والحقيقة، أن الوضع في سوريا يحير فعلاً. فكلما وضع الإصلاح على السكة الصحيحة، كلما إزداد العنف والتظاهرات المسلحة التي تفتك بالناس والممتلكات العامة عدا عن تسعير الفتنة والتفرقة المذهبية من أجل الإطاحة بوحدة سوريا المهددة لأول مرة في تاريخها. فهل الإصلاح يتم في يوم وليلة، أم أنه “قميص عثمان” يستعمل للتآمر على النظام من أجل اسقاطه؟ لم تجب هذه المعارضة السورية في الخارج عن أسئلة مهمة طرحت عليها من قبل مهتمين بالشأن السوري وحتى داعمين لها. هذه المعارضة تحوي ما هب ودب من علمانيين ليبراليين إلى سلفيين متطرفين من “الإخوان المسلمين” (وهم مختلفون تماماً عن “الإخوان” المسالمين في باقي الدول) الذين يكرهون كلمة علمانية ومن يؤيدها.
أول هذه الأسئلة ما هو برنامج المعارضة السياسي والديمقراطي وفي قلبها احزاب شمولية سلفية دموية وشخصيتان ما زالت أيديهما تقطر دماً وسرقات مثل عبدالحليم خدام ورفعت الأسد؟ فهل هي فعلاً ديمقراطية تتم فيها المشاركة الحقيقية من قبل كل الفئات والأحزاب السورية أم أنها حركة إقصائية تريد القضاء على النظام واستئصاله من جذوره وربما الإنتقام شر إنتقام من طائفتين كريمتين حسب الشعارات الطائفية البغيضة التي يطلقها المتظاهرون بإسم المعارضة؟ أم أن المعارضة تريد تصفية الحساب مع النظام، على حساب الجيش والشعب السوري فقط من أجل السلطة ومن أجل مخططات خارجية؟ ولماذا يقود المعارضة في الغرب شخصية صهيونية مثل برنارد هنري ليفي الذي تزعم التظاهرة ضد النظام في باريس، أوالشخص السوري المعارض الذي يحل ضيفاً دائماً على إسرائيل والداعي لرفع العلم الإسرائيلي في دمشق؟ وبالمناسبة، لم تقل لنا هذه المعارضة ما هو موقفها من إسرائيل ولو علمنا بذلك مسبقاً من تصرف من ذكرنا سابقاً ومن بينهم خدام نجم المقابلات على التلفزيون الإسرائيلي. أي مستقبل لسوريا على يد هؤلاء إذا سقط النظام لاسمح الله؟ وكيف يقبل المنطق والعقل “ديموقراطية” المعارضة ونحن نرى المسلحين على الدرجات النارية يقنصون الناس ويخربون الأملاك ويحرقوها ثم يسطون على موقع للجيش وينهبون بذلاته العسكرية والأرقام، لكي يستعملوها في إحدى تمثيليات “الجزيرة” للإيحاء بانقسامٍ في الجيش وبالإعتداء على الشعب من قبل افراده المتنكرين! ولماذا لم تنبس المعارضة ببنت شفة حيال نسف خط أنابيب النفط في تلكلخ؟ هل هذه العينات نموذج لحقيقة هذه المعارضة؟
والمؤسف أن سوريا الشعب والجيش والدولة والنظام تحملوا ما فيه الكثير كدولة مواجهة ومقاومة وحرب مع إسرائيل في حين كانت الدول المتآمرة، والتيارات والشخصيات التي تحاول تخريب الأمن في سوريا اليوم، تنعم بالهدوء والمال والجواري بعيداً عن أرض المعركة وجزيتها الباهظة البشرية والمادية.
حرام أن تضيع منجزات الشعب السوري وجيشه الذي صمد صموداً أسطورياً وحطم كل المؤامرات من مؤامرة “كامب ديفيد” إلى اتفاقيات السلام المنفردة الاستفرادية إلى إتفاق ١٧ أيار، إلى غزو إسرائيل في ١٩٨٢ وحربها الوحشية على لبنان في مثل هذه الأيام من عام ٢٠٠٦. والمؤسف أكثر أن زعيم التيار “الزرقاوي” المغترب أعلن انحيازه ضد سوريا مشاركاً بشكل كيدي وثأري مساهماً في الحملة الغربية عليها ومتناسياً أن ألمه اليوم على الشعب السوري لن ينطل على أحد بعد أن خبر هذا الشعب أشر حملة عنصرية لبنانية عليه منذ عام ٢٠٠٥. ثم كيف يتدخل هذا الفريق بالشأن السوري وهو الذي إنتقد الذين هاجموا مجازر نظام البحرين ضد شعبه؟ لقد توقفت طويلاً أمام توقّف كتلة “المستقبل” أمام كلام السيد نصرالله “والتحذيرات والتهديدات التي أطلقها بشأن موضوع النفط والغازفي لبنان، مصادراً بذلك دور وقرارالدولة اللبنانيّة”، ورأت أن مواقفه “تلحق الضرر بلبنان وبسمعة الاستثمار فيه وتورط الدولة اللبنانيّة“.
إنتظرنا الرد من إسرائيل فجاء من سمير جعجع والسنيورة وجمعية “١٤ آذار”! طبعاً لأن إسرائيل حضارية جداً في تعاملها مع لبنان ولم يردعها توازن الرعب مع المقاومة من قبل. هل ينفع إحالة هؤلاء إلى توغل الجنود الإسرائيليين حتى مصايف الوزاني داخل الأراضي اللبنانية؟ وهل إستنكروا ذلك بكلمة واحدة؟ أم هل ينفع معهم إعتراف رئيس إستخبارات سلاح البحر الإسرائيلي بلسانه أن منشآت إسرائيل البحرية كلها في مرمى صواريخ المقاومة؟
ليس كل رمضان “الربيع العربي” دموياً، فليتعظ جماعة “١٤ الشهر” من مثول حليفهم طاغية مصر في قفص الإتهام مع ولديه في “محاكمة القرن” ولماذا لا تقف اليوم مع الشعب المصري كما تدعي الدفاع عن الشعب السوري؟
Leave a Reply