الفنان أحمد المزعل
يعرف الكثيرون من مرتادي المقاهي والأماكن العامة في ديربورن ذلك الشاب العراقي الذي يرسم “البورتريهات” للراغبين في أقل من نصف ساعة. وتختلف أسباب الرغبة عند هؤلاء الأشخاص برؤية ملامحهم على اللوحة، من الفضول، إلى الدهشة، أو حتى مجرد التسلية.
لدى الفنان العراقي أحمد هاشم المزعل القليل من الأدوات، أقلام رصاص وأوراق بيضاء، والكثير من الخبرة في رسم البورتريهات، لدرجة إعلانه تحدي الكاميرا. ولا يشعر المزعل بأي حرج من كونه يمارس هذا الفن في تحصيل رزقه اليومي مع إدراكه أن الفنان يختار المواضيع التي تعنيه، لأن “المواضيع الفنية هي خيارات شخصية”. ويقول إن هذه الخيارات الشخصية هي في العمق استجابة لأوامر خفية تمليها التجربة الفردية أو الثقافة العامة.. وبالتالي لا أتحرج بالاستجابة لطلب أي عابر في رسم وجهه.
“صدى الوطن” التقت الفنان أحمد هاشم المزعل، وكان هذا اللقاء:
– متى اكتشفت حبك للرسم، وكيف كانت بداياتك الأولى؟
بدأت علاقتي مع الرسم في عمر التاسعة، فقد كان أخي الأكبر رساماً، وقد تربيت في مرسمه وتعرفت على عالم الفن الجميل. وفي سن السادسة عشرة قررت أنني سأصبح رساماً، فبدأت العمل بشكل جاد، وصرت أرسم ليلاً ونهاراً. وعندما أنهيت دراستي الثانوية تقدمت غلى معهد الفنون في بغداد، و لكنهم لم يقبلوني لأسباب لا مجال لذكرها هنا، ورغم أنني انتسبت إلى المعهد الزراعي إلا أنني قضيت معظم تلك الفترة في معهد الفنون، فتعرفت على الوسط الفني التشكيلي، وتعمقت معرفتي بفن الرسم أكثر فأكثر.. لناحية الأساليب والاتجاهات والتجارب التشكيلية في العراق.
– هل تأثرت بأي من تلك الأساليب والتجارب؟
بدون أدنى شك، لكن المهم هو فهم عملية الإبداع نفسها، فالإبداع..هو إخضاع الواقع لرؤية فنية خاصة بالفنان نفسه، وأستطيع القول.. أنني امتلكت هذه الحساسية تجاه الواقع منذ البداية، ولكن طرق التعبير تطورت وتأثرت بأساليب المدارس الفنية المختلفة. لقد درست الواقعية والانطباعية والتجريدية، لكنني اعتبر نفسي امتداداً للانطباعيين. وقد شاهدت رسامة أميركية بعض أعمالي فقالت لي: “أنت لا تشبه أحداً” وقد أسعدني هذا القول، فالفن يعني أيضاً أن تكون متميزاً ومتفرداً.
– تعمل الآن في رسم البورتريهات، وتكسب رزقك من هذا العمل، كيف ترى هذا الموضوع؟
رسم البورتريهات صار مهنتي وهذا لا يضيرني ولا يضرّ بفني، وهو في الوقت نفسه هوايتي.. لقد بدأت رساماً واقعياً، لكن الواقعية لا تعني استنساخ الواقع كما هو، لا بد من إضافة كي للفن معنى وقيمة. في بداياتي ركزت بشكل أساس على رسم المناظر الطبيعية، والجسد، والوجوه بشكل خاص.
البورتريه بالنسبة لي بمثابة مفتاح، وهو امتحان دائم ومستمر لي، ومنذ عدة سنوات أصبحت هذه مهنتي. لقد رسمت حتى الآن أكثر من خمسين ألف وجه، لدرجة أن إنجاز ‘البورتريه’ صار مثل ‘تدخين سيكارة’ بالنسبة لي، ولست أبالغ إذا قلت لك إنني أتحدى الكاميرا..
لكن بالإضافة إلى ذلك، عندي مشروعي الفني الخاص الذي ما زلت مستمراً بالعمل عليه.
– هل شاركت في معارض فنية؟
لقد شاركت في عدة معارض فنية في اليمن والأردن وهنا في الولايات المتحدة، في أريزونا، وفي فانكوفر في كندا، وفي ميشيغن، وجميعها كانت معارض مشتركة.. حتى الآن ليس لدي معارض فردية.
– أخبرتني بأنه لديك مشروع كتاب لوحات، ما تفاصيل هذا المشروع وما حكايته؟
منذ ثلاث سنوات أعمل على إنجاز كتاب يتألف من سلسلة من اللوحات، وموضوعه الأساس شخصية عراقية لجندي سابق في الثلاثين من عمره وعاطل عن العمل. يموت هذا الرجل بتفجير ‘إرهابي’ في أحد الأسواق الشعبية، لكن روحه لا تغادر العراق. وتتجول هذه الروح وتتنقل عبر الزمان والمكان، في الماضي والحاضر، داخل العراق وخارجه، وأقصد من هذا العمل التوثيق للواقع العراقي قي ضوء ما يجري من أحداث في الآونة الأخيرة، ولكني أجد صعوبة في إطلاق هذا المشروع بسبب عدم وجود الداعمين..
– ترسم الوجوه بشكل يومي، وبشكل مباشر، ألا تخاف من الفشل في مرة من المرات؟
الوجه البشري بشكل عام هو هوية صاحبه، ولكنه بالنسبة لي يشكل مأزقاً.. بالمعنى الفني وليس بالمعنى الأخلاقي. ليس هناك وجوه غير جميلة بالنسبة لي كرسام، فالجمال والقبح مفهومان جماليان بلا شك، ولكن بالنسبة للفنان الموضوع يختلف.. إنه موضوع معقد ولا يمكن شرحه ببساطة، وأقول بإيجاز لا أخاف من الفشل، لكن الوجوه الجميلة أكثر إرباكاً، وهي الامتحان الأقسى لرسام البورتريهات..
وهناك مشكلة اخرى قد لا يفهمها الكثيرون: أنا لا أنسخ.. ولكني أضيف ما أشعر به خلال رسم الوجوه، ولذلك فإن بعض الزبائن (وهذا حصل في مرات نادرة) قد يتفاجئون باللوحة التي تحمل وجوههم، والأمر ببساطة.. هو تماماً ما يحصل عند التقاط الصور بالكاميرا، فالبعض لا يشعرون بالرضا عن الصور الملتقطة لهم مع أن الكاميرا تنسخ تماماً ما تراه. الفارق في البورتريه إن الإضافة إنسانية وفنية وليست نتيجة لقلة الخبرة والمهارة كما يتوهم البعض.
Leave a Reply