يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا قد تجاوزتا التداعيات الخطيرة لضربة الـ«توماهوك» على الملف السوري، الذي تراجع إلى مربعه السابق، على المستوى السياسي، وهو ما عكسته على الأقل مواقف دونالد ترامب بشأن مستقبل الرئيس بشار الأسد، الذي صُوّر ليلة الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات العسكري، باعتباره نقطة تحوّل في سياسته الخارجية.
ففي حديث أمام سفراء الدول في مجلس الأمن الدولي، قال ترامب الأسبوع الماضي إنّ مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، «لا يشكل عقبة» أمام إنهاء النزاع في سوريا.
الملفت للانتباه أن موقف ترامب، نقله عنه ممثل روسيا في الاجتماع الديبلوماسي بيتر إيليتشي، وذلك بعبارات واضحة، جاء فيها أن «بقاء الأسد أو رحيله ليس مهماً. المهم هو العملية السياسية ووقف إراقة الدماء والأعمال القتالية. وعندئذ الشعب سيقرر».
بطبيعة الحال، كان التفسير الغربي لكلام ترامب مختلفاً، وهو أن ما قاله الرئيس الأميركي يعكس رغبة في إنهاء النزاع السوري بأسرع وقت ممكن، وأن ذلك يشمل مفاوضات سياسية تؤدي إلى عملية انتقال لا يبقى الأسد من بعدها في الحكم، حسبما صرّح السفير البريطاني الذي كان حاضراً أيضاً في الاجتماع.
موقف ترامب تزامن مع تجديد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف الكرملين المبدئي بشأن الحل السوري، ولكن هذه المرّة بعبارات أقل ديبلوماسية، حيث أكد أن روسيا ستتصدى لمحاولات عدد من الأطراف لتقويض العملية السياسية في سوريا والسعي إلى إطاحة الحكومة الشرعية في دمشق.
وبحسب لافروف فإن روسيا لمست مساعي من قبل «بعض الدول» للالتفاف على قرار مجلس الأمن 2254، والعودة إلى المطالبة بتغيير النظام، مضيفاً أنه «من المنطقي أن نتصدى لهذه المحاولات».
محاولات التفاف
هنا، تتأكد التحليلات القائلة بأن ضربة «التوماهوك» على سوريا، لم تكن سوى محاولة من دونالد ترامب للالتفاف على الانتقادات الداخلية، من قبل صقور الإدارة الأميركية والمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، بشأن سياسته تجاه سوريا، لا سيما أن الضربة الصاروخية لم تغيّر كثيراً في التوازنات العسكرية المركزية، بحسب ما أكد الجانب الروسي.
ومع ذلك، فإن ثمة تموضعات جديدة تسعى جهات دولية وإقليمية، في مقدمتها تركيا وفرنسا، لفرضها على المعادلة الميدانية، وبطبيعة الحال السياسية، ولعلّ أكثرها تعبيراً ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعدما فرغ من شؤون الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حيث جدد موقفه القائل بأن الأسد «لا يمكن أن يكون عنواناً للحل»، مطالباً بـ«إزاحته» لكي يصبح بالإمكان «التوصل إلى حل في سوريا».
ويبدو واضحاً أن التحرّك التركي المتجدد على خط الأزمة السورية، بات يتجاوز الإطار الكلامي، نحو سياق عسكري، انكشف خلال اليومين الماضيين، من خلال ضربة جوية تركية لمواقع «وحدات حماية الشعب» في جبل قره تشوك، ما أعاد التوتر إلى مناطق الشمال السوري، التي سبق أن شهد في الآونة الماضية هدوءاً نسبياً، رعته القوات الروسية والأميركية.
وبطبيعة الحال، يمكن النظر إلى التحرك العسكري التركي الأخير باعتباره رسالة موجهة للولايات المتحدة وروسيا في آن واحد، خصوصاً بعدما خرج رجب طيب أردوغان منتصراً من الاستفتاء الأكثر خطورة في تاريخ تركيا الحديثة، فـ«السلطان» يبدو راغباً، بعد هذا الانتصار السياسي الداخلي، في تقديم نفسه على أنه «ندّ» للروس والأميركيين، وهو ما عكسته بعض التفاصيل المرافقة للضربة الجوية التركية على المواقع الكردية، من قبيل اعلان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن بلاده أخبرت كلاً من روسيا والولايات المتحدة بشأن الغارة.
ولا يبدو أن هذا الإجراء قد نفس من الغضب الأميركي–الروسي إزاء «التمرّد» التركي، فوزارة الخارجية الروسية أكدت أن الضربات التركية «غير مقبولة»، ومن شأنها أن تزيد الوضع توتراً، فيما شكا المتحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة جون دوريان من أن أنقرة أبلغت واشنطن بضرباتها قبل أقل من ساعة على تنفيذها، وأن هذا الوقت «غير كاف»، فيما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر، أن الضربات أتت «من دون تنسيق مناسب».
ولا شك أن تركيا تستهدف من خلال تحركها الأخير إلى تغيير حالة الستاتيكو القائمة في الشمال السوري، سواء لجهة الدفع باتجاه فرض منطقة حظر طيران –وهذه المرة من خلال مطالبات كردية للولايات المتحدة– وهو ما جعلها تستخدم طائراتها في قصف مواقع الوحدات الكردية، بدلاً من القصف المدفعي، أو لجهة فرض نفسها لاعباً اساسياً في معركتي الرقة ودير الزور المرتقبتين.
تشويش فرنسي
وعلى خط مواز، كان التحريض الفرنسي، في الأيام الأخيرة من عهد فرانسوا هولاند، يبلغ ذروته، حيث قدم وزير الخارجية جان مارك إيرولت، خلال اجتماع خاص لمجلس الدفاع الفرنسي عقد في قصر الإليزيه تقريراً أمنياً تم إعداده بالاستناد إلى ما قيل معلومات أجهزة الاستخبارات الفرنسية يتهم النظام السوري بالضلوع في الهجوم الكيميائي، الذي راح ضحيته 87 مدنياً في خان شيخون في الرابع من نيسان (أبريل) الحالي.
ووفقاً لصحيفة «لوموند» التي انفردت بنشر مقتطفات من هذا التقرير الأمني فإن «معلومات أجهزة الاستخبارات الفرنسية تكمّل معلومات نظيراتها الأميركية والبريطانية… لكنها لا تقدم برهاناً قطعياً على أن الأسد أصدر أوامر مباشرة بشنّ هذا الهجوم».
وبالرغم من إسراع الجانب الروسي إلى التشكيك بمصداقية التقرير الفرنسي، إلا أن هذه الخطوة من جانب باريس، تعكس رغبة من قبل هولاند، في توريط خلفه، سواء كان إيمانويل ماكرون أو مارين لوبن، بشكل أعمق في النزاع السوري، من خلال تحرّك تحريضي، ربما يلقى صدى «أطلسياً».
غارة إسرائيلية جديدة
وفيما حقق الجيش السوري وحلفاؤه تقدماً على أكثر من جبهة خلال الأسبوع الماضي، لاسيما في ريف حماه الشمالي حيث باتت أرتال القوات المتقدمة على مشارف محافظة إدلب، دخلت إسرائيل مجدداً على خط المواجهة باستهداف موقع عسكري مُحاذٍ لمطار دمشق. ورد مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشأن السوري ألكساندر لافرنتييف أنه «إذا ما ثبت أنّ اسرائيل هي من هاجمت المستودعات قرب مطار دمشق فهذا مدان، وهو سلوك غير قانوني لأنه عمل عسكري ضد دولة مستقلة، ويناقض القوانين الدولية». مؤكّداً أنه «لا يمكن تبرير ذلك –أي العدوان– تحت عنوان حفظ أمنها القومي، وتوجد طرق متعددة لمعالجة هكذا خلافات».
وأشار لافرنتييف إلى أن «مواقف بعض الدول التي تضع شبهات حول مشروعية الرئيس بشار الأسد وتدعو إلى تنحيه هي مواقف غير بناءة»، موضحاً أن «هذا لا يساعد على محاربة الإرهاب».
دلو ثلج بارد
ولا يخرج عن دائرة التحريض، وتعقيد الأوضاع في سوريا، المواقف المتجددة للسعودية، والتي عبر عنها وزير الخارجية عادل الجبير، خلال لقائه الأخير مع سيرغي لافروف، لجهة تأكيده على ان الرئيس الأسد «ليس له دور في مستقبل سوريا»، واعتباره الاستهداف الأميركي لقاعدة الشعيرات هو «ردّ متوازن ضد استخدام الأسلحة الكيميائية».
وبرغم ذلك، لا يبدو أن تصريحات الجبير، أو غيره من المسؤولين السعوديين، مؤثرة في المواقف الدولية، لاسيما بعد سلسلة الانتكاسات التي منيت بها مملكة آل سعود، في سوريا تحديداً، وتحول دورها إلى مجرّد بوق اعلامي.
وكان واضحاً أن لافروف صب دلواً من الثلج على رأس ضيفه السعودي، حيث قال إن «مواقفنا غير متطابقة على الإطلاق»، وإن «روسيا لا تعتبر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، تنظيمات إرهابية»، مذكّراً بأن إيران تلعب دوراً ضامناً لوقف إطلاق النار ضمن مسار أستانا. كل ما سبق يشي بأن التموضعات الروسية–الأميركية بشأن سوريا، ما زالت على حالها، بانتظار ما سيحمله اللقاء المرتقب بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. وحتى تتضح الصورة، يبدو طبيعياً أن تعمد الجهات الراغبة في إطالة الصراع السوري، إلى خطوات استفزازية وتحريضية، يتوقع أن تتكثف خلال الأسابيع المقبلة، لفرض أجندات جديدة على العلاقات بين موسكو وواشنطن.
Leave a Reply