في رحلته مع الحياة، شق الرئيس الراحل فيصل بن شملان رحمه الله، طريقا أوصله ووضعه بفخر واعتزاز في سجل زعماء الإنسانية العظماء، ليصبح بسيرته الخالدة قبلة للشرفاء، ومثلا أعلى للمناضلين وقدوة للأجيال المتتبعة آثار النجوم البشرية المضيئة بمبادئها وقيمها وأخلاقها سماء الأوطان، المغطاة بظلمة السواد الموحش لأنظمة الجهل والفساد.
من رحم واقعنا اليمني المحروق على يد المرتزقة والمنافقين الراكعين لمن تاجروا بالوطن والشعب، من أجل بقاء مصالحهم وتكاثر مطامعهم، خرج بن شملان كمارد عملاق ليقف بثبات المؤمنين أمام تلك المجاميع، متحديا “جيش الفساد” بشخصيته الفريدة المطرزة بنظافة اليد وعفة اللسان، والمتوجة بأداء الأمانة والجهر بكلمة الحق بصوت عال، قهر به الحاكم ومن معه وسجل به إنتصارا واضحا وقويا، وصل مسامع الفاسدين مخترقا العازل الموضوع من قبلهم يوم أن وضعوا أصابعهم في أذانهم، لعلهم يمنعون طنين الحق وصدى كلمات بن شملان التي رددتها أفواه الجماهير وأودية وسهول وجبال وطننا الغالي.
عهدا بن شملان أيها الرئيس الشرعي لنا، يا من اخترناك ورضينا بك منذ ترشحك في 2006، وصممنا على منحك لقب الرئيس رغم النتائج المزورة، عهدا نقوله لك برؤوس مرفوعة منحتها بكبريائك الشموخ، وقلوب مخلصة زرعت فيها بقوتك الشجاعة، وألسنة صادقة استقت حروفها من بحر كلماتك الصادقة، عهدا أننا على دربك سائرون وعلى خطاك ماضون مهما كانت العراقيل وبلغت التضحيات.
نكتب ونتحدث عن روحك الطاهرة بعقل وحب وعاطفة، لعلنا نمنحك قدراً يسيراً من حقك كقائد للشرفاء ونبراسا للأمناء، وفارسا يمنيا حمل لواء التغيير وطاف به في الوطن بأكمله، غارسا بذور الخير والحياة الكريمة في كل قرية ومديرية ومحافظة، ومثيرا الرعب والفجيعة في النفوس الجشعة المنتشرة ببشاعة وقبح في جسد وطننا وترابه الطاهر.
نم قرير العين رئيسنا العظيم وامنح روحك الفرحة والسرور، فأبناء اليمن رفعوا الأيادي داعين لك بالرحمة والمغفرة، ولأمر إلهي لا نعلمه تخلفت السلطة وحاكمها فلم نسمع تعزية أو تعظيم أجر لتصعد روحك الطاهرة بنقاء إلى السماء وصفاء إلى رب العباد.
عبر وعظات حفرها بن شملان في ذاكرتي الشعب والتاريخ..
– منذ أن بدأ العمل الحكومي حتى لحظات سنينه الأخيرة، عاش مهندس التغيير، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، متقيدا ومتمسكا بالأسس والمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية، فكانت نزاهته وأمانته وإخلاصه عناوين بارزة دخل بها قلوب اليمنيين والشرفاء والأحرار في العالم.
– شهد له أبناء الجنوب قادة وشعبا، بأنه قبل الوحدة كان مثالا للشخصية الوطنية النبيلة التي وضعت الوطن والشعب فوق كل المسميات، وشهد بذلك أيضا بعد الوحدة أبناء اليمن الواحد، خاصة من عرفه عن قرب أثناء عضويته في مجلس النواب وتوليه وزارة النفط وترشحه كرئيس من المعارضة وعضويته في ملتقى التشاور الوطني.
– قدم الراحل درسا خالدا أثبت به أنه لم يفكر طوال حياته في أي مصلحة شخصية وأن الوطن والقانون فوق كل المسميات، يوم أن قدم استقالته من مجلس النواب اعتراضا على التمديد غير الدستوري أو القانوني لفترة المجلس مقدسا بذلك دستور البلاد ومحترما إرادة الناخب وكان العضو الوحيد المستقيل من مجمل أعضاء المجلس البالغ عددهم 301 عضوا.
– سطر الرئيس بن شملان، حدثا صاغه بأحرف من ذهب عندما قدم استقالته من وزارة النفط، لأنه كوزير يومها لم تسمح له قيمه ومبادئه بالسكوت على الفساد والنهب الحادث في الوزارة، رغم محاولاته العديدة لإصلاح الوضع، وقام بإعادة السيارة التي صرفت له كوزير ووضعها في حوش الوزارة براءة لذمته ولو من ريال واحد من أموال الشعب.
– قدم نفسه كمنافس قوي وحقيقي لعلي عبدالله صالح في إنتخابات 2006، فكان بذلك أول شخص يهز عرش السلطة وأول مرشح يكسر ويتجاوز الخط الأحمر، “دار الرئاسة”، وكان أيضا بتاريخه المشرق يؤسس لمواصفات الرئيس الواجب تقلده قيادة البلاد، إذ أننا لن نقبل مرشحا أو رئيسا لا تتطابق مؤهلاته ويقترب تاريخه من بن شملان.
– أدار حملته الإنتخابية بترفع الشرفاء وعزة الكرماء، حيث تجاهل بأخلاق الفارس الأصيل سفاهات السلطة وتهمها الوضيعة، وركز على برنامجه ومتطلبات وطنه وطرق تحقيق الحياة الكريمة لأبناء شعبه.
– بادل ناخبيه الذين بلغوا مليونين وأربعمائة ألف ناخب (حسب الإحصاء الرسمي) الوفاء، عندما رفض تهنئة على عبدالله صالح بالفوز,، لأنه رأى في تلك التهنئة نقضا للعهد مع الجماهير التي منحته الثقة وإقرارا بالتزوير، فكان محقا في ذلك لأن الأموال والتزوير وموقف الخارج كانت عوامل وصول منافسه للسلطة وليست إرادة الناخب، فكان بذلك الموقف يؤسس طريق التصميم لكل مرشح يأتي بعده على منح الشعب وحده الحق في اختيار من يحكمه.
– عمل على تصحيح مسار مشاعر وهتاف ودعم الجماهير، يوم أن هتفت بقوة: “بالروح بالدم نفديك يا شملان”، فاعترض على ذلك ومنع الناس من الهتاف بإسم أحد قائلا لهم أن الهتاف الحقيقي هو: “بالروح بالدم نفديك يا يمن”، ليكون ذلك التصحيح رفيقه طوال حملته الإنتخابية وسيكون شعارا لكل مرشح وحاكم في مستقبل اليمن الآتي.
– ظل الرئيس بن شملان خلال توليه العديد من المناصب متمسكا بمظهره الحقيقي كإنسان يمني تحكمه الأصالة والفضيلة، وبرزت تلك المعاني الرجولية لرجل مؤمن أثناء حملته الإنتخابية، إذ خرج إلى الجماهير كما هو في واقعه وحقيقته، فيما أمثاله من المسؤولين ومنافسه في 2006، يصرفون من أموال الشعب ملايين الدولارات في عمليات شد الوجوه وصبغ الشعر الأبيض بالسواد وإجراء جراحات تجميلية طمعا في الظهور بمظهر الشباب!
– حرص أثناء حملته الإنتخابية على أن يكون سكنه بجانب المساجد ليؤدي حق الله أولا لأنه آمن أن العبد الذي لا يؤدي حق الله فلن يؤدي حق الناس إن تولى أمرهم.
– كما قال كل من كتب ورثى الرئيس الراحل فيصل بن شملان، فإنه عاش قابضا على المبادئ كالقابض على الجمر وهو توصيف ارتقى به لمصاف الإيمان النقي في أعلى مراتبه فكان بذلك المنهاج يحاول التقيد بقوله تعالى “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” صدق الله العظيم.
السقوط الكبير
ليس من الغريب أن تمتنع السلطة عن بث خبر وفاة الراحل في الإعلام الرسمي وإرسال تعزية لأهله وأبناء شعبه، فقد تكون حكمة المولى عز وجل سببا في ذلك، ولكن الغريب أن يحجم قادة الجنوب (خاصة من في الخارج) عن القيام بواجب ديني وأخلاقي تعارف عليه حتى الأعداء، كما يقال. وهنا بالذات سأسمح لنفسي بتقديم كلمات الشكر والعرفان إلى الرئيس علي ناصر محمد على موقفه النبيل وكلماته التي قالها في بن شملان وفرج بن غانم، راجين ومتعشمين أن يتعلم الآخرين منه طريقة وأسلوب تكريم شرفاء اليمن ورجالها المخلصين على مر التاريخ.
Leave a Reply