أعلن مكتب الإحصاء الأميركي، يوم الجمعة ٢٦ كانون الثاني (يناير) الماضي، عن رفض مقترح بإضافة فئة «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» MENA إلى استمارة التعداد السكاني المنتظر لعام ٢٠٢٠، وذلك بعد سنوات طويلة من الجهود الحثيثة التي بذلتها منظمات وشخصيات عربية أميركية لتحقيق الاعتراف بهويتهم الإثنية.
وكان المقترح سيتيح أيضاً مساحة لذكر الوطن الأم، وتضم فئة «مينا» التي تم رفضها، ١٩ دولة عربية إلى جانب إيران وتركيا وإسرائيل.
وقد عملت عدة مؤسسات غير ربحية على إدراج الفئة الجديدة في إحصاء ٢٠٢٠، مثل «المعهد العربي الأميركي»، و«اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز»، و«المركز العربي–أكسس»، و«تحالف الإيرانيين الأميركيين للشؤون العامة»، إلا أن المقترح قوبل بالرفض من الإدارة الحالية.
وحالياً يصنف الأميركيون من أصول عربية في خانة الأميركيين البيض أو «آخرون» في التعداد.
ولا تتوفر أرقام دقيقة حول أعداد العرب الأميركيين الحقيقية في الولايات المتحدة، كما أنهم محرومون من معاملة الأقليات في الحصول على المخصصات الحكومية والمساعدات الخيرية، والتعليم الجامعي، والتوظيف، باعتبارهم أقلية غير معترف بها.
خيبة
مايا بري، المديرة التنفيذية للمعهد العربي الأميركي ذكرت في بيان للمعهد أن الرفض كان «شديد الوقع» على الجاليات العربية الأميركية، وأضافت «سنوات من الغبن اللاحق بإحصائنا قد حرم مجتمعنا من الحصول على حقه في الخدمات الأساسية، بدءاً من المساعدة اللغوية لدى الانتخاب في مراكز الاقتراع، إلى تخصيص منح تعليمية وثقافية من أجل الكفاءة والتدريب وتعلم اللغة إلى مزيد من الحصول على المعلومات الصحية والبحثية».
كذلك تستخدم بيانات التعداد السكاني أيضاً لتحديد الدوائر الانتخابية والمدارس العامة. وقد قدم تحالف المنظمات التي قادت جهود إدراج «مينا» في الإحصاء، عشرات الدراسات والاستطلاعات التي تدعم أحقية تصنيف الأميركيين المتحدرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في خانة خاصة.
وقد صدر قرار الرفض بعد مماطلة مكتب الإدارة والميزانية في حسم الموقف بسبب مقترحات أخرى مثيرة للجدل (سؤال عن الجنسيات الأخرى)، مما اضطر المعنيين الالتزام بالمعايير القائمة على أسئلة العرق والإثنية، «لنفاد الوقت».
وفي خطاب مفتوح إلى الكونغرس الذي سيبت الصيغة النهائية لاستمارة الإحصاء السكاني، أشارت «اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) إلى «أن دقة المعلومات الإحصائية السكانية تضمن المساواة في فرص الوصول إلى الموارد العامة، لا سيما بالنسبة للفئات المهمشة تاريخياً».
وأوضحت اللجنة في بيانها «أن رفض اعتماد التصنيف الإحصائي الجديد يعني حرمان ملايين الأميركيين من الاعتراف الرسمي بهم، وهذا يتماهى مع أجندة إدارة ترامب لتقويض التنوع في الولايات المتحدة»، مطالبة بإعادة النظر في قرار الرفض.
ومن جهة أخرى، أصدر مركز «أكسس» و«التحالف الإيراني الأميركي» بياناً مشتركاً ذكرا فيه أن إدراج فئة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهم جداً لأن تعداداً دقيقاً لأفراد المجتمع يعني تعزيز الخدمات والحصول على أفضل تمثيل من خلال التشريعات والحقوق المدنية والتعليم والإحصاء الصحي».
وكان تعداد عام 2010 قد أحصى عدد العرب الأميركيين على الصعيد الوطني بمليون نسمة.
ولكن تقديرات المعهد العربي الأميركي تشير إلى أن هناك حوالي 3.7 مليون عربي أميركي، استناداً إلى بيانات دائرة الهجرة والمعهد الذي يؤكد أن العرب الأميركيين في ميشيغن يشكلون 5 بالمئة من ناخبي الولاية، و2 بالمئة في أوهايو.
لسنا بِيضاً
ومع انتشار الأخبار حول رفض فئة «مينا» عبر وسائل التواصل الإعلامي، سارع العرب الأميركيون إلى الدفاع عن تراثهم والاعراب عن خيبة أملهم.
«يريدون أن يبقونا بيضاً لكنهم يعاملوننا كسُمر» كتبت هالة برغوثي في صفحتها على الفيسبوك. معلقة أخرى ذكرت أنها كانت دائماً تملأ استمارة الإحصاء عندما تسأل عن أصلها الاثني بأنها أفريقية، وذلك «لأني كعربية لم اعرف قط عن نفسي بأنني أنتمي للعرق الأبيض».
من جانبه، قال الكوميدي والمعلق السياسي العربي الأميركي، عامر زهر، لـ«صدى الوطن» إن طرح فئة «مينا» يعود إلى الضغط العربي و«لكن كان من الأنسب وضع تصنيف يحدد بصراحة العربي الأميركي».
وأشار إلى أن «خانة مينا كانت ستشمل بشكل عشوائي كتلاً عرقية من مختلف الثقافات والمجتمعات المحلية معاً. على سبيل المثال، ضم العرب والإسرائيليين والإيرانيين الاميركيين معاً تحت مجموعة واحدة يخفف من دقة جمع البيانات ويشوه حقيقة التركيبة السكانية الوطنية».
ولفت زهر، وهو أستاذ مساعد يدرس مادة القانون في «جامعة ديترويت–ميرسي» وواضع الفيلم الوثائقي «نحن لسنا بِيضاً»، إلى أن «مصطلح الشرق الأوسط أصلاً صنعته القوى الاستعمارية التي عنت به شرق السكان البيض والمقصود منه كان جمع الناس معاً ممن يحملون تاريخاً وثقافة ومصالح مماثلة، ولكن الذي يصلنا ببعضنا البعض هو لغتنا التي تحدد ثقافتنا».
الحرب لم تنته
في شهر أيار (مايو) الماضي، المدير التنفيذي للمركز العربي حسن جابر، وهو عضو في المجلس الاستشاري، أخبر «صدى الوطن» أن «أكسس» أجرى عدة استطلاعات مع مجموعات تمثل 1.2 مليون أميركي من أصول شرق أوسطية على الصعيد الوطني. وكانت النتيجة أن 78 بالمئة من المستطلَعين يفضلون تصنيف «مينا» بدلاً من «أبيض» أو «عرق آخر».
غير أن الجهود التي بذلت لإدراج خانة «مينا» والتي اكتسبت زخماً قوياً في السنوات القليلة الماضية، لم تثمر قراراً إيجابياً حسب زهر لأن «الاستراتيجية كانت هشة منذ البداية وعندما نحاول اعتماد الضغط عبر البيروقراطية، هذا ما يحدث بالضبط فالسياسات تتبدل والقيادات السياسية يمكنها ببساطة نحر جميع الجهود»، مشيراً إلى أن وجود رئيس مثل دونالد ترامب في البيت الأبيض لا شك أنه أثر سلباً على حظوظ المقترح.
وأضاف زهر أن القنوات القضائية أفضل مثل إقامة دعوى ضد الحكومة الفدرالية تدعو للحماية المتساوية في إطار الدستور، «فهذا من شأنه أن يكون أكثر فعالية».
وأضاف زهر بأن الجهود التي تزعمتها حلقة ضيقة من قادة المنظمات، تبين أنها منعزلة عن جالياتنا فلم تطلعنا على التطورات أولاً بأول لمواكبة الحدث».
وخلص إلى القول «هذا يمكن أن يكون عنوان نضال عام للجالية».
وتعهد «المعهد العربي الاميركي» بمواصلة الضغط لإقرار «مينا» قبل الموعد النهائي لتقديم استمارة الإحصاء إلى الكونغرس في 31 آذار (مارس) القادم.
وقالت بري «سنطالب الكونغرس بالتحرك للالتزام بإجراء إحصاء كامل ودقيق».
Leave a Reply