بقلم خليل اسماعيل رمّال
البطريرك الراعي تتفجر مواهبه هذه الأيام. فمن إصراره على خطيئة زيارة العدو الإسرائيلي إلى اقتراحه المريب بالتمديد لميشال سليمان أو الإتيان برئيس توافقي مثل زياد بارود، أمام أشرف ريفي الساعي هذه الأيام لحماية أيتامه «قادة المحاور» في طرابلس في مسرحية تسليمهم ثم إطلاق سراحهم والهدف هو القبض على المناضل علي عيد فقط، أو
دميانوس قطار (قطار شو؟ إنْ شاء الله تعرف ستي تلفظ إسمه!!)، أي قافزاً من فوق العماد
ميشال عون، أقوى مرشَّح مسيحي يملك أكبر كتلة نيابية وحيثية سياسية، رغم زعمه بضرورة إنتخاب رئيس قوي! لكن حسب قول الراعي فهو لا يتدخَّل بالسياسة لأنَّ زيارته المُزمعة إلى القدس المحتلَّة رعوية دينية ولا علاقة لها بالتسييس، فما شأنه هو بإسرائيل على حدِّ قوله؟!
الزيارة الى القدس الشريف، مهما روَّج الراعي لها بأنَّها زيارة دينية رعوية تفقدية للأماكن المقدسة، لا يمكن أنْ تحجب الأبعاد السياسية ولا يمكن إلاَّ أنْ تكون موضع عناية واستغلال واستثمار من قبل سلطات الاحتلال التي ترى في وجوب سلخ المكوِّن المسيحي في فلسطين وبلاد العرب عن صراع المنطقة المركزي هدفاً بدأنا نرى نذره في دعوة المسيحيين في فلسطين الى الخدمة في جيش الإحتلال!
الرجاء بلا مرئعة (كلمة جنوبية) وترجِّي واستعطاف «غبطته» بعدم زيارة «دولة» الإرهاب والقتل التي تفتك بالمسيحيين قبل المسلمين، لأنَّ الأمرين أعلاه سيحصلان فقط إذا بانت نجوم الظهر. وليفعل الراعي ما يريد وليتحمَّل المسؤولية ويورِّط لبنان والطائفة المارونيَّة في متاهات مدمِّرة فتاريخ البطريركيَّة معروف منذ ما قبل اغتصاب فلسطين كما روى لنا الدكتور أسعد أبو خليل. وَإِنْ ننسى فلا ننسى، في حمأة إظهار «وطنية» البطرك السابق صفير على أساس أنه رفض مرافقة البابا إلى القدس المحتلَّة إلاَّ أنَّ رفضه ليس طبعاً بسبب المصلحة الوطنية والعداء للعدو التاريخي لغصَّة الوطن بل خوفاً من ردود الفعل وانعكاساتها على رعيَّته والدليل أنه ساوى بين إسرائيل وسوريا حين رفض أيضاً مرافقة البابا إلى دمشق، مهد المسيحية الأول بعد فلسطين ومسقط رأس الموارنة! قلنا لا ننسى، خصوصاً كيف أنَّ صفير أبَّنَ ورثا أخطر عميل إسرائيلي في الجنوب، عقل هاشم، و«طوَّبه» شهيداً من غير أنْ يرفَّ له جفن. لكن زيارة القدس المحتلَّة أمرٌ أخطر سيقلب ظهر المجن وسيسلِّط القرى على المدن ويضرب كسروان بالمتن. وبدل أن يرافق الراعي، الذي لا يرعوي عن زيارة السفاحين المجرمين الصهاينة، بابا الفاتيكان الى القدس المحتلة عليه أنْ يقنعه بالعدول عن الزيارة والتملُّق وطلب الغفران من اليهود قاتلي السيد المسيح عليه السلام والمدنسين للمقامات المسيحية والإسلامية في القدس الشريف. هذا الزحف وتمسيح الجوخ للكيان الصهيوني هو تشجيع للاحتلال وشرعنة له.
حتى ميشال سليمان حاول إقناع الراعي بالعدول لكن ظلَّتْ السماءُ ملبَّدةً بأخبار عناد الراعي لزيارة الكيان الغاصب المحتل لمرافقة بابا متملِّق على أعتاب اليهود رغم أن الزيارة يعاقب عليها القانون اللبناني غير المعترف بإسرائيل!! لكن مسخ الوطن هو بلد اللاقانون والتسويات ولفلفة السرقات، مثل سرقة السنيورة ١١ مليار دولار على سبيل المثال لا الحصر. فلن يضيره قيام أحدهم بخرق القانون والإجماع!!
وإذا كان بعض العرب يقيمون العلاقات الديبلوماسية مع دولة الإغتصاب سراً وعلانية، فهؤلاء ليسوا إلا ادواة لا يمثلون إلا أنفسهم ولا علاقة لهم بثقافة شعوبهم التي تعيش قضية فلسطين في وجدانهم ونبض الحياة التي تجري في عروقهم، وما كان لشركائهم وأبناء جلدتهم من نصارى المشرق إلا أنْ يكونوا على مثالهم وإلى جانبهم، وكما قال المغفور له البطريرك غريغوريوس حدَّاد المعروف ببطريرك العرب للمبعوث الاجنبي شارل كراين عام ١٩١٩، «نحن النصارى تدعونا عروبتنا لنكون يداً واحدة مع أبناء قومنا ومع الدولة العربية الشريفية التي ارتضيناها وقبلناها».
لكن شتَّان بين حدَّاد والنائب البطريركي العام في فلسطين المحتلَّة. ففي معرض دفاعه عن زيارة راعيه التطبيعية إلى القدس المحتلَّة صاح بولس صيَّاح «إنَّ كنيسة القدس تابعة لرعيَّته، فهل يجوز أنْ يغيب صاحب البيت عن استقبال الحبر الأعظم الذي يزوره في بيته لخلافٍ مع جاره؟».
لاه لاه عيب يأتي بابا الفاتيكان ولا يجد من يستقبله في أرضٍ مغتصبة محروقة ممنوعة من أبنائها!
ثم إذن حسب صدَّاح أفندي فإسرائيل «جار» ونحن في «خلاف» معها فقط على سرقة صحن الفلافل من المطبخ اللبناني ونسبه اليها. المسألة هنا ليست أنَّ صياَّح أراد أن يكحِّلها فعَمَاها أو أنَّ هذه زلَّة لسان، معاذ الله، بل أنَّ كلامه تعبيرٌ عن العقلية التي لا تعتبر الكيان الصهيوني عدواً تاريخياً وحضارياً ودينياً. هي جار والجار قبل الدار. من هنا يستغرب صيَّاح ومعلمه سبب هذه الضجَّة و«التشويش» على الزيارة.
وفيما «مرض الكورونا» السعودي بدأ يضرب لبنان مع عودة سفير العائلة المالكة علي عواض «الأسيري» من دون أنْ يحمل أي جديد وأوامر محدَّدة إلى أتباعه حول انتخاب رئيسٍ جديد رغم تبادل الرسائل التي هي مضيعة للوقت، يتحضَّر الشارع لتظاهرات عارمة دعَتْ اليها «هيئة التنسيق النقابية» بعد أنْ سلَّم جورج عدوان قرار سلسلة الرتب والرواتب بعد «ضرسها» في لجنة إعدام المشاريع في مجلس النوائب، فهل هناك عدوانية أكبر من ذلك بحق المعلِّمين والموظَّفين والمتعاقدين؟! السلسلة دخلت لحمة إلى مجلس المافيات الرديف لوحوش المال والمصارف ورُميتْ عظمة في بلد «النجورة» ومص دماء الفقراء. وفيما تدَّعي الدولة عجزها عن تمويل سلسلة الرتب والرواتب وتحاول التفريق بين العمال والموظفين والفقراء عن طريق زيادة الضرائب على كاهل الشعب بدل المصارف «الدراكولية» والشركات الغولية وإبقاء الأملاك البحرية والنهرية ومصادر الدخل في المرفأ والجمارك بيد المافيات واللصوص المدعومين من الزعماء، في حين أنَّ دولة الفساد تدفع للمحكمة الدولية في لاهاي ٤٩ بالمئة من نفقاتها البالغة ١٢٠ مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى!! والله وحده يعلم متى ينتهي عمل هذه المحكمة، والى متى يدفع اللبنانيون نفقات ٤٣٠ وظيفة محشورة في ملف فارغ مسيّس! بل أكثر من ذلك، احترقت الأحراج خلف بعبدا حتى كادت أنْ تصل إلى القصر الجمهوري ما اضطَّر معها إلى إخلاء بعض المساكن وقد عمل الجيش والدفاع المدني على محاصرة الحرائق وبذلوا جهودا جبارة بوسائل بدائية منها المعاول والرفوش ومستوعبات الماء، وربما الأكثر بدائية تلك الطوافة اليتيمة التي يتدلى منها صهريج متواضع تذهب مياهه رذاذاً قبل أنْ يلامس الحريق. في حين أنَّ لدى لبنان طوَّافات «سيكورسكي» المتخصصة في إطفاء الحرائق قدَّمتها الحكومة الإيطالية مجاناً مرفقة بعقد صيانة انتهى مفعوله عام ٢٠١٢. ويمكن لطوافات «سيكورسكي» أنْ تُغرِق الأماكن المشتعلة بالمياه وهي قريبة من البحر. الا ان هذه الطوافات بقيت نائمة ومن غير استعمال لان تجديد عقد صيانتها يتطلب ٣٠٠ ألف دولار تعجز دولة لبنان عن سداده!
في آٓخر عهده يحاول ميشال سليمان إطفاء نيران عديدة لكنه سقط في امتحان التمديد كما هوى غيره من الرؤساء الذين تآمروا على سوريا كساركوزي وحمد وغيرهما من الذين حدَّدوا مواقيت سقوط حكم الرئيس بشار الأسد فبقي وسيبقى صامداً بينما هم فرط عقدهم. خطيئة سليمان أنَّه صدَّق التنبؤات ونكَرَ جميل سوريا بل نأى بنفس لبنان عن… نفسه، لأنَّ سوريا نفس لبنان والعكس صحيح. عبرة لمن اعتبر!
Leave a Reply