تقديم الامن على السياسة فشل بعد ان لوّح به سعد الحريري
التفاؤل بتشكيل الحكومة اللبنانية مرتبط بحل عقد المر والمالية والاتصالات
ومع كل ذلك فان رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة المكلف ومعهما قيادات سياسية، لم يدخلوا في مرحلة التشاؤم من امكانية عدم التوصل الى حلول للعقد التي ترافق عادة توزيع الحقائب الوزارية، والصراعات حول من سيتولى الحقائب السيادية او يحصل على الحقائب الخدماتية.
فالتفاؤل ما زال يطغى على التأليف بعد التكليف، ويستند اصحابه الى الدعم العربي والدولي الذي حظي به اتفاق الدوحة، بعد توقيع الاطراف اللبنانيين عليه والزامهم بتنفيذه، حيث تواكب قطر عبر اميرها الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني والمسؤولين فيها وعلى رأسهم الشيخ حمد بن جاسم، تطبيق البند الثاني من الاتفاق، وهو تشكيل الحكومة التي من دون التوصل الى حل لها، يكون لبنان قد عاد الى المربع الاول الذي كان فيه عند بدء الازمة في نهاية عام 2006، عندما تحركت المعارضة وطالبت بالمشاركة في الحكم من خلال حكومة وحدة وطنية لها فيها الثلث الضامن، في ظل رئيس الجمهورية كان موجوداً وهو الرئيس اميل لحود، لكن الموالاة لم تكن تقبل ان تعطي المعارضة مطلبها الذي حصلت عليه في اتفاق الدوحة، بعد التطورات العسكرية والميدانية التي حصلت على الارض، وقلبت الموازين، واعادت التوازن الداخلي.
ويخشى المراقبون ان يكون الفريق الحاكم قد امن انتخاب رئيس للجمهورية، وابقى على الازمة الحكومية، بعد ان اعاد تكليف السنيورة بتشكيل الحكومة، ريثما تحصل تطورات ما في المنطقة، لا تكون لصالح المعارضة، وهو رهان قائم عند بعض اطراف قوى 41 شباط، من احتمال توجيه ضربة عسكرية لايران تعيد خلط الاوراق، وتفقد المعارضة حليفاِ اقليمياً كبيراً، مما يعيد الامور الى عشية مرحلة انتخابات العام 2005.
وتسعى الادارة الاميركية عبر حلفائها من اللبنانيين وبعض الدول العربية التي تدور في فلكها الى استئخار تشكيل الحكومة، وعدم الالتزام باتفاق الدوحة الذي لم تكن راضية عنه كثيراً، لانها اعتبرته بمثابة انتصار ليس للمعارضة اللبنانية فقط، بل ايضاً لسوريا وايران واعادهما الى القرار اللبناني، وقد لامت واشنطن قوى السلطة لانها استعجلت القبول باتفاق الدوحة، كما لم تكن راضية عن زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على رأس وفد فرنسي كبير، الى لبنان للتهنئة بانتخاب العماد سليمان وتقديم الدعم له ولاتفاق الدوحة الذي اعتبره ساركوزي متوازناً وانتصاراً للحوار على العنف، وهو ما دفعه الى الاتصال بالرئيس السوري بشار الاسد لشكره على الدعم الذي قدمته سوريا في الوصول الى هذا الاتفاق، وانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية،
حيث فتح هذا الاستحقاق الباب لعودة العلاقات الفرنسية- السورية، وتوجيه دعوة للرئيس السوري لحضور اجتماع القمة للاتحاد المتوسطي في باريس في 13 تموز (يوليو) القادم، والمشاركة في احتفالات ذكرى الثورة الفرنسية، وهو ما اغاظ الولايات المتحدة من هذ الانفتاح الفرنسي السريع، الذي كان عليه ان ينتظر مزيداً من التغيير في السلوك السوري، كما ترك ايضاً قلقاً لدى الفريق الحاكم في لبنان من هذا التطور الايجابي بين البلدين، وفك العزلة عن النظام السوري، الذي اثبت انه رقم صعب الاختزال في المعادلة العربية والاقليمية، وان تأثيره قوي في ملفات المنطقة، لا سيما منها في المسائل اللبنانية والفلسطينية والعراقية.
ولقد شكلت زيارة ساركوزي حدثاً، اولاً لاهمية الوفد الذي اصطحبه وضم كل الاحزاب السياسية الفرنسية اضافة الى عدد كبير من الوزراء وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وثانياً لان الرئيس الفرنسي اعلن عن انه على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، بعد ان كان سلفه الرئيس جاك شيراك قد شخصّن العلاقة مع لبنان عبر الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وجاء ساركوزي ليزيل تلك المرحلة من العلاقات، في فتح حوار مع كل الاطراف السياسية بما فيها «حزب الله».
اما الهدف الثالث من زيارة ساركوزي، فله علاقة بالجهود التي بذلتها فرنسا من اجل الوصول الى حل للازمة اللبنانية، ويعتبر الرئيس الفرنسي ان بلاده شريكة في اتفاق الدوحة الذي ولد من رحم المبادرة الفرنسية، التي حملها وزير الخارجية برنار كوشنير، ومن الخلاصات التي انتهى اليها الحوار بين الموالاة والمعارضة في «سان كلو» صيف 2007، وقد اعتبرت الدبلوماسية الفرنسية انها انتجت بطريقة او بالاخرى هذا الاتفاق، حيث لم تنقطع الاتصالات الفرنسية-القطرية، وقد قام امير قطر بدور بعيد عن الاضواء في تأمين غطاء دولي للاتفاق، وفي ربط شبكة التواصل الفرنسية-السورية، التي لعبت دوراً في هذا الاتفاق الذي ستوضع كل بنوده موضع التنفيذ، وان لبنان ستكون له حكومة وفق ما اكد الرئيس الفرنسي الذي اكد ان الكرة الان هي في ملعب اللبنانيين، ولا يمكن تحميل اطراف خارجية مسؤولية عدم التوصل الى اتفاق حول تشكيل الحكومة.
وتبدو المناورات في تأليف الحكومة محصورة، في الحقائب، ويتم التركيز على توزيع الحقائب السيادية، حيث تبرز العقدة في توزير الياس المر واسناد حقيبة الدفاع له، بعد ان تم الاتفاق على ان تكون وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية الذي عليه ان يأتي بشخص محايد اليها، لا ان يكون طرفاً للاشراف على الانتخابات النيابية عام 2009، فتم استبعاد المر عنها، لان المعارضة تعتبره طرفاً وبات في صفوف 41 شباط بعد ان كان محسوباً على الرئيس اميل لحود، فانقلب عليه مع الوزيرين شارل رزق وطارق متري، واحدثوا خللاً في تركيبة حكومة السنيورة الحالية، لجهة الثلث الضامن، وان رفض المر في الداخلية، قابله ايضاً من بعض اطراف في المعارضة عدم القبول به في الدفاع، وان كان الرئيس سليمان يتمسك به، حيث يخشى المعارضون ان يكرر تجربة ما فعله مع الرئيس لحود، وهو ما يفسر تمسك الاكثرية به وزيراً للدفاع مجاهرة، واحتسابه من حصة رئيس الجمهورية بدلاً من ان تحتسبه من حصتها.
وفي هذا الاطار تدور الازمة، حول تسمية الياس المر الذي لا ترتاح اليه المعارضة، وتتهمه بانه هو من كان وراء تسريب المعلومات حول شبكة الاتصالات لـ«حزب الله»، والكاميرا التي قيل انها تراقب المدرج 17 في مطار بيروت.
وقد جرى التداول بعدة صيغ لحل هذه العقدة، باخراج المر من التوزير، او اعطائه منصب نائب رئيس الحكومة، على ان تسند وزارة الدفاع للواء عصام ابو جمرا ممثلاً «التيار الوطني الحر»، لكن هذه الصيغة رفضت من قبل السنيورة الذي خرج بمعادلة توزع الحقائب على اساس الثلث، فتنال الموالاة 12 حقيبة زائداً 4 حقائب وزراء دولة، وتحصل المعارضة على 8 حقائب زائداً 3 حقائب وزراء دولة، ورئيس الجمهورية على حقيبتين زائداً حقيبة وزير دولة، فتكون الحكومة مؤلفة من 22 حقيبة وزارية و8 حقائب وزراء دولة، على ان تكون حصة الموالاة الحقائب الاتية: المالية، الاتصالات، العدل، التربية، الطاقة والمياه، السياحة، البيئة ، الرياضة والشباب، المهجرين، الاعلام، الثقافة، وزارة التنمية الادارية مع 4 وزراء دولة وتحصل المعارضة على حقائب الخارجية، العمل، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الاشغال، الزراعة، الصناعة، الاقتصاد، مع 3 وزراء دولة، وتكون حصة رئيس الجمهورية الداخلية والدفاع مع وزير دولة.
وقدم السنيورة هذه الصيغة الى رئيس الجمهورية وعرضها على الرئيس نبيه بري، لكنها اصطدمت بانها لم تلحظ حقيبة سيادية لكتلة الاصلاح والتغيير التي تطالب بوزارة المال او الدفاع.
ولم يعترض السنيورة ان تكون حقيبة المال من حصة المعارضة، اي ان يأخذها عون من حصة «امل» و«حزب الله»، على ان يتخليا عن وزارة الخارجية التي يطلبها بري، او يتم المقايضة فيها بوزارة اخرى، لكن رئيس مجلس النواب، رفض التنازل عن حصته في حقيبة سيادية، كما اكد ان المعارضة لن تشترك بحكومة لا يكون عون ممثلاً فيها، لان ثمة من يلعب لعبة احراجه لاخراجه كما حصل اثناء تشكيل الحكومة الحالية، وقد تنبه رئيس «التيار الوطني الحر» لها، واكد انه متشبث في موقفه ومطالبه، وعلى الرئيس السنيورة ان يستجيب للمطالب او يعتذر، وهو من سيخرج وليس كتلته، وقد توقف موالون امام كلام عون ، لجهة تشدده بمطالبه، وان القصد منه الدفع بالرئيس المكلف لتشكيل الحكومة للاعتذار، وتكليف شخص اخر، وبذلك يحقق عون وحلفاؤه ومعهم سوريا، غايتهم وهو اخراج السنيورة من السراي، وهم لم يسموه لرئاسة الحكومة.
وفي الحسابات الرقمية، فان المعارضة تعتبر ان السنيورة في رئاسة الحكومة ليس توافقياً، بل هو طرفاً، وهو يحتسب كوزير اول يضاف اليه وزير مع حقيبة سيادية، فيمكنهما تشكيل توازن في الحقائب السيادية مع المعارضة.
وتتركز المحاولات من قبل الفريق الحاكم على اضعاف عون، وعدم اعطائه حقائب سيادية او خدماتية، لاظهاره امام انصاره اولاً، انه لم يحقق مكاسب وبالتالي فهم سينفكون عنه الى موقع اخر في الشارع المسيحي سيمثله رئيس الجمهورية الذي سيرث عون شعبياً وسياسياً. كما يرسم له «خارطة الطريق» النائب ميشال المر الذي يخوض معركة الغاء ضد عون وتياره السياسي، ليأتي الى الانتخابات النيابية، وممسك بأوراق السلطة من خلال حقيبتي الداخلية والدفاع اضافة الى المواقع التي سيحتلها مع الرئيس سليمان داخل الادارة.
و«عقدة المر» هي الابرز في تشكيل الحكومة، لكن ثمة عقد اخرى ظهرت ومنها تمسك قوى الموالاة بحقائب خدماتية اساسية منها الاتصالات التي يصر «حزب الله» عليها ولا يتراجع عن طلبه، ويعتبرها وزارة موارد اساسية لخزينة الدولة من الهاتف الثابت والجوال، ولن يقبل الحزب كما اطراف سياسية اخرى منها في الموالاة والمعارضة بيع هذين القطاعين على حساب الاموال العامة، ولا بدّ من المواجهة للحفاظ على حقوق اللبنانيين، الذين خبروا كيف نهبت اموالهم لصالح شركتين وبالتالي رفض خصخصة الهاتف، ووقف الصفقات في وزارة الاتصالات، كما ان «حزب الله» ينظر اليها كوزارة سيادية، لها علاقة بالأمن الوطني، كما بأمن المقاومة، بعد ان كشفت التقارير عن تطوير اجهزة التنصت من قبل وزارة الاتصالات ومراقبة خطوط الهاتف.
وكما يخوض عون معركة حصوله على حقيبة سيادية، فان المعركة الاشرس ستكون على وزارة الاتصالات، والتي توازيها ايضاً وزارة العدل، لجهة استقلالية القضاء، بعد انفضاح امر تحيزه الى جانب السلطة واستخدامه من قبلها في موضوع احتجاز الضباط الاربعة الموقوفين تعسفياً، في قضية اغتيال الرئيس الحريري، حيث لم تكشف تقارير لجنة التحقيق الدولية تورطهم في الجريمة، واوصت بإطلاق سراحهم، الا ان بعض القضاة يرفضون ذلك، كما يقول محامو الضباط، ويعتبرون ان موكليهم ينطبق عليهم صفة الموقوفين السياسيين.
فالمعارك على الحقائب على اشدها، وقد تستدعي تدخلاَ قطرياً بعد مناشدة الرئيس بري راعي اتفاق الدوحة امير قطر، ان يعود للمساعدة في تنفيذ البند الثاني من الاتفاق، الذي ما زال صامداً، الا اذا طرأت تطورات داخلية واخرى عربية واقليمية ودولية، واسقطته ومنعت تطبيقه، حيث يقف المراقبون السياسيون والدبلوماسيون بقلق امام الاشتباكات المتنقلة بين الموالاة والمعارضة، والظهور المسلح للطرفين، وتقدم الملف الامني على السياسي، حيث علق سعد الحريري اتصالاته بشأن تشكيل الحكومة بالوضع الامني، لكنه عاد وسحب موقفه، بعد ان تم ابلاغه من قبل المعارضة انه لا يمكن ان يحصل ما خسره بالأمن بإفتعال احداث امنية جديدة ، وان الحل السياسي هو من ينقذ الامن وهذا ما اكده الرئيس سليمان منبهاً من خطورة عدم تطبيق اتفاق الدوحة.
Leave a Reply