استقطب فوز المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز فـي انتخابات ولاية ميشيغن التمهيدية، الثلاثاء قبل الماضي اهتماماً إعلامياً غير مسبوق لحصوله على أصوات الناخبين العرب الأميركيين فـي منطقة مترو ديترويت، وفـي مدينة ديربورن بالتحديد.
فقد كان لتصويت العرب والمسلمين الأميركيين لصالح السناتور اليهودي وقعاً مدوياً وتأثيراً حاسماً مكّنه من التفوق على منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بفارق ضئيل على مستوى الولاية وبفارق كبير فـي مدينتي ديربورن وديربورن هايتس ذات الكثافة العربية العالية.
هذا الفوز، الذي تناولته معظم وسائل الإعلام المحلية والعالمية بالنقاش والتحليل -مثل «سي أن أن» و«سي أس أن بي أن» و«هافـينغتون بوست» و«فوكس» و«ذي انترسبيت» وحتى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إضافة إلى وسائل الإعلام المحلية- يجب ألا يمر مرور الكرام على مجتمع جاليتنا فـي عموم مترو ديترويت التي تضم مئات آلاف العرب الأميركيين، الذين يثبتون -استحقاقاً تلو الآخر- أهمية الصوت العربي وقدرته على التأثير فـي المشهد السياسي فـي حال تم استخدامه بالطريقة الصحيحة التي تضمن تحصين الوجود العربي وتفعيل دروه المجتمعي والسياسي، وهو ما دأبنا مراراً على التأكيد عليه، فـي كل مناسبة انتخابية، محلية كانت أم على مستوى الولاية أو البلاد.
ويمكن -فـي هذا السياق- تسجيل عدد من الملاحظات على الانتخابات الأخيرة:
– أولاً: أكدت انتخابات ميشيغن الرئاسية التمهيدية أن الصوت الانتخابي العربي يمكن أن يكون مرجحاً وحاسماً فـي السباقات المتقاربة، كما أن المناطق ذات الكثافة العربية والإسلامية فـي مدينتي ديربورن وديربورن هايتس تعتبر بمثابة مؤشر على المزاج السياسي عند العرب الأميركيين فـي كل دورة انتخابية، وذلك انطلاقا من حقيقة أن ساندرز فاز على منافسته، كلينتون، بأقل من ١٩ ألف صوت. وبالتالي يمكن القول -بدون مبالغة- إن الأصوات العربية والإسلامية هي التي رجحت كفة سناتور فـيرمونت.
– ثانياً: إن تصويت معظم أبناء جاليتنا لصالح ساندرز جاء بمثابة رد الجميل للمرشح الذي عبر عن اهتمامه بقضاياهم والمشاكل التي تواجههم فـي الولايات المتحدة، وفـي مقدمتها ظاهرة الإسلاموفوبيا وطروحاته المتقدمة على طروحات منافسته (كلينتون) حول القضية الفلسطينية، إضافة إلى أنه قد قام بزيارة ديربورن مرتين، والتقى قبل يوم واحد من الانتخابات بقادة من الجالية العربية. وصحيح أن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، كانت فـي الماضي قد شجبت خطابات الكراهية التي تستهدف المسلمين، ولكنها على العكس من ساندرز لم تسع إلى استقطاب أصوات الناخبين العرب فـي الولاية.
– ثالثاً: شكل فوز ساندرز بأصوات العرب والمسلمين صدمة للمؤسسات الإعلامية العملاقة وللأوساط السياسية والأكاديمية التي كانت تروج لفكرة معاداة العرب للسامية، وعندما قامت «صدى الوطن» بدعم ساندرز فـي العدد الذي صدر قبل الانتخابات، تداولت معظم تلك الوسائل والأوساط هذا الدعم بوصفه خطوة صادمة وغير متوقعة. وقد أعلنّا وقتها «أن ساندرز هو يهودي أميركي، ولكن صحيفتنا ومجتمعنا لا يعاديان الأشخاص بناء على انتمائهم الإثني أو الديني، فما يهمنا هو الأفكار التي يطرحونها».
وهنا نعيد التأكيد على أن العرب والمسلمين لا يعادون اليهود، وأنهم لطالما صوتوا لمرشحين يهود فـي السابق مثل السناتور كارل ليفـين، كما أنهم يفصلون تماما بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية متطرفة تسيطر أفكارها ومبادؤها على صناعة القرار الإسرائيلي، وبالتالي فعلى المجموعات الصهيونية أن تتوقف عن إلصاق تهمة «معاداة السامية» بالعرب والمسلمين، فـي كل مناسبة يطالب فـيها العرب والمسلمون الأميركيون الكيان الإسرائيلي بوقف انتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني ورفع الظلم عنه.
– رابعاً: أعادت انتخابات ميشيغن الحياة إلى حملة ساندرز الانتخابية وضخت فـيها المزيد من الحماسة والحيوية مما أكسب شعاراته ورسائله الانتخابية زخما شديدا، خاصة لنواحي العدالة والمساواة، والإصلاحات الاقتصادية، وإعادة بناء نظامي التعليم والرعاية الصحية بشكل يمكن الأميركيين من تسديد تكاليفهما بطريقة مقدرواً عليها. وسواء أحصل ساندرز على ترشيح الحزب الديمقراطي أم لا، فإن أفكاره ورؤيته السياسية التقدمية أثبتت أنه بات لها صدى عميقاً لدى شرائح واسعة من الأميركيين ولاسيما الشباب.
– خامساً: إن التأثير الحاسم للأصوات العربية فـي فوز ساندرز يجب ألا يدفعنا إلى التغاضي عن نسبة الإقبال العربي المتواضعة على صناديق الاقتراع، والتي فـي جميع الأحوال كان يمكن أن تسجل معدلات أعلى، فـي حال حرص عرب المدينة على الإدلاء بأصواتهم.
فقد أظهرت الأرقام أن نسبة المشاركة فـي معظم الدوائر الانتخابية فـي شرق المدينة -حيث يتركز السكان العرب- تراوحت بين 20 و25 بالمئة فـي الوقت الذي بلغت فـيه نسبة المشاركة الإجمالية فـي المدينة حوالي 34 بالمئة، وبالتالي فإن الإقبال المتراجع فـي شرق المدينة تسبب بانخفاض نسبة الإقبال العام، وبينت الأرقام أن 50 بالمئة من المسجلين فـي غرب المدينة قاموا بالإدلاء بأصواتهم، أي أن نسبة الإقبال فـي غرب ديربورن بلغت ضعف نسبة الإقبال فـي شرقها.
لقد شاهدنا بأم أعيننا تأثير الصوت العربي فـي المشهد الانتخابي وأهميته الوازنة على المستويين المحلي والوطني. وإننا -فـي هذا الخصوص- نعيد التأكيد على ضرورة استثمار قوة أصواتنا فـي كل سباق انتخابي، فـي الوقت الذي تستعد فـيه البلاد هذا العام لانتخاب رئيس جديد، فـيما تستعد مدينة ديربورن لانتخاب قاض جديد وثلاثة أعضاء للمجلس التربوي، إضافة الى انتخاب سكان الولاية ممثليهم فـي مجلس نواب ميشيغن، حيث يتنافس عدد من المرشحين على مقعد ديربورن (الدائرة ١٥) فـي المجلس التشريعي بالعاصمة لانسنغ، وبينهم عرب أميركييون.
إننا معنيون بشكل مباشر بما ستفضي إليه الانتخابات لما لذلك من تأثير مباشر على حياتنا ومستقبلنا هنا، فـي الولايات المتحدة، ومسؤوليتنا لا تقتصر فقط على الإدلاء بأصواتنا، وإنما تتعداها إلى تشجيع أصدقائنا وأقاربنا وزملائنا فـي العمل على ضرورة المشاركة الانتخابية الفعالة.
لا تستهينوا بأصواتكم.. فهي قادرة على إحداث الفرق. وهي قبل أسبوعين أحدثت فرقا استقطب اهتماما إعلاميا وصل صداه خارج الحدود الأميركية، ويمكن لهذا الفرق أن يحدث وأن يستمر إذا ما آمنّا بقوة الاقتراع والمشاركة الانتخابية.
Leave a Reply