لورنس جوزيف •
في بيتِنا، في ديترويت
في غرفةٍ من ظلال
عندما تقرأ جدتي صحفها العربية
أحاولُ بصعوبة أن أتبعَ مسار الحروف
من اليمين إلى اليسار
ولا أفهم
لماذا تبتسمُ عندما تقرأ عن اليهود
الذين يرفضون العمل في بيـروت
“لأن اللبنانيَّ يهوديٌّ أكثر من اليهود”،
أو أحارُ في تصديقها عندما تُخْبرني
كيف ستشملني المُعجزة
إذا أتممْتُ الصلاة لقلبِ سيّدة لبنان المُقدّسِ.
لبنانُ في كلّ بقعة من بيتِنا:
في المطبخ المُشبَع بأبخرة القُدورِ،
وفخذ الضأْن في الفرن،
في أطباق الكوسا والملفوف المَحشيّ،
في الصحون الـممْلوءة بأصناف الزيتون
والبندورة والبصل،
في الدجاج المشوي والحلويات؛
على طاولةٍ في الغرفة الزجاجية المشمسة،
حيث يعلّمني جَدّي
كيف أمتلك الحظَّ وأخمّن الأرقام
فوق طاولة النردِ.
لبنانُ الجبال والبحر،
أشجار اللوز والصنوبر
لبنان الأرْز في خدمة
سليْمانَ، لبنان
البابليّون والفينيقيون والعرب والترك
لبنان البيزنطيون والناسك
ذو العين الواحدة، مارون المُقدس
الذي تعمّدْتُ على طقسه.
لبنان أمّي
محذّرةً أبي
كي لا يَسمعهما الأولاد
لبنان أخي الذي كان يسمع، ويُخبرني بصمتِه
عن شيء غامضٍ لن أعرفه أبداً؛ لبنان جدّي
الذي أعطاني خِلسةً أوّل ليْرةٍ
وضمّني بيديهِ خلسة،
مُقبّلاً وجهي، وهو يعِدِني بامتلاكِ
العالم كلّه.
حبال أبي الصوتية تنـزفُ؛
من كثرة الصراخ في وجه أخيه، شريكِهِ،
في مخزن البقالة المفلس.
أخبّئُ المال في درجي، أملكُ
الموهبة لأُسمِعَ صوتي.
أُوبَّخُ كي أحافظَ
على يديَّ نظيفتين
من التراب وبقايا الطعام.
في العشاء، يُخبرنا أحدُّ الأقارب
عن ابنة أخيه، التي فجّر الرصاص رأسها
في بيروت أثناء الحرب الأهليّة.
ينهارُ، يبكي، يصرخ مُطالباً:
“أكثر من عينٍ بعين”.
يُذكّرني عمّي بواجبي،
يطلب مني أن أستخدم عقلي،
أن أقايضَ حتى النجاح.
يُدير الخاتم الماسيّ
فوق إصبعه ويسألُني
إنْ كنتُ أعلمُ ما هو داء الأسبَسْت،
“تصير الرئتان قبضةَ كفٍّ”
يُخبرني وهو يرفعُ يدَهُ في الهواء؛
بفخر، يزاول القانون الذي
“يُقايضُ جسداً بحفنة مال”.
خارج البيتِ، أتجاهلُ الإيماءات
عن أنفي أو عن لون جلدي.
“زنجيّ رمليّ”، يُسمّونني،
والاسم يليقُ بي: فأنا
العبدُ ذو البشرة الفاتحة اللون
والعيون السود، والملامح المُلتبسة
– ملامح لا مُبالية، ملامح قاتلة –
زنجيّ شرقيّ،
في مضيق المدينة السيّءِ السمعة
بين بحيرات “إِري” و”سانت كلير” العظمى
حيث أصداء العنف
وزنجيّ رمليٌّ مُبتهج، سيّءُ الطبع، يُلوّحُ بيديه،
لطيف بما يكفي للعبور،
لبنانيٌّ بما يكفي ليُخاصمَ أخاه،
ويتحالفَ مع أخيه ضدّ ابن عمّه
ومع أخيه وابن عمّه
ضدّ الغريب.
لورانس جوزيف (Lawrence Joseph) شاعر وناقد من مواليد ميشيغن في العام 1948، من أصول لبنانية، مُقيم في مدينة نيويورك، وأستاذ في القانون. له مجموعات شعرية عدّة، إضافة إلى عدد من الكتابات النثرية. حائز على عدة جوائز شعرية منها جائزة “غوغِنْهايم” الرفيعة للإبداع الفني.
Leave a Reply