1
في فلسفة النجاة، اليومية والكونية، يؤمن الكثير من البيولوجيين والعسكريين والملاكمين بأن البقاء “للأقوى”. ويؤمن فريق آخر من البيولوجيين والمصلحجيين والنمامين ومساحي الجوخ بأن البقاء “للأصلح”. وثمة نظرية علمية ثالثة في تفسير نجاة الكائنات من الانقراض والزوال تقول بالبقاء “للأجمل”، ولكن هذه النظرية مغفلة ومهملة ومعطلة بشكل يبعث على الارتياب والشك.
والبشر، كباقي خلق الله، مهددون بالزوال والانقراض الكوني، على خلفية صراعات وحروب وعداوات، أو ربما.. بسبب أخطاء تكنولوجية أو نووية. لكن شعوراً لا يمكن مقاومته بأن البشر سيتجاوزون هكذا محن وأزمات، ليس لأنهم “الأصلح” أو “الأقوى” بل لأنهم وعلى الرغم من كل شيء.. الأجمل!
2
والجمال، كقيمة، يستحق التأمل والاحترام والإيمان، مع أننا قد نختلف كثيراً وطويلاً حول ماهية ومعنى هذه “القيمة” أسوة بالفلاسفة الأوائل الذين تصدوا للقيم الرئيسة الثلاث: “الحق والخير والجمال” والذين اختلفوا حول مفهوم “الجمال” لكنهم أجمعوا في النهاية على أن قيمة الجمال تحتوي بذاتها على معاني الحق والخير..
ومن الحق، والخير.. الاعتراف لملكة جمال أميركا، العربية الأميركية ريما فقيه، بأنها في لحظة اعتلاء العرش، كانت ملكة العرب والمسلمين الأميركيين، وهذه مرة نادرة لا يكون فيها القائد أو الملك هو “الأقوى” أو “الأصلح”.. بل الأجمل.
3
ومن الحق.. الاعتراف بأن مثل هذا الكلام قد يثير حفيظة الكثيرين من الأميركيين والعرب على السواء. وأما الأميركيون فمنذ اللحظات الأولى لفوز ريما بالتاج، فقد بدأت وسائل إعلامية ومواقع الكترونية تثير أسئلة خبيثة، وتضخ معلومات وصوراً تريد النيل من صورة الملكة المتوجة، ومن صورة العرب والمسلمين أيضا. وهذا كله يبدو مفهوما (بل ومتوقعا) حين يصدر عن أميركيين متعصبين لا يوفرون مناسبة لبث سمومهم وأحقادهم على العرب والمسلمين.
ولكن.. ليس من الجمال، ولا من الخير (مع أنه قد يكون من الحق) أن يقوم بعض العرب باتخاذ بعض المواقف السلبية المتشنجة التي تتبرأ من ريما فقيه بدعوى أنها لا تمثل العرب والمسلمين بسبب ظهورها بالبيكيني.. الأمر الذي أغضب البعض (منّا) بذريعة تعارض ذلك على تعاليم الإسلام وقيمه الذي يحرم التعري بشكل واضح لا لبس فيه.
4
ولسنا في موقع “الإفتاء” بطبيعة الحال، لكن البداهة تقول، إن ظهور ريما فقيه بلباس “البكيني” لا يسقط عنها إسلامها، وتحدثها باللغة الإنكليزية لا يسقط عنها عروبتها. تماما مثل أي شخص عربي مسلم يشتري بيتاً من البنك، فيدفع أقساطه مضافاً إليها النسب الربوية ، وهذا أمر يحرمه الإسلام، ولكن معظم العرب والمسلمين الأميركيين يقومون به، بمن في ذلك بعض المؤسسات الدينية نفسها التي تقترض من البنوك، وتدفع الفوائد.
أن تصبح ريما فقيه “صوت” و”صورة” العرب والمسلمين كونها أول امرأة عربية ومسلمة تفوز بهذا اللقب، هو أمر يحدث خارج الإرادات الفردية، لأنه استنتاج تلقائي يقفز إلى أذهان الناس، وهو استنتاج صحيح وبديهي، من شأنه أن يغير من الصورة النمطية الشائعة عن العرب والمسلمين في الثقافات والمجتمعات الغربية.
5
ما فعلته ريما فقيه، جميل، من فضلكم، دافعوا عنه!
أو على الأقل:
لا تفسدوا الحفلة!
Leave a Reply