وكأنها أمر دُبّر بليل، زيارة حاكمة ميشيغن غريتشن ويتمر إلى إسرائيل التي بدأت الأحد الماضي، بدون سابق إعلان، وبدون إطلاع المسوؤلين الرسميين في إدارتها، أو حتى استشارة الأعضاء الذين عيّنتهم بنفسها في «لجنة الشؤون الأميركية الشرق أوسطية».
لقد فاجأت الزيارة الجميع، ما عدا منظمة «جويش فديريشن» (الاتحاد اليهودي) في منطقة مترو ديترويت التي أخذت على عاتقها «واجب» استضافة الحاكمة في رحلتها إلى الدولة العبرية!.
من حق العرب الأميركيين في ولاية ميشيغن أن يشعروا –في أقل الأحوال– بالاستياء الشديد من الخطوة التي أقدمت عليها حاكمتهم التي دعموا حملتها الانتخابية، ومنحوها أصواتهم، على أمل أن تمثّل الحاكمة الديمقراطية جميع الشرائح والإثنيات بشكل متكافئ في الولاية. كما أن من حقهم، أن يشعروا بالغضب والمرارة من توقيت الزيارة التي تزامنت مع استمرار إسرائيل في قمع الفلسطينيين في العديد من المناطق الفلسطينية، بالضفة الغربية وقطاع غزة. لقد أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية، خلال الأسبوع المنصرم، عن مقتل وأصابة عشرات الأبرياء العزّل، بينهم نساء وأطفال، ولا نعرف بعد، ماذا إذا كانت ويتمر قد علمت خلال زيارتها المشؤومة لدولة الاحتلال بأن الأطباء استأصلوا إحدى عيني الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة نتيجة إصابته بطلق ناري على يد جندي إسرائيلي، الثلاثاء الماضي، أثناء تغطيته احتجاجاً ضد السياسات الإسرائيلية في مدينة الخليل، ولا نعرف ماذا سيكون موقفها إذا ما علمت بأن عمارنة نقل إلى مشفى «هداسا» في القدس، لعدم توفر علاج له في المشافي الفلسطينية!
بأية خبرة ستعود غريتشن إلى لانسنغ، وما هي الخبرات الاستثنائية التي عاد بها أسلافها من حكّام الولاية من تل أبيب؟ وهل ساهمت قط في تحفيز العجلة الاقتصادية في ميشيغن؟
إن البيان الصحفي الذي أصدره مكتب الحاكمية، الخميس الماضي، لامتصاص الغضب العربي الأميركي من زيارتها إلى دولة الاحتلال، لا ينطلي على أحد، بل إنه يفتقر إلى المنطق والمصداقية والشفافية مع الناخبين.
لقد قالت الناطقة باسم حاكمة ميشيغن، تيفاني براون، إن حكام ميشيغن لديهم تقاليد عريقة بالسفر إلى إسرائيل لتعزيز العلاقة التجارية والالتقاء بالقادة الحكوميين «لمناقشة كيفية إنشاء شراكة تمكننا من جذب المزيد من الأعمال والوظائف في ولايتنا».
وليس من الصعب اكتشاف أن تصريحاً كهذا، ما هو إلا كلام أجوف، ومحاولة هزيلة لذرّ الرماد في العيون، فظروف رحلة ويتمر تفضح هذا الادعاء المبتذل، خاصة عندما نعلم أن الحاكمة الديمقراطية اصطحبت معها قائد شرطة ولاية ميشيغن جوزيف غاسبر!
ربما، فات براون تبرير الأسباب التي دفعت ويتمر لذلك، فأية خبرة سيعود بها قائد شرطة الولاية من أجهزة الأمن الإسرائيلية، ذات التاريخ المخزي والطويل في قمع الفلسطينيين وتنميطهم العرقي واستخدام القوة المفرطة ضدهم؟
يعلم الميشيغندريون، وفي طليعتهم العرب الأميركيون، الأسباب الحقيقية لسفر ويتمر إلى إسرائيل، ويدركون تماماً أن زيارتها تندرج ضمن دعمها للدولة العبرية، وهذا الدعم ليس جديداً ولا مفاجئاً، لاسيما وأن الحاكمة الديمقراطية كانت قد أعربت خلال حملتها الانتخابية –العام الماضي– عن دعمها لإسرائيل، إضافة إلى دعم التشريع المتعلق بمكافحة «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس)، وهو الذي أثار استياء واسعاً في أوساط العرب الأميركيين.
حينها، حاولت ويتمر التملص من مواقفها، وقامت بالتزلف للعرب الأميركيين لامتصاص نقمتهم وامتعاضهم عشية الانتخابات. وفي محاولة منها للإمساك بالعصا من المنتصف، وعدت الفعاليات العربية والإسلامية حينها بأنها ستحرص على استمزاج آرائهم في المسائل المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لكن الحاكمة الديمقراطية نكثت بوعودها عند أول منعطف، وها هي تزور الدولة العبرية دون استشارة العرب والمسلمين الأميركيين، أو حتى إعلامهم بنية الزيارة!
دعم إسرائيل، هو كلمة السر في هذه الزيارة المفاجئة، وإلا كيف ترحّب الدولة العبرية باستضافة الحاكمة الديمقراطية، في الوقت الذي تعاني فيه تل أبيب من استعصاء حكومي بعد فشل بنيامين نتنياهو، ومنافسه بيني غانتس، في تشكيل الحكومة، بشكل ينذر بإعادة الانتخابات النيابية في دولة الاحتلال للمرة الثالثة في أقل من سنة.
وإذا كانت إسرائيل تحرص على استضافة المسؤولين الأميركيين من منطلق العلاقات التاريخية بين البلدين، فلماذا عارضت إذن، زيارة النائبة في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب وحرمتها من الدخول إلى موطن أجدادها، أم أن إسرائيل لا تستقبل سوى أصدقائها المخلصين؟
من حق العرب الأميركيين في ولاية ميشيغن أن «يأخذوا على خاطرهم» من تجاهل ويتمر لمجتمعهم وفعالياته ومؤسساته وأعماله التي ساهمت بشكل ملموس في نهضة ميشيغن وازدهار اقتصادها، على مر العقود. ومن حقهم –أيضاً– أن يشعروا بالخذلان من الحاكمة التي ضربت بعرض الحائط مشاعر عشرات الآلاف من المهاجرين الذين غادروا أوطانهم الأم بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على قراهم ومدنهم، خاصة في فلسطين ولبنان.
من حقهم أن يشعروا بالظلم والحيف من تصرفات ويتمر التي لم تأخذ بالحسبان حساسية الصراع العربي الفلسطيني في نفوس وقلوب مئات الآلاف من العرب والمسلمين في ولاية ميشيغن، المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال الاستيطاني وسياسات الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان البلاد الأصليين، منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
لقد دعم العرب الأميركيون –أفراداً ومؤسسات– حملة ويتمر لمنصب الحاكمية، بعد خروج المرشح العربي عبدول السيد من الانتخابات التمهيدية، وقد كافأت الحاكمة الديمقراطية ناخبيها العرب في منطقة مترو ديترويت، وقامت بتعيين العديد من كوادرهم وكفاءاتهم في مناصب حكومية وقضائية مرموقة، عكست رسوخ دورهم في المشهد السياسي والحكومي في ميشيغن.
والعرب الأميركيون إذ يشكرون ويتمر على تلك التعيينات الهامة، إلا أنهم لن يتعاملوا معها مطلقاً وكأنها بمثابة رشوة لغض الطرف عن المواقف والقرارات التي تستهدف مصالحهم ومشاعرهم، مهما كانت النتائج.
لقد شعر العرب والمسلمون الأميركيون بالإهانة وبأن كرامتهم قد مُست، وأصدروا بياناً صحفياً موحداً، صباح الخميس الماضي، للتعبير عن استيائهم من زيارة الحاكمة لدولة الاحتلال (تفاصيل: ص2و3)، كما شككوا بجدوى الزيارة وأهدافها المزعومة، لكنهم تركوا الباب موارباً أمام ويتمر لإصلاح ذات البين مع ناخبيها العرب والمسلمين، فهل تفهم ويتمر الرسالة؟
«صدى الوطن»
Leave a Reply