لماذا تدعم الولايات المتحدة وأوروبا دائماً إسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب؟ سؤال يطرحه البسطاء على أنفسهم ولا يجدون له إجابة شافية، ويستنكفون عن طرحه على آخرين ممن يعتبرونهم أكثر حنكة ودهاء، خشية أن ينعتهم هؤلاء بالسذاجة المفرطة.
قد يكون عند البسطاء الكثير من الحق، إذ كيف للغرب أن بيبع مصالحه الاقتصادية والسياسية والثقافية والجغرافية مع ثلاثمائة مليون عربي يتربعون على سدس مساحة الكرة الأرضية، من أجل عيون خمسة ملايين إسرائيلي على قطعة أرض بالكاد يستطيع المرء تحديدها على خارطة العالم، بل كيف يعادون مليار مسلم في أرجاء المعمورة لصالح بضعة ملايين من اليهود؟ الولايات المتحدة وأوروبا في وقوفهم إلى جانب إسرائيل على مدى ٦١ عاماً الماضية، خسروا الكثير من سمعتهم ومالهم ورجالهم، وكلفتهم تلك الوقفة حروباً كان آخرها الحرب في العراق وأفغانستان والحرب على ألإرهاب، فأحد الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة الإرهاب و”القاعدة” على وجه الخصوص والهجمات الإرهابية في نيويورك في ٩/١١ كان وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل في ظلمها وعدوانها على الفلسطينيين واحتلالها لأراض عربية من بينها القدس مسرى الرسول الأعظم والتي عرج منها إلى السموات العلى، نجم عن ذلك في جزء منه انهيار اقتصادي كلف أميركا والعالم خمسين تريليون دولار، ولا زالت إسرائيل تتلقى المساعدات الأميركية والأوروبية. فهل معنى ذلك أن أميركا والغرب عموماً بلهاء، أم أن في العلاقة بين هؤلاء والكيان الصهيوني سر عجيب؟
السر هو في دهاء الإسرائيليين وحنكتهم، فهؤلاء لهم قدرة خارقة على التماهي ضمن المشاريع الغربية، أنشأوا دولتهم عام ١٩٤٨ تحت لواء القومية الصهيونية وأوهموا الأوروبيين حينها أنهم مخلب لهم لصد ومواجهة القومية العربية، والأوروبيون من أجل مصالحهم الجيواستراتيجية والاستعمارية في المنطقة وبعدهم الأميركيون، تبنوا مشروع الكيان الصهيوني لمحاربة العرب وتفتيتهم الى دويلات متناحرة، وقد نجحوا في ذلك.
الآن وبعد ستين عاماً وبعد أن أصبح مشروع حلم الدولة العربية الموحدة جثة هامدة لا روح فيها، وبروز كيانات إسلامية قوية تهدد أمن إسرائيل ومستقبلها وعلى رأسها إيران، التي طالما هدد قادتها بمحو الكيان الصهيوني من على الخارطة، أضحى هدف إسرائيل متماهياً مرة أخرى مع الهدف الأميركي والأوروبي لناحية اجتثاث الإرهاب “الإسلامي” والضغط على الدول الراعية له، فمن غير المستغرب أن تتسابق واشنطن وتل أبيب وعواصم غربية في الضغط على طهران بغية وقف نشاطاتها النووية وكف يدها عن مساندة “الإرهابيين” في كل من العراق وفلسطين ولبنان، وقد اتخذ هذا الضغط صوراً متعددة سياسية واقتصادية من الجانب الأميركي والأوروبي وعسكرية من الجانب الإسرائيلي.
دخول إسرائيل على خط محاربة الإرهاب، مكنها من إعادة تقديم نفسها للعالم، على أنها جزيرة يهودية صغيرة في محيط إسلامي رهيب، لم يعد يهمها معاداة العرب لها بعد أن اقتلعت أنيابهم في معاهدة كامب ديفيد واعتراف منظمة التحرير وإقامة سفارة في عمان ومكاتب تجارية في الدوحة وتونس وسقوط العراق وحروب شنتها على الجنوب اللبناني وغزة ووثيقة استسلام عربية بمثابة مبادرة صلح سعودية لم يلتفت إليها أحد، بعد هذا كله أصبحت ورقة العرب في جيب إسرائيل، وهي راغبة الآن في وضع ورقة المسلمين في جيبها. وصلت الرسالة الى الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي كان حتى اللحظة مفعماً بالأمل، أمل استعادة أميركا لمجدها الاقتصادي، ووضع نهاية لحروب بلاده العبثية، ووقف مسلسل استعداء المسلمين وتلميع صورة الولايات المتحدة في العالم، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية على أساس دولتين.
رسالة إسرائيلية أحبطت أحلام أوباما الذي حسب أن السياسية مثلها مثل التنظير الأكاديمي في جامعة أميركية مرموقة، جاء فيها: إما أن تنسى حكاية الدولتين وإما سنهاجم منشآت إيران النووية ونورطك في حرب غير محمودة العواقب في بلاد فارس.
قرأ أوباما الرسالة جيداً وأصدر فرماناً لماكينته الإعلامية بضرورة اعتراف العالم الإسلامي بإسرائيل شرطاً لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. إذا كانت إسرائيل ضمنت الورقة العربية في ستة عقود، فكم من الوقت يا ترى يلزم لها لضمان الورقة الإسلامية؟ ذلك سؤال يجيب عنه الأنباء والأحفاد.
Leave a Reply