فاطمة الزين هاشم
خلق الإنسان ضيفاً فـي هذه الدنيا العجيبة، تمجّده خصاله فإن كانت حميدة انبثقت عنها فروع مزهرة ومثمرة، وترك وراءه إرثاً جيّداً من السمعة الطيبة وعملاً نافعاً يُحسب له، وإذا مات تبقى ذكراه خالدة فـي قلوب من عرفوه.
هكذا كانت الحاجة رمزية (أم علي) صاحبة الوجه البشوش والروح الطيبة التي تسعد من حولها وتنشر الفرح أينما حلّت بعاطفة جياشة وحب صادق نابع من قلب طيب لا يعرف الرياء ولا الممالقة، هدفها الوحيد إضفاء جو من المرح وإبعاد هموم الحياة التي أصبحت لا تطاق وحذفها من خارطة الزمن، فإن أروع شيء فـي الحياة أن ندخل شيئاً من الفرح على قلوب من حولنا.
ترعرعت هذه السيدة فـي بيت كريم يلفّه الإيمان والتقوى وحبّ الناس وعمل الخير، ورغم كونها إبنة خالتي لكننا لم نلتق كثيراً بسبب سفري الدائم وبعدي عن بلدي وانشغالي بعملي وعائلتي، غير أن مجيئي إلى هذه البلاد واقترابي منها أكثر زاد من معرفتي بها وبعائلتها التي تحملت مسؤوليتها وحدها بعد موت زوجها رحمه الله، فكانت الأم والأب فـي وقت واحد، تأمر وتنهي وترشد وتساعد بأفكارها النيّرة وخبرتها فـي الحياة وصبرها على فقدان الزوج والحبيب الذي أعطاها الأمان والحب والإخلاص وأغرقها بدفء حنانه وأكرمها بماله وأرضاها بدماثة أخلاقه، فكانت الزوجة المساندة والمخلصة والأم الحنون التي تسهر على تربية أولادها ورعايتهم، لم تشعرهم يوماً بفقدان والدهم، بل جمعتهم تحت جناحها وأغدقت عليهم عطف الأم الحنون، نذرت حياتها لهم، ووقفت إلى جانبهم فـي السراء والضراء حتى تزوجوا جميعاً وأصبح لكل واحد منهم حياته الخاصة.
لكنها كانت تواظب على جمعهم فـي بيت واحد معظم الأيام لتبقى الأسرة مترابطة ومتحابة، يأكلون معاً ويقضون أوقاتاً ممتعة بوجودها معهم، لم ينسوا فضلها ولم يهملوها يوماً بل كانوا من خيرة الأبناء يتودّدون إليها ويلبون طلباتها ويعاملونها كأميرة متوجة على عرش قلوبهم.
غير أن تنكيلة الموت فـي غرابة أقداره جاءتها فانسحبت من الحياة بهدوء دون أن تزعج أحداً، موتها كحياتها موت هنيء رضي على الرغم من أنها تركت حسرة فـي قلوب من عرفوها وقلوب أبنائها ومحبيها، سنفتقدك يا أم علي ونفتقد عشرتك الطيبة وروحك المرحة ووجودك المميز وبسمتك المشرقة وصداقتك المخلصة ووفاءك النادر، لكن ما يثلج قلوبنا وصدورنا أنك ستكونين بجوار جدك المصطفى شفـيعك وحبيبك نبينا محمّد (ص) تستقبلك الملائكة بالرياحين والعنبر يا سيدة الجدين.
إلى جنان الخلد أيتها الغالية.
Leave a Reply