روابي جمع رابية والرابية هي التلة المرتفعة، وهذا حال مدينة روابي الفلسطينية الجديدة، الواقعة على قمم جبال في وسط الضفة الغربية على طريق رام الله-نابلس وتطل على اضواء العاصمة الاردنية عمان وعلى تل ابيب وانوارها. هي فيض من السلطة الفلسطينية ورئيس وزرائها سلام فياض، اقامها لتكون انموذجا تحتذيه الاجيال الفلسطينية الجديدة، فهي مدينة مبنية وفق الطرز المعمارية الاميركية، عبارة عن بيوت مستقلة تحيط بها الحدائق، وشوارعها فسيحة ومنارة وميادينها مزروعة بالزهور، وفيها مراكز صحية واجتماعية ونواد للترفيه ومجمع لدور السينما، واسواق ضخمة (مولات)، وهي أولا واخيرا مدينة تكنولوجية، صممت لتكون مركزا لانتاج البرمجيات الحاسوبية وتوزيعها في منطقة الشرق الاوسط والعالم، ما يدل ان فياض رجل اعمال واقتصادي صاحب فكر متجدد، لا يؤمن بالنظرية الاقتصادية القديمة، القائلة بأن الأمة عليها ان تأكل مما تزرع وان تلبس مما تصنع.
سكان روابي مختارون بعناية فهم يمثلون طبقة “الانتلجنسيا” المتعلمة والمثقفة والتقنية، اضافة الى طبقة الاثرياء ورجال الاعمال، فهذه مدينة عصرية لا ينفع فيها الفلاحون والحرفيون والعسكر، هؤلاء يكفيهم المخيمات والقرى وقيعان المدن، ويكفيهم العيش حولها ويقتاتون على فتاتها. سكان روابي عصريون ومستوردون. اذ كيف لفلسطيني قضى حياته تحت الاحتلال ثائرا او منتفضا او يلهث وراء لقمة عيشه. ان يبني ثروة أو علما يستحق به ان يعيش في مدينة ثمن البيت فيها او الشقة جزء من المليون.
لا ضير في اقامة مدن حديثة وجميلة على الارض الفلسطينية مثل روابي، فهناك مشروع لاقامة مدينة في الشمال بالقرب من جنين تسمى “جنان”، وربما مدينة على غرارهما ثالثة ورابعة، فهي ستكون مراكز اقتصادية تسهم في تطوير المجتمع الفلسطيني وازدهاره، وتشكل تمهيدا لميلاد الدولة العتيدة، لكن المعضلة ان هذا البناء وهذا الفكر وهذه الترتيبات، ستظل حبرا على ورق تذروها الرياح، لا قيمة لها، اذا اخذنا في الحسبان البناء اليهودي والفكر الصهيوني والترتيبات العسكرية والامنية على الارض.
اذ كيف للسلطة ان تجذب مستثمرين وتمنحهم اقامات داخل الضفة الغربية؟ وكيف لهؤلاء ان يدخلوا الاموال، وكيف لهم ان يستوردوا المعدات والاجهزة، وكيف لهم ان يأمنوا على حياتهم واموالهم، وكيف لهم ان لا يتعرضوا لأذى المستوطنين وبطش الجيش الاسرائيلي؟ بل ان السلطة كيف لها ان تضمن للقادمين بأموالهم وخبراتهم من دول الخليج واوروبا واميركا انها باقية في السلطة؟ الأدهى من ذلك ان محمود عباس طلب من الرئيس الاميركي باراك اوباما في آخر لقاء بينهما ان يطلب من الاسرائيليين فتح الطرق المؤدية الى روابي وازالة حواجز الجيش الامنية من حولها.. فكيف لو نشبت حرب او اندلعت انتفاضة او حدث انقلاب في الضفة الغربية، حينها تكون روابي ومن فيها كالفراش المبثوث والعهن المنفوش.
ترقب يا فياض وكن لطيفا بحال الشعب الفلسطيني، فالمال والاعمال والاقتصاد ليسوا بالضرورة الرقم واحد في الحياة، ولم يكونوا يوما كذلك، هناك دائما ما يسبقهما السياسة والأمن وهما بالطبع ليسا لعبتك.
Leave a Reply