عندما تسأله «ماذا ستفعل تالياً»، يعترف محافظ مقاطعة «وين» روبرت فـيكانو بأنه لا يعرف.
ولكن الخيارات أمامه كثيرة ومتاحة. مثلاً يمكنه العودة إلى التدريس أو مزاولة مهنة المحاماة. كما أنَّ بمجرد الحديث أمامه عن «أريتروبوليس» وهي شركة تنمية اقتصادية مفصلية تُعرف الآن باسم «فانتدج بورت» وتقع حول مطار مترو ديترويت، يجعل عينيه تلمعان.
لذلك استدرك جوابه السابق بالقول «ربما هناك شيء يمكنني القيام به هناك»، مشيراً الى «فانتدج بورت»، مضيفاً «أينما أكون، سأبقى دائماً المشجع والداعم لمقاطعة وين».
ولعل دخول فـيكانو العرضي الى معترك السياسة – التي لم يتصور أنها ستصبح مهنته – أنتج مهنة مديدة عمرها ٣٢ عاماً، بما فـي ذلك خدمة لمدة ٢٠ عاماً كـ«شريف للمقاطعة»، مع قائمة خدماتية طويلة حافلة بالمهمات السياسية الأخرى. لكن حلفاء المحافظ والخصوم على السواء يقولون بأن إرث فـيكانو السياسي سيعتوره وجود مشاريع مرسملة سيئة التخطيط وفضيحة الفساد التي شهدت إدانة حفنة من كبار مساعديه بتهمة ارتكاب مخالفات والتي لا تزال فصولها تتكشف. هذه العثرات التي طفت على السطح فـي السنتين الأخيرتين من ولايته الثالثة تسببت باخفاقه عندما ترشح لولاية رابعة فـي شهر أغسطس الماضي.
وعن ذلك أكد فـيكانو البالغ من العمر ٦٢ عاماً «أنا لا أشعر بأي مرارة أو أي شيء (من هذا القبيل)» وأضاف وهو جالس فـي مكتبه فـي وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء الماضي «لقد كنت محظوظاً للغاية وتقلدت المناصب العامة لمدة ٣٢ عاماً، وهذا أطول بكثير من قدرة الناس الآخرين. لكن آخر سنتين ونصف لم تكن الأكثر لطفاً»…
على جدار مكتب فـيكانو، فـي الطابق ٣١ من مبنى «الغارديان» فـي وسط ديترويت، صفحة مؤطرة من «ديترويت فري برس» تعود إلى تاريخ ٣ كانون ثاني (يناير) ٢٠٠٣، والقصة الرئيسية فـي الصفحة الأولى فـيها كانت عن خبر أداء فـيكانو اليمين الدستورية فـي اليوم السابق. فـي ذلك الوقت، كانت المقاطعة تخضع للتحقيق الفـيدرالي الذي كان يبحث عن الصلة بين المساهمات الإنتخابية لحملة المحافظ السابق المتقاعد، إدوارد ماكنمارا، وبين منح العقود التجارية فـي المقاطعة للمساهِمِين.
وفـي خطاب القسم الذي ألقاه من فوق درج مبنى «وين كاونتي» القديم يوم ٢ كانون ثاني (يناير) ٢٠٠٣، تعهد فـيكانو «لأولئك الذين فقدوا الثقة فـي مقاطعة «وين»، بإعتناق الروح والقلب والقوة فـي هذه المقاطعة. إنَّه يوم جديد فـي مقاطعة «وين» وبداية جديدة». لقد بدا فـيكانو وإدارته الشابة يومها حريصاً على قيادة المقاطعة بعيداً عن الفضائح والفساد.
وفـي هذا الشأن تقول المدعية العامة فـي مقاطعة «وين» كيم ورثي، التي حازت على هذا المنصب فـي عام ٢٠٠٤. «إنهم كانوا فـي -ادارة فـيكانو – يستمعون إلى ما هو مطلوب، وفـي بعض الحالات، يجهدون أنفسهم فـي محاولة للتوصل إلى حل معنا».
لقد تطلب العمل فـي ذلك الوقت تفكيراً مبتكراً للحفاظ على بقاء المقاطعة وسط تراجع العائدات الضريبية من الأملاك العقارية بما يقرب من ٣٠٪ منذ عام ٢٠٠٨، مما أدى إلى خسارة بقيمة ٣٥٣ مليون دولار من إيرادات الضريبة المتراكمة. وتم خفض التكاليف الإدارية، بما فـي ذلك خفض الرواتب بنسبة ١٠٪ لألف و٣٠٠ وظيفة، بعضها من خلال الاستنزاف، أو عبر قطع نسبة المعيَّنِين فـي المقاطعة بنسبة ٤٠٪، وتخفـيض النفقات التشغيلية بنسبة ٢٠٪.
ولكن الدين العام استمر باستفحاله، الجزء الكبير منه، كما أوضح، كان بسبب الإفراط فـي الإنفاق فـي دائرة المدعي العام للمقاطعة التي تديرها كيم وورثي وفـي دائرة شريف مقاطعة «وين» التي يديرها بني نابوليون. وعندما لاحت فـي الأفق بوادر اقتفاء المقاطعة لأثر ديترويت فـيما يتعلَّق بانشاء إدارة خاصة على رأسها مدير الطوارئ المالية ومن ثم اعلان الإفلاس، بادرت ادارة فـيكانو بوضع خطة إعادة هيكلة المقاطعة والقضاء على عجز الموازنة المتراكمة، والتي أقرتها حكومة الولاية. وأضاف فـيكانو «أعتقد أن الخطة ساعدت فـي استقرار الأمور»، وأعرب عن فخره بالعمل الذي انجز من خلال التعاون الإقليمي، بما فـي ذلك صفقة لإقامة هيئة إقليمية مشتركة لتشغيل «كوبو هول» والتعامل مع مشكلة المياه فـي المنطقة.
وقال محافظ مقاطعة «أوكلاند» بروكس باترسون ان فـيكانو كان دائماً شريكاً مستعداً للتعاون الإقليمي ووصف صفقة «كوبو هول» بأنها تعبير عن نجاح واضح لمحافظ مقاطعة «وين».
وأردف «كانت صفقة «كوبو هول» صعبة. «كوبو» القديمة كان قد أكل عليها الدهر وشرب حقاً. فتفاوضنا على صفقة جيدة لاعمارها. إنها الآن من بين اثنين أو ثلاثة من أفضل وأكبر مراكز المعارض فـي أميركا».
وتحدث مارك هاكل، محافظ مقاطعة «ماكومب»، عن الطريقة التي تعاطى بها فـيكانو بالنسبة الى «هيئة كوبو»، هذا «الأسلوب هو الذي سنفتقده بعد اليوم».
وأضاف «حتى على مسافة بعيدة، كان دائماً صوت تهدئة، دائماً ينصت للآخرين ويستمع اليهم بإمعان. كيف ساعد فـي التوصل الى توافق؟ من خلال العمل والاستماع إلى الجميع، فهو على استعداد لأن يسمع من أي شخص حتى ولو كان مستاءً أو لا يروق له رأي معيَّن».
ومثل سلفه، ترك فـيكانو منصبه وسط تحقيقات فـيدرالية طالت إدارته، بمن فـيهم أولئك المقربين منه الذين قد يكونون مسؤولين عن القرارات السيئة فـي بناء مشاريع عمرانية من بينها منشأة السجن الحديثة الطراز التي بلغت تكلفتها ٣٠٠ مليون دولار على تقاطع شارعي «غراشيت» و«سانت أنطوان» فـي وسط ديترويت، التي دفعت المشروع لإنفاق مبلغ مئة مليون دولار فوق الميزانية المحددة للمشروع. ووجهت اتهامات لفردين من مكتبه بالكذب حول منشأة السجن الجديد أمام مفوضي المقاطعة والمجلس الذي يشرف على المشاريع المرصودة الرساميل. وكان هذا المشروع واحداً من عدة مشاريع تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية فـي المقاطعة وكانت فـي طريقها لتصبح جزءاً من تراث فـيكانو إلا أنها كانت كذلك بالفعل، ولكن فـي الإتجاه المعاكس، فجرت الرياح بما لا تشتهي السفن.
وبرر فـيكانو ما حصل بالقول ان مكتبه اتخذ القرار الصعب، عندما بات واضحاً أن بناء السجن لن يتم من ضمن الميزانية، فقرر إيقاف البناء وبحث خيارات بديلة لإنقاذه، أو البناء فـي أي مكان آخر. وأردف «اما القرار السهل فكان تركه يتخطى حدود الميزانية المسموح بها».
ويتفق الكثيرون على أن الصورة تبدو من الخارج كما لو كان فـيكانو نائماً على مقود السيارة، وانه ترك عملية صنع القرار خلف بعض المشاريع لأحد مساعديه الرئيسيين تركية مولين، التي كانت ترأس قسم التنمية الاقتصادية فـي المقاطعة، وعزام الدر، نائب المقاطعة التنفـيذي.
وقال شريف مقاطعة «وين» بيني نابليون «أعتقد انه أعطاهم الكثير من حرية التصرف دون التحقق من أفعالهم»، وأضاف انه «سمح للبعض بعزله عن الكثير من الناس الذين كان يجب ان يتواصل معهم فـي إطار عمله كمحافظ للمقاطعة».
نابليون وورثي يتفقان بان السلامة العامة أصبحت أقل أهميةً وليست فـي سلم أولويات إدارة فـيكانو. وتابعت وورثي «على العكس من السنوات الأولى لإدارته، فالأربع أو الخمس سنوات الماضية أظهرت ازدراءه لإنفاذ القانون والسلامة العامة. وهذا التجاهل عاثى فساداً فـي مكتب الادعاء العام والسلامة العامة فـي المقاطعة كلها، وأحدث فجوة أمنية كبيرة سيكون لها مخالب فـي المستقبل».
وزاد نابليون على ذلك بالقول «ان بوب فـيكانو ركز فـي الآونة الأخيرة على التنمية الاقتصادية للمقاطعة بدلاً من الإهتمام بالخدمات الأساسية. هذه هي الأشياء التي أعتقد أنه يريد أن تكون السمة المميزة لفترة ولايته. ولكن مشاريع التنمية إلاقتصادية لم تتحقق أبداً بل إنقلبت عليه سلباً».
وتعرَّض فـيكانو أول مرة للانتقاد الحاد فـي أيلول (سبتمبر) ٢٠١١ بعد أن اعترف بدفع تعويض قدره ٢٠٠ الف دولاراً لمسؤولة دائرة التنمية تركية مولين، بعد مغادرتها منصبها فـي المقاطعة لتصبح الرئيسة التنفـيذية لمطار مترو ديترويت. وأدى تحقيق فـي هذا التعويض إلى إدانة العديد من كبار مساعديه السابقين الآخرين بتهمة الفساد. وكان فـيكانو قد أكد تعاونه مع مكتب التحقيقات الفـيدرالي «اف بي آي».
«انه شعور مقيت عندما تحس بالخيانة»، قال فـيكانو، واستطرد «وكونك مسؤولاً وفـي موقع القيادة فعليك أنْ تعمل لتصحيح ذلك. كنت أريد أن اتأكد أنَّ أمراً كهذا لن يحدث مرة أخرى».
رغم التحديات التي كانت تواجه إدارته، قال هاكل ان فـيكانو تمكن من إدارة اعمال المقاطعة. وتابع «أعتقد أن المشاكل التي إعترضته مؤخراً تركت آثارها السلبية على الصعيد الشخصي أكثر مما أثرت على عمله. اعتقد انه رجل لطيف وأن ذلك كان مؤذياً له عاطفـياً. من الناحية المهنية، لم يكن يظهر عليه الإحباط. وبقي يعمل ولم يختبئ لانه كان يدرك جيداً بان لا بد من الاستمرار فـي أداء دوره».
باترسون لا يستبعد وجود مهام سياسية مستقبلية للمحافظ المبارح، وأضاف «عندما تغزو السياسة الحمض النووي الخاص، فإنه من الصعب عليك التخلص منه. أنا اعتبر أنه بعد سلسلة من القصص عن فشل قيادته …كبرت الحفرة التي وقع فـيها وأصبحت عميقة جداً لدرجة صعب عليه الخروج منها».
مترجم بتصرف عن صحيفة «ديترويت فري برس»
Leave a Reply