محمد العزير
يكشف الديوان الأول للشاعرة العربية الأميركية سارة رعد «آهتي… صرختي… زئيري؛ كيف وجدت صوتي»، بالإنكليزية، النقاب عن جانب من أكثر المحرمات المسكوت عنها في الجالية وهي آفة اضطهاد المرأة وتعنيفها وإساءة معاملتها والتي لا تلقى اهتماماً ملحوظاً، بل تقابل معظم الأحيان، خصوصاً من قبل المؤسسات الدينية، بمحاولة تبريرها وكتمانها تحت مسمى الحفاظ على العائلة والحرص على السمعة وتجنب تدخل «الغرباء» (أي الشرطة والقضاء). فيما يتمتع الرجل بامتياز الامتناع عن الطلاق الديني ليجعل معاناة المرأة مضاعفة.
لا تتناول سارة رعد في مجموعتها الشعرية التي تسميها «مجموعة النضج»، كتجربة شعرية أدبية بل تطرح المسألة بعموميتها ومن منطلق شخصي واجتماعي، فتخصص الصفحات الأولى للحديث عن العنف الاسري وتشجع قريناتها على السعي للتخلص من دوامة العنف والإهانة، قبل أن تحكي ببساطة وسلاسة وبلغة مباشرة قصة دخولها ثم نجاتها من زواج مختل اختارته بنفسها وتحول إلى كابوس من التعنيف والتنمر والمعاناة، بعدما كانت كفتاة، تعيش حياة سعيدة في كنف أسرتها المحبة. تقول في مقدمتها «كنت موضع اهتمام أحبائي منذ نفسي الأول في هذا العالم… لأقع لاحقاً في أحضان من كان قادراً على قطع نَفَسي الأخير».
تعرف سارة عن نفسها في مستهل المجموعة بأنها «ناجية… نجت من العنف وهي تتعافى بعد ست سنوات من العنف والتعسف الجسدي والذهني والعاطفي والجنسي والمالي». في الجزء الأول من الديوان بعنوان «آهتي»، تبدأ:
مرحبا، يسعدني اللقاء بك. ما اسمك؟
«الحب» ماذا عنك؟
«خيانة»
بداية كل شيء.
القصيدة الثانية بعنوان «صباح الخير»:
المشي على البيض أرحم من المشي حولك
زجاج محطم تخرج النار من حروفه
مرمي مع قليل من الويسكي الداكن وخليط من التعسف
هكذا دائماً كنت تأتيني
تزحف مثل حنش مستعد لفريسته غير المنتبهة كفأرة تمضي يومها.
من قصيدة أخرى:
كان مسموحاً لي أن أرى من خلال عيونك فقط
لم يكن لي خيار تحرير نفسي
حدقاتك تحوم فوقي مثل خسوف
كرهت دائماً الكلمات الصادرة من شفتيك المعنفتين
مجدداً، تراجعت وعضضت لساني، مجدداً
أنت انتصرت..
وفي وصفها لمواجهة غضبه تقول:
«تهدئة غضبه كأني أضع يدي في ماء يغلي وأتوقع أن لا أحترق.
لكن شعور الحرق كان خامداً كما كانت ضربته الأخيرة مخدرة».
في هذا الفصل تواصل سارة سرد حكايتها تأخذنا في رحلة عمرها الطري عبر الخوف، الإدمان، إلى السؤال عن سبب التعنيف، إلى التساؤل عن قدرة شريكها على أن يكون بوجهين، إلى صلاتها وهي تتلقى العنف الجسدي، إلى محاولته استرضاءها بباقة ورد، إلى تمييزها بين الحب والتملك، إلى شعورها بالضياع، إلى تغيرها من النقاء إلى التسمم، إلى انعدام قدرتها على الكلام، إلى طرح الأسئلة ولوم نفسها على ما آلت إليه، إلى حديثها مع مرآتها… وصولاً إلى اليوم الذي قررت فيه تركه والانفصال: «أنت ترحلين لتحافظي على حياتك».
في الجزء الثاني، «الصرخة»، تتناول سارة المرحلة الأولى بعد تركها لزوجها العنيف وبداية البحث عن الذات:
أنا هنا لأقول ما أريد
أنا هنا لأضيع وقتك
استمعي إلى الحقيقة
التي لا تريدين سماعها…
هكذا بدأت حوارها مع نفسها لتقتنع أنها أصبحت حرة (في مأوى للنساء المعنفات).
نهاية الحرب:
ظهرت مدججة بالسلاح
مستعدة للمعركة
استسلمت
في اللحظة التي نظرت إلى خصمها
نفسها.
في هذا الفصل حوار مع الذات… تخلص من الماضي يسبق الاكتئاب والقلق، قبل التعود على الافتراق والتخلي والصبر إلى مكافحة الشعور بالذنب إلى التفاؤل بالأفضل.
في الجزء الأخير، «الزئير»، تبدأ سارة بتدوين امتلاكها لقلب كبير:
مسحت الدموع عن وجوه الناس
الذين لم يفكروا بمسح دموعي
ضحيت بوقتي وطاقتي
لأناس لم يعطوني
دقيقة من وقتهم
ساعدت الناس الذين
تعودوا على إطاحتي
كان الأمر محبطاً لكني تعلمت
الدروس القيمة منه…
تشارك سارة قراءها في الفصل الأخير، استنتاجها من تجربتها بكل ما فيها، في مناجاة تتوزع بين الموقف ورد الفعل لتخلص إلى أن على المرأة أن تضع نفسها أولاً، أن لا تخاف من بدايات جديدة، أن تعبر عن نفسها وأن يكون لها صوت، أن تحتفل بحياتها، أن لا تخجل من العودة إلى المكان الأليف الذي كانت فيه وأن تكون قابلة للتغير. تختتم سارة حكايتها معلنة: «أفضل نغمة عندي عندما قلت لك وداعاً آخر مرة. الآن أنا منسجمة مع نفسي».
وفي لفتة ذات مغزى تهدي سارة كتابها إلى كل اللواتي لا يزلن يبحثن عن اصواتهن وتضع تحت الإهداء مباشرة رقم الهاتف الساخن الوطني للعنف الأسري 1.800.799.7233
ورقم الهاتف الساخن الوطني لمكافحة الانتحار 1.800.273.8255
Leave a Reply