ديربورن – بخلاف السنوات السابقة، تختفي مظاهر البهجة والاحتفال بشهر رمضان المبارك بمنطقة ديربورن لهذا العام مع توقف الفعاليات الرمضانية ذات الطابع الاجتماعي بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والاقتصار على البرامج والأنشطة الدينية في المراكز الإسلامية المنتشرة في المدن ذات الكثافة العربية والإسلامية في عموم منطقة ديترويت.
المسحة الكئيبة وتأثر المزاج العام للعرب والمسلمين الأميركيين بالأوضاع الكارثية في الأراضي المحتلة، شكّلا السمة الأبرز للشهر الفضيل الذي هلت أولى تباشيره يوم الإثنين الماضي، حيث تقلّصت الاستعدادات التقليدية لاستقبال رمضان إلى الحد الأدنى، وعدل منظمو الفعاليات الاحتفالية عن مواصلة المهرجانات الرمضانية، بما فيها «مهرجان السحور» و«ليالي رمضان»، اللذين اجتذبا العام الماضي عشرات آلاف الزوار إلى مدينة ديربورن.
وأوضح العديد من العاملين في المراكز الإسلامية بمدن ديربورن وديربورن هايتس وديترويت بأن برامجهم وأنشطتهم ستقتصر هذا العام على مواصلة الأنشطة ذات الطابع التعبدي نظراً لتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يعيش زهاء 600 ألف فلسطيني على حافة المجاعة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
واستبق منظم مهرجان «سحور الرمضاني»، حسن الشامي، حلول الشهر الكريم للإعلان في شهر كانون الأول (ديسمبر) المنصرم عن إلغاء الفعالية التي نجحت على مدار ثلاث سنوات متتالية في استقطاب آلاف الزوار في أيام نهاية الأسبوع من المدن المجاورة وباقي الولايات الأميركية، إضافة إلى كندا.
وفي بيان تم نشره على موقع «إنستغرام»، أكد الشامي بأنه من غير المناسب الاحتفال بشهر رمضان لهذا العام في ظل الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين، مضيفاً: «لهذا السبب اتخذنا القرار الصعب بإلغاء المهرجان هذه السنة، حيث قلوبنا ومشاعرنا مع إخواننا المتضررين في فلسطين».
وفي السياق، أفاد الشامي لصحيفة «ديترويت نيوز» بأن إحساساً شخصياً بالمسؤولية لم يدفعه فحسب إلى إلغاء الفعالية الرمضانية التي أقيمت لأول مرة في عام 2018، وإنما أيضاً إلى مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، لافتاً إلى أن عائلته هاجرت من لبنان إلى منطقة ديترويت مع الكثير من اللبنانيين الآخرين بسبب احتلال الدولة العبرية لجنوب لبنان في ثمانينات القرن المنصرم.
وأضاف: «لا أريد أن أتحمل مسؤولية إقامة مهرجان بهيج في ظل مجازر الإبادة الجماعية في الأراضي المحتلة، إذ أننا نشاهد شعبنا يومياً على هواتفنا وهو يتعرض للتطهير العرقي»، في إشارة إلى المقاطع المصورة التي توثق للجرائم البشعة التي تواصل دولة الاحتلال ارتكابها منذ السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وفيما لم تعلن مدينة ديربورن عن أسباب إلغاء فعالية «ليالي رمضان» التي أُقيمت للمرة الأولى العام الماضي، إلا أن المرجح أن يكون استمرار الحرب ضد الفلسطينيين في القطاع المنكوب هو السبب وراء ذلك، خاصة مع تلبد المزاج العام لدى العرب والمسلمين الأميركيين بمنطقة ديترويت الذين دأبوا خلال الشهور الأخيرة على تنظيم الكثير من الوقفات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، وسط مشاعر استياء عارمة حيال دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في قتل وتهجير مجمل سكان القطاع.
في السياق، أكد العديد من العرب الأميركيين أنهم يشعرون بالمرارة لتفاقم الكارثة الإنسانية وتواطؤ الجهود الدولية في ردع إسرائيل عن مواصلة حربها التي أسفرت عن مقتل أكثر من ٣١ ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى تهجير مئات الآلاف الذين يعانون من فقدان الطعام والمياه حتى خلال شهر رمضان.
وقال المشرف على برنامج المنح المالية في «مركز ديترويت الإسلامي» بأن تردي الظروف المعيشية والإنسانية في غزة دفع القائمين عليه إلى إلغاء بعض المظاهر الاحتفالية كإقامة خيمة الفطور العملاقة وإيقاف برنامج الاحتفاء بالمسلمين الجدد، كما كان الحال على مدار الأعوام السابقة، منوهاً بأن المركز سيواصل كالمعتاد تقديم وجبات الإفطار في قاعة داخلية، وذلك نزولاً عند رغبة العديد من أصحاب الأيادي البيضاء الذين تبرعوا بحوالي مليوني دولار لهذا الغرض.
من جانبها، لفتت فاطمة حموي إلى غياب الأجواء الاجتماعية في شهر رمضان، وقالت إذا كان الشهر الفضيل هو مناسبة للإحساس بالفقراء والشعور بمعاناتهم، فكيف لنا أن لا نتضامن مع عشرات آلاف العائلات الفلسطينية التي فقدت أبناءها وبيوتها ولقمة عيشها، متسائلة: «إن المشاهد التي تصلنا من هناك، تليّن الحجر»، مبتهلة إلى الله تعالى أن يعينهم على مصابهم الأليم.
فاطمة التي تتحدر من أصول سورية، قالت والدموع تكاد تترقرق من عينيها، «والله كلما رأينا تلك المشاهد نشعر بالغصة في قلوبنا.. واللقمة تتوقف في حلوقنا»، متمنية على جميع العرب والمسلمين الأميركيين في منطقة ديترويت، وفي عموم الولايات المتحدة، وأن يخصصوا تبرعاتهم وصدقاتهم وزكاة الفطر لسكان القطاع هذا العام.
وأوضحت فاطمة بأن عدد الفقراء والمحتاجين قليل جداً في منطقة ديربورن، ويمكنهم في نهاية المطاف تدبر أمورهم، وقالت: «لا أحد هنا يموت من الجوع، أما سكان غزة فهم يموتون ولا معين لهم غير الله»، لافتة إلى أن الأوضاع المعيشية في بعض البلدان العربية مثل سوريا واليمن سيئة للغاية، ومختتمة بالقول: «من له أقارب في سوريا واليمن فليساعدهم، ولكن ليخصصوا جزءاً من المساعدات لإغاثة الفلسطينيين».
Leave a Reply