالله عليك هل تحب للشباب اليمني اليوم ما تحبه لنفسك؟.. سؤال لا يحتاج لرد أو تعليق.
دعنا ننتقل سويا نحو رابط الأخوة القبلي الجامع للناس بأسلوبه المميز، ومن الواضح هنا أن ثقافتك في فهم أعراف وقوانين القبيلة الحقيقية وليس تلك التي تم مسخها في عهد والدك، تبدو معدومة تماما. لذلك دعني أقدم لك درس الأهولية في القبيلة “الأصلية” التي تجعل الناس إخوة بروابط الصحب وتحقيق الخير والمصالح المشتركة، في إطار منفعة الجميع وإنتاج عزة وكرامة الكل، لأنهم يعلمون أن الإساءة لفرد إساءة للجميع، مثلما أن الفرحة للقبيلة كلها وكذلك الحزن. ولعل أجمل وأعمق الصور المعبرة في أعراف القبيلة عن أخوة أفرادها (بغض النظر عن مكانتهم) لحظة نزول مصيبة على أحد أبنائها، حيث تلتقي القبيلة ليصبح الكل “غرّامة” أي مساهمين في تلقيها وتقاسم أحزانها,فهل تعتقد أننا وأنت كأبناء قبيلة يمنية كبيرة نلتقي في جزء من تلك الجزئيات حتى نصبح “إخوة” ولو في أعراف القبيلة؟!
أقول لك بشفافية مطلقة، أن أخوة القبيلة ملغية تماما، لأننا كشعب يمني، أصبحنا “غرّامة” من أجل أن تسعد وتفرح وتأمر وتنهي وتعيش في بحبوحة وتصل إلى العرش، على حساب كرامة وعزة وطن، فيه من الأحزان والأوجاع التي كتب علينا أن نتقاسمها بسببكم، ما ينسف ويدمر الأخوة ويستحضر كما تعتقدون ممارسة العبيد والملوك.
الصفة الثانية التي كان يجب مخاطبتك بها، تتمثل في موقعك القيادي ورتبتك العسكرية، ولا أخفيك أنني لا أعرف ما هي (عقيد -لواء -مشير…) كما أنني في الأصل لا أعترف بها، لأنك لم تحصل عليها بعلمك وجهودك وكفاحك، بل حصلت عليها ووصلت لمواقعك القيادية لأن والدك هو الرئيس ولا شيء آخر، وذلك ما مكنك من تجاوز الصفوف والكفاءات العسكرية بعلمها وخدمتها وخبرتها وأكاديميتها. وأنا هنا لو خاطبتك بتلك الصفة فسأرتكب خطأ في حق كل العسكريين، المفترض نيلهم المناصب التي نلتها، وسأعتبر ذلك خيانة لأمانة القلم الواجب كتابته الحق كما أقسم به المولى تبارك وتعالى في سورة عبرت عن عظمته ومكانته.
حتى أسمع لك رأيا مخالفا، ينفي بالحجة والبرهان ما قلته، دعنا نتفق أن معايير الأخوة قد تم إعدامها شنقا وخنقا ورميا بالرصاص من قبلكم (أنت ووالدك ونظامه) شرعا وقبليا، كما تم أيضا سحلها قانونا، لأنكم لو طبقتم القوانين على أنفسكم وتقيدتم بها أولا، ثم على الشعب اليمني لوجدت نفسك أخا للجميع في العدالة والمساواة والفرص الوظيفية والإدارية، وبناء على ما سبق ذكره فسأخاطبك بصفتك التي مكنتك من الوصول إلى ما أنت فيه,تمهيدا لتوريثك “العرش” لأنك -إبن الرئيس- وتلك صفة المخاطبة فيما بيننا.
Leave a Reply