ديترويت (أ ب) – أعادت الحكومة الاميركية توطين مازن السقا في ولاية ماساشوستس في شباط (فبراير) الماضي، ولم يمض على هذا اللاجئ العراقي سوى شهر واحد حتى غادرها متوجها الى ولاية ميشيغن.
لم تكن المسألة ما إذا كان السقا أحب مدينة وورشستر (في ماساشوستس) التي اختارتها الحكومة الأميركية له أم لم يحبها، بل إنه حزم أمره على الفور وحزم حقائبه ورحل، برغم أن الحكومة الاميركية حاولت إبقاءه بعيدا عن ديترويت، المدينة التي وقعت في عين عاصفة الازمة الاقتصادية وأدت بها الى أن تشهد إرتفاعا هائلا في معدلات البطالة، لكن السقا اختارها دون سواها لتكون موطنه الجديد.
ميشيغن التي شهدت في غضون الاعوام القليلة الأخيرة رحيل عشرات الاف المواطنين عنها بسبب الركود الاقتصادي وندرة الوظائف، لا تزال حتى الآن تستقبل موجات من اللاجئين العراقيين بالرغم من محاولات حكومية لتقليص اعداد المتوجهين اليها من هؤلاء. ويبدو أن السبب وراء إصرار اللاجئين العراقين على القدوم الى منطقة ديترويت الكبرى، وجود أقارب لهم في هذه المنطقة، وكونها تضم اكبر مركز لتجمع العرب الاميركيين، في الوقت الذي تسعى الحكومة الاميركية فيه الى توطينهم في مدن يمكن أن توفر لهم وظائف وأن تحقق لهم نجاحا مالياً.
الى ذلك قال السقا (34 عاما) ويقيم مع عائلته في احدى ضواحي مدينة برمنغهام “ما تقدمه الحكومة ليس بالشيء الكثير… اذا اردت ان تعيش في بحبوحة عليك أن يكون لك روابط معيشية، هذه تتوفر هنا مع العائلة والأقارب في ميشيغن”.
وتضم منطقة جنوب شرق ميشيغن اكبر تجمع للجاليات من اصول شرق اوسطية ويصل عددهم إلى اكثر من 300 الف شخص، وهم متمسكون بالعادات والتقاليد الاصيلة، وهذه المنطقة لازالت تشكل منذ زمن طويل مركز جذب للمهاجرين القادمين من العالم العربي. تقع في هذه المنطقة مدينة ديربورن، والتي ينجذب الناس فيها الى مطاعم الكباب اكثر مما تجذبهم مطاعم البرغر، وحيثما ولّيت وجهك في شوارعها تجد يافطات المحال التجارية باللغة العربية، ونساء يرتدين الحجاب، وعلامات على أبواب الجزارين ومطاعم الوجبات السريعة، تشير الى اللحوم الحلال، فهي مدينة أقرب الى كونها عربية اكثر منها أميركية.
لكن ميشيغن وبعد ان تهاوت صناعة السيارات فيها، وتم الاستغناء عن الآف العمال، قررت وزارة الخارجية الاميركية في حزيران (يونيو) 2008 منع اللاجئين العراقيين من التوجه اليها إلاّ اذا كان يقيم فيها اقرباء من الدرجة الاولى كالوالدين أو الابناء. وقد جاءت تلك الخطوة في أعقاب قرار الحكومة الاميركية بزيادة اعداد العراقيين التي تمنحهم صفة لاجئين، ففي الفترة من تموز (يوليو) 2008 ولغاية أيلول (سبتمبر)، سمحت الولايات المتحدة لـ3400 لاجئ عراقي بالاقامة في منطقة ديترويت، وهذا العدد يشكل 13 بالمئة من العدد الاجمالي الذي وصل أميركا في تلك الفترة.
لكن هذا لم يوقف العراقيين من القدوم الى ميشيغن، منذ تموز 2008 قدم اليها على الاقل 460 لاجئا عراقيا بمحض رغبتهم، بعد أن وطنتّهم الحكومة في مناطق أخرى، بحسب “الجمعية اللوثرية للخدمات الاجتماعية في ميشيغن”، وهي واحدة من اهم المنظمات الراعية لحقوق اللاجئين، والوحيدة التي تجمع احصائيات بشأن الهجرة الفرعية في ولاية ميشيغن.
وفي هذا الصدد قالت اليزابيث كامبيل من جمعية اللاجئين الدولية ومقرها واشنطن “بغض النظر أكان الاقتصاد جيدا ام سيئا، ستظل هناك هجرة فرعية الى ديترويت لاسباب تاريخية وثقافية”.
هكذا كان هو الحال بالنسبة للسقا الذي وجد قريبا له في ديترويت ساعده في العثور على عمل، قال السقا “بدون هذه الروابط، لا يمكنني التصور كيف لي أن أفعل ذلك”، وهو حاليا يدرس لمعادلة شهادته في الطب. كذلك كان الامر بالنسبة لروعة باهو وسنان شمس الدين، وكلاهما لاجئان عراقيان، لم يفكرا أبدا في الاستقرار في المكان الذي اختارته لهما الحكومة الاميركية في تموز 2008.
باهو (29 عاما) قالت أنها أقامت فقط بضعة ايام في مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا قبل توجهها الى ميشيغن، حيث يوجد لها اقارب يساعدونها في تخطي عائق اللغة. أما شمس الدين (21عاما) فله عمّ واقارب في ميشيغن ساعدوه في ايجاد وظيفة مساعد طباخ في احد مطاعم ديترويت، وهذا هو ما دفعه لمغادرة ولاية فيرمونت بعد وصوله اليها باسبوع، فهو بحسب قوله “الكثيرون من أبناء بلدي يقيمون هنا”.
وفي السياق يقول جمال فاخوري من “منظمة الهجرة الدولية” ومقرها الاردن، وتعمل بالتعاون مع وزاة الخارجية الاميركية للتنسيق بشان اعادة توطين اللاجئين “حين يمنح العراقيون صفة لاجئين الى الولايات المتحدة، فانهم “ينصحون” بعدم الهجرة الى مكان آخر في اميركا غير الذي وطّنوا فيه اول مرة، وهو ما اصطلح على تسميته بالهجرة الفرعية”، اضاف فاخوري “يتم إطلاعهم على معدلات واعداد العاطلين عن العمل على المستوى الوطني والاقليمي، وأن ايجاد وظيفة هذه الايام مسألة صعبة خاصة في ديترويت التي تهاوت صناعة السيارات فيها وتم بناء على ذلك الاستغناء عن آلاف العمال”.
تقول وزارة الخارجية الاميركية ان سياستها تنبع من فكرة تخفيف الضغط على المجتمع في ميشيغن وعلى الخدمات الاجتماعية فيها، في حين يقول مدير دائرة اللاجئين في الولاية آل هورن انه برغم انخفاض عدد العراقيين القادمين للولاية، إلا ان اعدادا منهم تتسرب الى منطقة ديترويت وتتسبب بضغوطات على دوائرها المحلية الاجتماعية.
تجدر الاشارة الى أن وزارة الخارجية تمنح وكالات اعادة التوطين مبلغ 900 دولار عن كل لاجئ وان معظم هذا المبلغ ينفق في الحال على استئجار المنزل وتوفير الطعام، لكن هذا المال لا يتبع صاحبه اذا ما قرر مغادرة المكان الذي تقرر توطينه فيه وانتقل لمكان آخر.
قال هورن “ايجاد الوظيفة بالنسبة للاجئين العراقين ليس هو نهاية المطاف، فهؤلاء بحاجة في الفترة الأولى من وصولهم اميركا، الى ان يكونوا قريبين من أحبائهم قبل ان يتعودوا على طبيعة الحياة الاميركية”.
حياتهم في ديترويت ليست نعيماً
أحمد محمود وشقيقه أختارت لهما الحكومة مدينة تاكسون في ولاية اريزونا لتكون موطنا لهما، لكنهما رحلا منها بعد اسبوعين لانهما لم يجدا في شوارع هذه المدينة أنسا كذلك الموجود في الشوارع العراقية، وانتقلا الى ديترويت في بدايات العام الحالي. محمود (22 عاما) بدأ يبحث عن عمل يساعده في اكمال دراسته للحصول على شهادة دكتوراه في الهندسة، اما شقيقه فقد عاد الى العراق بعد ان أعياه البحث عن وظيفة مناسبة.
يقول محمود “حين غادر أخي شعرت بالحنين الى الوطن”. ومحمود يقيم في شقة صغيرة بضاحية بلومفيلد هيلز مع صديق تعرف اليه في المسجد، وهو يعمل في سوبرماركت بأجر يصل 7 دولارات في الساعة ويجد صعوبة في دفع الفواتير، لكنه حتى اللحظة لايفكر ان يفعل مثلما فعل أخوه. وقال “قررت ان أبقى ولا أعود الى وطني، حتى لو اضطررت للمبيت على الرصيف، انا هنا موجود لأحقق أهدافي”.
(ترجمة صدى الوطن)
Leave a Reply