واشنطن – تسوية الساعات الأخيرة، لأزمة إغلاق الحكومة الفدرالية وبلوغ سقف الدين، انتشلت الولايات المتحدة من مأزق مالي كبير كاد أن يطيح بعهد الرئيس باراك أوباما ويهز الإقتصاد العالمي.
![]() |
أوباما يساعد في إعداد الطعام لجمعية «مائدة مارثا» الخيرية التي تضررت بشدة من غلق المؤسسات الحكومية. (رويترز) |
التسوية التي شهدت تنازلات من الطرفين وأجّلت أزمة الدين الأميركي أربعة أشهر إضافية، اعتبرها الجمهوريون «هزيمة سياسية»، لكن العديد منهم ألقوا اللوم سريعاً على تيار «حزب الشاي» المحافظ، الذي يمكن اعتباره أكبر الخاسرين السياسيين في الأزمة. وباتت معركة الإنتخابات النصفية في العام ٢٠١٤ مفصلية بالنسبة للتيار الذي حقق شعبية واسعة مع انتخاب أوباما رئيساً.
ويحمل الجمهوريون «تيار الشاي» مسؤولية دفع الحزب الى المطالبة بتنازلات كبرى من الرئيس تتعلق بإصلاح نظام الضمان الصحي الذي أقرّه أوباما والمعروف باسم «أوباما كير»، وهو الإنجاز الأكبر في حصيلة الرئيس الأميركي الاجتماعية، لكن تبين أن هذه الاستراتيجية كانت فاشلة، وانعكست سلباً على شعبية الحزب الذي اضطر الى التخلي عن شرط «أوباما كير»، كما حمل الرئيس المشرعين المحافظين مسؤولية الإغلاق الحكومي الذي عطل حياة الأميركيين وتسبب بخسائر مالية للدولة.
«خسارة غير مبررة وغير ضرورية». هكذا اختصر أوباما ما تكبدته البلاد من جراء الشلل المؤقت الذي اصاب حكومتها خلال أكثر من أسبوعين بسبب تعنّت المحافظين الجمهوريين ورفضهم لمشروع «أوباما كير».
وأصدر أوباما ليل الأربعاء القانون الذي يرفع سقف الدين ويبعد خطر تعثر الولايات المتحدة في سداد مدفوعاتها، واضعاً حداً لمعركة سياسية استمرت أسبوعين.
الإتفاق
وشكل إعلان البيت الأبيض بشأن رفع سقف الدين، خاتمة لأزمة سياسية حادة أوصلت الولايات المتحدة إلى شفير التخلف عن السداد، حيث وقّع أوباما النص بعدما صوّت الكونغرس بمجلسيه، على رفع سقف الدين حتى السابع من شهر شباط (فبراير) المقبل، وهو ما ينذر بمعركة جديدة بعد أشهر أربعة. وأقر مجلس الشيوخ ثم مجلس النواب على التوالي، وبغالبية واسعة باستثناء جمهوريي «تيار الشاي»، قانون التسوية الذي أعلن عنه قبل بضع ساعات من نفاد المهلة القانونية.
وتسمح هذه التسوية للخزانة بالاقتراض حتى السابع من شباط (فبراير) العام 2014، وتتيح تمويل الدولة الفدرالية حتى 15 كانون الثاني (يناير) المقبل.
وقد طلب من كافة الموظفين الفدراليين الذين وضعوا في إجازة من دون راتب منذ 16 يوماً بسبب أزمة الميزانية، العودة إلى العمل اعتباراً من صباح الخميس، وستدفع لهم رواتبهم بأثر رجعي.
لكن هذه التسوية تبقى مؤقتة، لأنها تتيح بضعة أشهر فقط أمام الفريقين للتوفيق بين مواقفهما بشأن الميزانية. وستدعى لجنة من المجلسين لتضع قبل 13 كانون الأول المقبل، أطر ميزانية للأشهر المتبقية من العام 2014. إلا أن أعضاء الكونغرس المنقسمين بين ديمقراطيين وجمهوريين أبدوا حتى الآن عجزهم عن إيجاد أرضية تفاهم.
وصوت مجلس النواب بأغلبية 285 صوتا مقابل 144 على تمرير مشروع القانون، وذلك بعد موافقة سابقة لمجلس الشيوخ الأميركي على المشروع الذي اتفق عليه الجمهوريون والديمقراطيون.
وتبنى مجلس الشيوخ بأغلبية 81 صوتا مقابل 18 كانوا من الجمهوريين المحافظين، وقد دعم الأعضاء الديمقراطيون في المجلسين، بالإجماع، مشروع القانون.
وسجلت خاتمة الأزمة نكسة كبيرة للفريق الجمهوري وزعيمه رئيس مجلس النواب جون باينر، الذي طالب خلال أسابيع، السلطة التنفيذية بتقديم تنازلات خاصة بـ«أوباما كير» قبل أي تصويت على الميزانية، وذلك قبل أن يتراجع عن موقفه الأربعاء الماضي.
وقال باينر لإذاعة «دبليو إل دبليو» من معقله في أوهايو «خضنا معركة من أجل قضية عادلة، لكننا لم نكسب»، واعداً بمواصلة العمل لمنع «الكارثة المتمثلة بالقانون المتعلق بإصلاح النظام الصحي»، الذي أصدره أوباما في العام 2010 وبدأ تطبيق شق أساسي منه مطلع الشهر الحالي.
أوباما يوبخ المشرعين
وكان الرئيس الأميركي أعلن بوقت سابق، في كلمة ألقاها من البيت الأبيض، أنه سيترتب على أعضاء الكونغرس استعادة «ثقة» الأميركيين بعد أسبوعين من المواجهات السياسية، داعياً إلى التوقف عن حكم البلاد «من أزمة إلى أزمة». واعتبر أوباما أنه لا يوجد «أي رابح»، قائلاً إن «سوء الأداء السياسي يشجع أعداءنا ويضعف أصدقاءنا»، داعياً أيضاً إلى إيقاف المواجهة والتصويت على موازنة في المدى البعيد لإعطاء المزيد من «الثقة» للمتعاملين الاقتصاديين.
وأضاف أوباما «لنكن واضحين، لا يوجد أي رابح هنا. الأسابيع الأخيرة ألحقت باقتصادنا ضرراً من دون أي مقابل»، معتبراً أنه «لا يوجد شيء على الأرجح يضرّ باقتصادنا ومصداقيتنا في العالم سوى المشهد الذي عشناه في الأسابيع الأخيرة».
وأضاف أن الأزمة الأخيرة جعلت الأميركيين يضيقون ذرعا بساستهم، منتقدا الجمهوريين الذين قال إن عليهم أن يتخلوا عن «إستراتيجية الأوضاع الحرجة» التي تهدد الاقتصاد، وتزعزع ثقة الأميركيين في حكومتهم.
وحث المشرعين على العمل معا من أجل إقرار ميزانية طويلة الأمد لا ميزانية ظرفية.
وطلب من النواب الجمهوريين في مجلس النواب العمل على إصلاح قانون الهجرة الذي تبناه الصيف الماضي مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديمقراطيون.
كما دعا إلى تبني قوانين أخرى مهمة بينها قانون حول الزراعة، وهو مجمد أيضاً.
وقبل بلورة الإتفاق، كان أوباما قد شن حملة على الجمهوريين المعارضين لإقرار الميزانية وقال في كلمة له أمام جمعية «مائدة مارثا» الخيرية التي تضررت بشدة من غلق المؤسسات الحكومية: «نحن على وشك الإفلاس» رافضاً ابتزاز الجمهوريين له في هذا «الموقف الحرج».
واعتبر وزير الخزانة الأميركي جاكوب لو أن الاتفاق على رفع سقف الدين وإعادة فتح الحكومة يعزز «الثقة الكاملة» في الولايات المتحدة، وأوضح في بيان أن “الولايات المتحدة هي مرتكز النظام المالي الدولي وعملة الاحتياط العالمية».
لكن شلل الإدارات الفدرالية الأميركية لـ١٦ يوماً سيترك وقعاً على الاقتصاد، فبحسب وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني، فإن هذا الشلل سيكلف النمو الاقتصادي الأميركي 0,6 نقطة مئوية في الربع الأخير من العام، أي ما يساوي خسارة 24 مليار دولار من الثروة المنتجة.
وخلصت منافستها وكالة «موديز» إلى الاستنتاجات نفسها تقريباً، إذ أكدت أن الاتفاق المبرم بين الجمهوريين والديمقراطيين جنب البلاد «كارثة»، متوقعة تراجع النمو الأميركي خلال الفصل الأخير بـ0,5 نقطة مئوية، ما سيُلحق ضرراً «محدوداً» في نهاية الأمر. وتضاف إلى التكلفة الاقتصادية، الزيادة في العائدات على سندات الخزينة في المدى القريب الذي سيزيد بدوره أعباء خدمة الدين على الحكومة الأميركية.
Leave a Reply