خلال يومين، أصبح الطالب السوداني أحمد محمد (14 عاماً) نجماً معروفاً فـي الولايات المتحدة، وربما فـي العالم، بعد تلقيه دعوات من الرئيس الأميركي باراك أوباما لزيارة البيت الأبيض، ومؤسس «فـيسبوك» مارك زوكربرغ للانضمام إلى موقع التواصل الاجتماعي الشهير، إضافة إلى دعوة من «وكالة الفضاء الأميركية» (ناسا) لعرض الساعة التي أصبحت «موضوع الساعة» لدى الكثير من وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، بعد أن تسببت باعتقال الطالب والتحقيق معه.
الدعوات التي تلقاها أحمد، برمزيتها السياسية والاجتماعية والعلمية، تعكس ردود أفعال من أعلى المستويات، على قرار مدرسي يبدو فـي ظاهره مجرد قرار غبي، أو سوء فهم، أو موقف مبالغ فـيه. ولكن موقف المدرسة التي يرتادها أحمد هو فـي الحقيقة أكبر وأخطر مما يبدو فـي ظاهره، وهذا ما يبرر ردود الأفعال المتعاطفة والداعمة للطالب السوداني الأصل.
إنه موقف ضد ثقافة «الإسلاموفوبيا» التي تنتشر فـي المجتمع الأميركي انتشار النار فـي الهشيم، ليس فقط لدى الناس العاديين أو المتعصبين، ولكن فـي فضاء يعتبر من أخطر الفضاءات الاجتماعية والعلمية، ونعني «الفضاء التعليمي» فـي المدارس والجامعات.
ففـي حادثة أخرى، منفصلة، لم تلقَ نصيبا كافـيا من التغطية الإعلامية، دعا قس أميركي فـي ولاية جورجيا تلاميذ إحدى المدارس فـي مدينة ويندر إلى عدم بذل جهودهم فـي مادة التاريخ المدرجة فـي المنهاج التعليمي، وشجعهم على الرسوب عمداً بالحصول على علامة «أف»، كنوع من الاعتراض على مواضيع المادة التي تدرّس جانباً من التاريخ الإسلامي.
وبالعودة إلى مدرسة «إيرفنغ» بتكساس، فإن المتابع لأحداث القصة يُصاب بالصدمة والذهول جراء بعض التفاصيل، فمن غير المفهوم أن يشعر أساتذة المدرسة بالخوف من تلميذ يقدم مشروعاً مدرسياً، معتقدين أنه أحضر إلى الصف قنبلة لتفجير المكان بمن فـيه، فقاموا على أثر ذلك باستدعاء الشرطة التي قامت باعتقال الطالب والتحقيق معه دون توجيه أية تهمة له.
واللافت أن الشرطة حضرت الى المدرسة بدون صحبة خبراء المتفجرات أو رجال الإطفاء، ورغم ذلك اقتادت أحمد من بين زملائه مكبل اليدين، وقاموا بمصادرة اختراعه (القنبلة المزعومة) وأخذوه معهم إلى دائرة الشرطة!
ما من شك أن تفاصيل الحادثة تنطوي على خلفـيات عنصرية واضحة، فإسم الطالب وسحنته وعقيدته الدينية، كانوا وراء الأسباب الحقيقية للاشتباه به ومعاملته كإرهابي محتمل. لكن فـي المقابل وصلت قضية أحمد إلى عشرات آلاف الأميركيين الذين أعلنوا عن تضامنهم مع الطالب المتفوق، مطلقين تعليقات ووسوم (هاشتاغ) على مواقع التواصل الاجتماع، من أبرزها وسم انتشر على موقع «تويتر» عنوانه: «أنا أقف إلى جانب أحمد».
بكل الأحوال، قصة أحمد محمد ليست حادثة معزولة عن سياق ثقافة التعصب والتمييز ضد المسلمين فـي الولايات المتحدة التي تتكرر فصولها بشكل دوري متصاعد منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، كما أن النهاية السعيدة لقصته هي بدورها غير معزولة عن سياق الإنجازات التي يحققها العرب والمسلمون الأميركيون الذين يثبتون أنهم جزء من الشعب الأميركي يلتزمون بواجباتهم الوطنية، ويتطلعون إلى نيل حقوقهم المدنية والدستورية بدون منة من أحد.
ومن اللطيف، أن أحمد ورغم يفاعة سنه، لم يصب بالإحباط والإنكسار نتيجة ما حدث، وهو يضع نصب عينيه إنجاز مشروعه الجديد، وهو تصنيع «ساعة ذرية»، وهي نوع من الساعات يعطي توقيتاً دقيقاً للغاية.
«ساعة ذرية»؟ من غير المستغرب فـي هذه الأوقات التي تشهد تصاعد أمواج العنصرية الهيستيري، أن يتصل أحد معلمي المدرسة بالشرطة ليبلغ عن طالب يحضر إلى الصف «قنبلة ذرية»!
Leave a Reply