علي حرب – «صدى الوطن»
بحكم زمالته ورفقته للدكتور القس مارتن لوثر كينغ جونير، قائد الحقوق المدنية التاريخي، بالإضافة إلى نشاطه الدؤوب فـي تعزيز التنوع فـي التربية والتعليم وحث الشباب على متابعة تحصيلهم العلمي، كرس الدكتور روبرت غرين حياته للنضال من أجل الحقوق الانسانية والمدنية، ولم يتغير بفعل الزمن، لكن الذي تغير حسب ما يراه اليوم وجوه التمييز التي تبدلت من مسيرات سلمية فـي مدينة سيلما إلى أعمال شغب فـي مدينة بلتيمور، لكن على الرغم من مرور الزمن ما زالت العنصرية ذات الطابع المؤسسي عاملاً ثابتاً لا يتغير.
د. غرين |
وخص الدكتور غرين البالغ من العمر ٨١ عاماً ونيف،«صدى الوطن» بمقابلة تحدث فـيها عن جنى عمره السياسي وخلاصة كفاحه من أجل الحقوق المتساوية بين بني البشر، فأكد فـي البداية على أهمية التعليم وعلى انه يمكنه أن يلعب دوراً رئيساً فـي النضال من أجل الحرية. وأوضح أن التعليم «لا ينهي التمييز ولكن يدفع الناس للمطالبة بازالته من موقف فكري قوي».
غرين، الرئيس السابق لجامعة مقاطعة كولومبيا، حاصل على شهادة الدكتوراة فـي علم النفس التربوي من جامعة ميشيغن ستيت. وقد حاز على جوائز وشهادات متعددة، بما فـي ذلك شهادة غاندي الدولية وجائزة كينغ وجائزة إيكيدا لحقوق الإنسان ومبادرات السلام فـي كلية مورهاوس.
«عبر التعليم الأكاديمي، يمكنك ان تتعلم التفكير والتأمل والتحليل والنظر الى الأوضاع بشكل مختلف»، كما قال، وأضاف «انت على استعداد للنضال؛ انت على استعداد للقتال، وليس عليك أنْ تترجى احداً فأنت مصر على الحرية وتطلب نيل الحرية».
وأردف «أن الدكتور كينغ أنهى الثانوية العامة فـي سن الخامسة عشرة وحصل على درجة الدكتوراة فـي سن السادسة والعشرين. ولكن التوقعات الأكاديمية منخفضة لدى الشبان السود وقد ألحقت الضرر بمفهومهم للتعليم. ففـي العديد من المدن الكبرى- ديترويت، شيكاغو، بلتيمور، لوس أنجلوس – يتعرَّض الذكور السود للطرد بشكل غير متناسب وهذا يؤثر على قدرتهم على فعل الشيء الصحيح. المعلمون فـي الفصول الدراسية يقولون شيئاً ويعتقدون بشيءٍ آخر، والأولاد فـي المدارس يعرفون ذلك».
واستطرد «قد يكون هناك قطع صلة طفـيفة بين حركة الحقوق المدنية فـي الخمسينيات والستينيات والحركة المعاصرة ضد وحشية الشرطة. ولكن عنصراً واحداً ظل راسخاً – العنصرية الممنهجة». وكانت الاضطرابات قد اندلعت فـي مدينة بلتيمور يوم ١٨ نيسان (ابريل) خلال مظاهرات ضد وحشية الشرطة، بعد وفاة رجل أسود يبلغ من العمر ٢٥ عاماً هو فريدي غراي جراء الإصابات التي لحقت به فـي أثناء اعتقاله. وقام بعض المتظاهرين بتحطيم الممتلكات والقاء الحجارة على الشرطة.
قال غرين إنه لا يؤيد عنف المحتجين فـي بلتيمور ولكنه أدان «الظروف التي تجعل الناس يتصرفون بهكذا رد فعل». وأشار إلى «أن أعمال الشغب، كما قال مارتن لوثر كينغ جونيور، هي صوت المنسيين، وعندما يتم ايجاد وظائف لائقة للناس، وعندما يتم التعامل مع الناس بعدل، وعندما لا يتعرضون لسوء المعاملة من قبل رجال الشرطة عندها لن يحدثوا أي شغب. بل يذهبون لمزاولة أعمالهم كل يوم ويبارحون إلى المدرسة كل يوم».
وأكد «أنَّ لا أحد لديه الحق للإساءة لممتلكات الآخرين، ولكن فـي الوقت نفسه، ينبغي على أصحاب الملكية الا يعتدوا على حقوق المجتمع. أنا لن أهدر وقتي بانتقاد المراهقين لأنهم تصرفوا على النحو الذي حصل، لكن سلوك البعض من المحتجين فـي بلتيمور، مثل حرق أحد مراكز سكن المسنين ليس مبررا ولا يقارب المنطق بشيء. يجب أن تعالج الظروف التي تسبب هذا الغضب، ولكن لا ينبغي أن يُعتبر الغضب ترخيصاً للتخريب. بل يجب أن يكون الغضب ترخيصاً للتخطيط والتفكير العميق والقيام بعمل خلاق لإنهاء هذا الظلم».
غرين، الذي كان أفضل صديق لوالده قد أُعدم لأسباب عنصرية (لينشينغ)، انتقد السياسة الخارجية الأميركية، قائلاً «ان كينغ الذي عارض الحرب فـي فـيتنام، لكان وقف ضد غزو العراق (لو كان حياً)». ومضى إلى القول «العامل الحاسم الحقيقي لأميركا هو مواجهة العدالة وعدم القيام بالاستغلال ، ليس تجاه الناس هنا فقط بل تجاه شعوب العالم. لم تكن أميركا عادلة. ونحن لم نعامل الناس بعدل فـي جميع أنحاء العالم. نحن ننفق أموالنا على العالم بينما طرقنا والجسور تحتاج إلى إصلاح، ونحن موجودون هناك فـي العالم لمراقبة الناس لا لمساعدتهم. أنا لست سعيداً بـ«عمل» أميركا. مارتن لوثر كينغ جونيور، لو كان بيننا لن يكون سعيداً بحال أميركا اليوم».
وأفصح غرين أنه كان بجوار كينغ فـي ٤ نيسان (أبريل) ١٩٦٨ عندما تحدث ضد حرب فـيتنام فـي كنيسة ريفرسايد فـي ممفـيس يوم اغتياله، ونسب إليه قوله «طالما أننا نخلق البؤس فـي جميع أنحاء العالم، لن يحبنا الناس» وأردف ان الداعية كينغ «كان سيشعر بالعار والإزعاج الشديد لو شهد هجمات الطائرات بدون طيار وقتلها للمدنيين فـي أفغانستان وباكستان واليمن».
وحول انتخاب رئيس أسود فـي أميركا شدد ان هذا «لم يحل مشكلة العنصرية، ولكنه كان خطوة فـي الاتجاه الصحيح، وأظهر الانتخاب أن مواقف بعض البيض قد تغيرت ازاء الأميركيين الأفارقة».
ولاحظ غرين «ان العنصرية لا تزال متمادية فـي الولايات المتحدة رغم قرون من النضال لأن بعض الفئات والأفراد يستفـيدون من بقائها .وأنا أسمي ذلك الغنيمة من البؤس والشقاء والمستفـيدون هم أشخاص من أصحاب نفوذ ورؤساء الشركات وهذا يجب أن ينتهي».
وأضاف «تقع على الضحايا مسؤولية المطالبة السلمية بحقوقهم. لا تحرق، بل تعلم. ان النموذج الاقتصادي لأميركا هو انتزاع قدر ما تستطيع، وأحيانا على حساب الآخرين، تماما مثل الفطيرة. لكن الفطيرة يمكن أن تكون كبيرة وتكفـي الجميع ليأكلوا منها وجبة كاملة. والطعام لن ينفد من الطاولة إذا تعاون الناس وعملوا معاً». وتمنى داعية الحقوق المدنية وجود قدر أكبر من التضامن بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة التي تسعى إلى تحقيق العدالة، بما فـي ذلك الأميركيون من أصل أفريقي والعرب الأميركيون واللاتينيون والأميركيون الأصليون والبيض الذين يملكون حساً اجتماعياً.
وأجاب غرين، الذي تم تكريمه من قبل اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز «أي دي سي» (ADC)، الأسبوع الماضي، ردَّاً على سؤال حول نصيحته للعرب الأميركيين الذين يواجهون التمييز «الوحدة هي مفتاح النجاح عند المطالبة بتحقيق العدالة».
وخلص إلى القول «العمل معاً كشعب موحد مهم جداً. إذا اتحدت الشعوب والجاليات العربية بقلب واحدٍ لن يتعرض الشعب الفلسطيني لكل هذه الصعوبات. كيف يمكن لخمسة ملايين شخص، مدعومين بالطبع من قبل أميركا، إخضاع هذا العدد من السكان العرب؟ إذا تمكنت الفئات «العربية» من تخطي الخلافات الدينية والفوارق الاقتصادية، ستصبح قوة كبيرة وعندها ستنظر اليها أميركا وغيرها من الدول بطريقة مختلفة جداً».
Leave a Reply