تنفس الناس الصعداء بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية . الجمهورية البائسة المحاصرة تحت وطأة الطبقة السياسية التي تخوض صراعا حاميا فيما بينها بالإعلام والمال والسلاح احيانا وذلك للحفاظ على المناصب والمكاسب على حساب الوطن وليس لأجله. حتى وصلت البلاد وكادت أن تتحول الى بحر دماء لولا المخاوف المتبادلة بين أطراف النزاع أنفسهم.
وأخيرا انجلت الضبابة السوداء عن المشهد اللبناني كما يظن البعض بولادة اتفاق الجبابرة المتصارعين باتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس بعد انقطاع طويل، وباجماع السياسيين والمواطنين اللبنانيين، كل على طريقته الخاصة. فاللبنانيون أجمعوا على الرئيس الجديد دون تحفظ باعتباره بوابة الخلاص للبلد المنكوب، والسياسيون اجمعوا عليه بنوايا مختلفة، فكل فريق يحاول ان يشده الى صفه لأن المعركة كما يبدو لم تنته بعد.
وامل اللبنانيين معقود على قيادة الرئيس الجديد الذي جاء بعد صبر ودم ودموع للوصول بالسفينة الى شاطئ الأمان. فهل يوفق بمهمته التاريخية الصعبة؟ والطريق أمامه مملوء بالعثرات والألغام، أولها ارتباط الأزمة اللبنانية بالخارج حيث تسلم الخارج خيوط اللعبة الداخلية وبات يضطلع بادارة الصراع وفق مصالحة الأقليمية والدولية بامتياز. وهذا يعود لهشاشة السلطة السياسية التي تخلت عن دورها بالدفاع عن الوطن وتحرير الأرض وحفظ المواطن من التسرب الى المليشيات والهجرة والفقر والبطالة والأمية وغير ذلك. فالتمثيل السياسي للمواطن في لبنان غير صحيح ودور المواطن باختيار ممثليه غير صحيح أيضا .وهذا الأمر يستدعي دراسات وأبحاث لسنا بصددها الآن. نحن لدينا طبقة سياسية تشتري وتبيع وترسم خارطة للوطن على قياسها وأفكارها وطموحاتها الذاتية وليس على قياس المواطنين وحقوقهم. لا أحد في لبنان يفكر بالمواطن وهمومه، كل زعيم في لبنان وطن كامل بذاته يسكنه لوحده ومشروع منسجم مع نفسه مختلف مع الآخر. حتى احتدم الصراع على السلطة والوطن وتعقد لدرجة لم تحل عقدته الا بحروب اهلية وتهديم البلاد على العباد يليه انفراج مؤقت.
والفصل الأخير وليس الآخر كان اتفاق الدوحة الذي شكل هدنة يمكن أن تطول او تقصر دون أن تغير باللعبة الخطرة اي شيئ يذكر. أما ضمان الأمان وتحويل الهدنة هذه الى سلام ووفاق دائمين منوط بالرئيس الجديد الذي ضمن نظريا سيادة الوطن وتثبيت أمنه على قاعدة مصالحة الأطراف السياسية وتوحدها ما أمكن من خلال خطاب القسم الذي اعطى لكل طرف ما يريد كما أعطى للشعب اللبناني حصته أيضا وذلك بالفقرة التي تحض على حماية الدستور والسيادة الوطنية وسيادة الدولة على كامل أراضيها.
من هنا يبدأ الأمل بالخلاص والمخلص، ومع ذلك لم يكن اتفاق الدوحة أكثر من تأجيل الإنفجار لأنه لم يجعل من لبنان السيد الحر المستقل أساسا للنصوص التي وردت به. بل كرس اعترافا واضحا بأوجه الصراع وأمراء الحروب الأهلية وترك الباب مشرعا للرياح الخارجية التي تعصف بالبلاد.
الا أن ايجابياته الوحيدة ربما اقرار انتخاب الرئيس الذي أجمعوا على انتخابه واختلفوا على حصتهم فيه لكي يبقى اسير اللعبة السياسية هذه، فقد منحوه حصة ضئيلة في الحكومة العتيدة ليكون الأضعف والأحوج الى رضى كل الأطراف، ومن هنا بات عليه مسايرة الجميع والأخذ بافكارهم . ومطلوب منه في نفس الوقت، تحرير البلاد من كوابيس الحروب الأهلية ومعالجة الأوضاع المعيشية والإجتماعية التي لا تحتمل التاجيل. والمؤسف أن ذلك لا يكون الا بالتراضي مع اطراف التهافت على السلطة ولا يعنيهم كما ظهر في السنتين الأخيرتين شؤون المواطنين على الإطلاق. فمنهم من سلب المواطن ماله ولقمة عيشه ومنهم من سلبه عقله وأمنه.
والظاهر أن الحكومة العتيدة التي يحضر لها أن تكون حكومة الإنتخابات القادمة لقلب المعادلة وتغليب الأقلية على الأكثرية وتوفير الفرص للأكثرية أن تحافظ على أكثريتها. لا شك انها ستلتف على الرئيس نفسه وعلى خطاب القسم لتنزع منه أو تعطل بعض مفرداته المتعلقة بسيادة الدولة على جميع اراضيها.
فاذا كان الرئيس يريد مراضاة الجميع على طريقة الرؤساء السابقين وترقيع الكساء أكثر مما هو مرقع، فهو ذاهب لا محالة الى العزلة او الإنحياز. لأن الصراع في لبنان خرج من المحلي الى الإقليمي والدولي وأطراف النزاع لايتحكمون تماما بخيوط اللعبة والرئيس نفسه لا يملك أكثر من توحد اللبنانيين خلف قيادته ليستعيد ما فقد من صلاحياته خلال اتفاق الطائف.
لهذا كله أدرك اللبنانيون أن خلاص وطنهم البائس منوط اليوم برئيس حازم عادل يقدم مصالح الشعب على مصالح حكامه بداية من إصلاح التالي.
1- عدم إعتماد الرئيس على حصته الضئيلة بالوزارة العتيدة لأنها ستكون مدخلا لأرباب الصراع على السلطة بمحاصرته ضمن لعبة الحصص.
2- على الرئيس أن يأخذ الشعب اللبناني حصته وسلاحه ليكون القائد المميز، وذلك بالتواصل الدائم مع شعبه، من خلال برنامج وطني اصلاحي شامل يقوم على اساس فلسفة التنمية والثقافة المدنية وليس على اساس الحصص الطائفية.
3- تعود السياسيون في لبنان أن يأخذوا من الوطن لحسابهم الخاص من أعلى مستوى بالسلطة الى ادناه من موظفي الدولة. فعلى الرئيس أن يدعو هذه المرة أن يأخذ من الموظف ويعطي للوطن عكس ما هو سائد ومعروف.
4- نتمنى على الرئيس أن يعمل لإقرار قانون جديد يحيد المؤسسة العسكرية من الثقافة الطائفية والطوائف وذلك باحالة كل عسكري كبيرا كان أم صغيرا الى المحاكمة اذا ظهر عليه ملامح طائفية وسلوك طائفي لأن المؤسسة العسكرية تختلف بدورها عن المؤسسات المدنية. فيجب أن تكون الأولى خارج مظلة الطوائف والحصص حتى تستطيع ان تضطلع بدورها الوطني وتشكل الضمان الحقيقي لإستقرار لبنان وحمايته وأمنه.
5- نتمنى على الرئيس أن يعطي هامشا اوسع للمؤسسات المدنية في المجتمع اللبناني وأن يتبناها ويكون رائدها وقائدها اذا أمكن، فكلما فتح بابا مدنيا أقفل بالمقبل بابا طائفيا.
الشعب اللبناي بغالبيته اليوم يعاني من الطائفية ومصائبها ولكنه متورط فيها ،ولايملك سواها بديلا ومخرجا، فلا يققل أن يكون خلاص لبنان على ايدي زعماء الطوائف الطائفيين.
ناهيك عن العمل الجاد لتوحيد القطاعين العام والخاص.. اللائحة طويلة جدا ومطالب اللبنانيين كبيرة ومتعددة، ما ذكر منها في غاية الأهمية والضرورة لهذه المرحلة.
ولا شك أن مثل هذه الأمنيات صعبة المنال ولكنها غير مستحيلة وقد جاء وقتها، في بلد غائص بالوحول حتى القعر والإضطلاع بمثل هذا الدور يدل لن يكون الا على ايادي البطل والمخلص الذي انتظرناه طويلا.
Leave a Reply