قال تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية الشهر الماضي ، واستند إلى نتائج استطلاع أُجرِيَ العام 2007، أنّ ثلثي الشباب اليهود في إسرائيل يعتقدون «أنّ العرب أقلّ ذكاء» و«أنهم فظّون وعنيفون» وأنّ 74٪ من الإسرائيليين يعتقدون أنّ العرب «غير نظيفين» ونصف الإسرائيليين «لا يقبلون العيش في بناء فيه عربيّ» ولا يسمحوا «لعربي بدخول منزلهم» أو «لأبنهم أن يلتقي بعربي». وأشار التقرير إلى أنّ «العرب غالباً ما يتعرّضون للسخرية والمهانة في المطارات الإسرائيلية». طبعاً هذا ليس مفاجئاً لأي عربيّ لأنّ العديد من كبار المسؤولين الإسرائيليين أشاروا إلى العرب «كأفاعٍ وكسرطان وكنمل يجب سحقه» كما أنّ مسؤولين في إسرائيل قالوا «أنّ أفضل طريقة للنظر إلى العرب هي من خلال عدسة بندقية M15 أو الـ M16»، كما ان المدارس الدينية الإسرائيلية تعلّم تلامذتها من الأطفال أناشيداً يهتفون فيها اقتلوا العرب! ولكنّ المهمّ في الموضوع هنا هو أنّ هذه العنصريّة الإسرائيلية المتجذّرة ضدّ العرب، النابعة من تعاليم الإيديولوجية الصهيونيّة التي تكثّف اعتقاد اليهودي بتفوّقه على الشعوب الأخرى وخاصة العرب، باتت تشكّل اليوم مصدراً هاماً يستقي منها الغرب أفكاره وصوره عن الإسلام والعرب. فبعد كلّ الحصار والإذلال والإجرام والعقوبات الجماعيّة التي تمارسها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة والتي لا يتناولها الإعلام «الحرّ» كمعاناة بشر إلاّ فيما ندر، بعد كلّ هذا يقف توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق في جلسة للجنة الخارجية والحرب في الكنيست ليقول: «أتفهّم الشكوك الإسرائيلية في إدارة المفاوضات بعد الانسحاب من قطاع غزّة، فبدل السلام حصلتم على كابوس، لهذا لا يمكن التوقّع بأنكم تتصرفوا بالطريقة نفسها في الضفّة الغربيّة». هل يمكن لأحد أن يتخيّل مبعوث الرباعيّة، الذي من المفترض أنّه يبحث عن حلول للصراع العربي الإسرائيلي، أن يعتبر الوضع المشين من حصار وتجويع وقتل يومي في غزّة للفلسطينيين على يد الإسرائيليين كابوساً للجلادين الإسرائيليين وليس للضحايا الفلسطينيين!! إنّه التحضّر الغربي في ذروة ازدواجيته. المفارقة هي أنّ إسرائيل في اليوم ذاته الذي كان بلير يتحدّث عن معاناة الإسرائيليين من كابوس غزّة قد قتلت، كعادتها يومياً، ستّة شبّان فلسطينيين، وهؤلاء كغيرهم من الفلسطينيين «مشتبه» بمقاومتهم لاحتلال إسرائيل لوطنهم فلسطين التي قدّمها أسلاف بلير هديّة لليهود على حساب معاناة الملايين من العرب من وضعهم لاجئين خارج وطنهم ومطاردين داخله. وبما أنّ الوثيقة أصبحت بديلاً عن الواقع فلم تعد تهتم إسرائيل بالجرائم الاستعماريّة التي ترتكبها ضدّ الفلسطينيين، فتطلق الصواريخ يومياً لتقتل بـ «حريّة» الشباب والأطفال العرب، طالما أنّ أحداً مثل بلير، لا يصف المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزّة إلاّ «بالكابوس» لإسرائيل! يكمن هذا التصريح في الموقف العنصري الذي ينظر للأمور بعين متحيّزة تبرّر للإسرائيلي إرهابه للمدنيين العرب وتدين الآخرين لمقاومتهم إرهابها؟ إنّ الإعلام الغربي له «حريّة» أن يتحدّث عمّن يقومون بالأعمال الإرهابيّة كمسلمين متطرّفين، بينما لا يمكن أن يتحدّث عن العرب الواقعين تحت الاحتلال كضحايا للإرهاب. أصبح العربيّ والمسلم اليوم في التصنيف الغربيّ هو من يقوم بعمل إرهابي حصراً، ومن الممنوع ذكر اسمه أو تصويره إذا كان هو ضحيّة إرهاب خاصة إذا كان مصدره إسرائيلي!ليس المهم اليوم، إعلاميّاً أو سياسيّاً، ما يجري على أرض الواقع بل المهم هو ما يصوّره الإعلام «الحر» على أنّه يجري على ارض الواقع. ولذلك تنفق الدوائر الإسرائيلية الجهد والتمويل الكبيرين لحجب حقائق ما يجري في فلسطين من جرائم واستبدالها بمفاهيم مضلّلة تروّجها. وعلى النهج نفسه حرصت المخابرات الأميركية على إتلاف أشرطة فيديو تصوّر تعذيب جلاديها «للمشتبه بهم» من العرب في غوانتنامو، وبالطبع هذا ما يجري في سجونهم السريّة والعلنيّة في العراق وفلسطين وغيرها. واستخدام التعذيب ضدّ «المشتبه بهم» من العرب هو أحد نتائج أحداث الحادي عشر من أيلول حين قررت الديمقراطيات الغربيّة استخدام أساليب التعذيب المتطوّرة لديها عند «الاشتباه»، وأصدرت التشريعات اللازمة لذلك، وخصصت الأقبية اللازمة لذلك، وقامت بتمويل وتدريب الجلادين من الشركات الخاصة. ورغم الضجّة المفتعلة حول إتلاف هذه الأشرطة، فإنّ حقيقة الأمر هي أنّ الغرب الديمقراطي المتحضر اليوم، وهو المتواطئ حتى النخاع مع المشروع الصهيوني لاستيطان فلسطين، والاستيلاء على أرض العرب، ونهب ثرواتهم، وتحطيمهم كأمّة حرّة، هذا الغرب هو الذي يضع العرب المسلمين في قفص «الاشتباه» ليبرّر قيام جلاديه بإنزال أشدّ صنوف التعذيب وحشية بالأسرى العرب، ومن ثمّ يخفي أو يتلف الوثائق والأدلّة التي تدينه. وبالمقابل فإنّ الإعلام العربيّ، الذي يقوم بدور المتلقي لمنتجات الإعلام الغربيّ، يستمر بنقلها كما هي إلى الجمهور العربيّ فيتحوّل شهداء العرب إلى أرقام يُقتَل منهم كلّ يوم ستة في فلسطين، وعشرة في الصومال، وثلاثين في العراق. وللمقارنة بين ما يحدث للعرب وما يحدث لغيرهم من ضجة إعلامية وسياسية، لنقارن الأسير العربي سامي الحاج، مصوّر قناة الجزيرة، الذي اعتقلته القوات الأميركية في أفغانستان قبل سنين، كل لحظة منها وهو في سجنه المقيت في غوانتانامو تُعدُّ قروناً، وبين أيّ غربيّ يُحتجز أو يُختطف أو يُسجن في بلد عربيّ أو مسلم ولو لأيام، فقد كان العمل الوحيد لمطلّقة الرئيس الفرنسي ساركوزي هو أنّها أطلقت سراح الممرضات البلغاريات المتهمات والمدانات بقتل المئات من الأطفال العرب بالإيدز، كما سافر الرئيس ساركوزي نفسه إلى التشاد لإطلاق سراح فرنسيين وأسبان متهمين بالخطف بهدف الاتجار بأطفال عرب مسلمين في التشاد، وحين اعتُقِلَت المدرّسة البريطانية جيليان غيبونز في السودان بتهمة، مهما كانت، قامت قيامة الإعلام الغربي، وتبعه العربي، حتى صدر عفو رئاسي عنها خلال أيام، وأخذت الجرائد البريطانية تتحدّث عن «تسعة أيام من العذاب» رغم أنّ أحداً لم يتعرّض للمدرّسة غيبونز بالإهانة أو الأذى، في حين لم تتطرق هذه الجرائد نفسها «للعذاب» الذي يعاني منه عشرات الآلاف من المعتقلين العرب في غوانتامو والنقب وأبو غريب وغيرها العشرات من سجون التعذيب الأميركية والبريطانية والإسرائيلية! والسؤال هو لماذا لا يفعل المسؤولون العرب ما فعله ساركوزي ببذل كلّ شيء لإنقاذ حياة وكرامة المواطن العربي حين يُسجن في غياهب التعذيب الغربيّة حتى دون أن توجّه له أي تهمة؟! ولماذا نقرأ على شريط قناة «الجزيرة» كل يوم الدعوة للتضامن مع الصحفي العربي سامي الحاج، دون أن يقوم الصحفيّون العرب ونقاباتهم وجرائدهم وقنواتهم كلها بالتضامن، وهو البريء، من أجل إطلاق سراحه، مثلاً برفض إجراء لقاء مع أي مسؤول أميركي أو أوروبي أو نشر أي تصريح رسمي أميركي إلاّ بعد إطلاق سراح سامي الحاج؟! فهو وفق كل الأعراف بريء، ومحتجز بفعل عمل إجرامي تقوم به مخابرات دولة بفعل سطوتها وحسب! وهو محتجز دون وجه حق، وله زوجة وأولاد وأهل ينتظرونه! تماماً كما للسيدة غيبونز أهل يحرصون عليها في بريطانيا. ولكن كي تصبح كرامة العربي مساوية لكرامة الإنسان في الغرب لا بدّ لنا من أن نتبع آليات العمل الناجحة التي توصّلوا إليها. ففي الوقت الذي تجري كافة الاستفتاءات في العالم عن العرب كمجموعة واحدة من البشر تجمعهم مقومات الأمّة من دين وثقافة وتاريخ مشترك فشل زعماء العرب إلى حدّ اليوم بتوحيد كلمتهم حول القضايا الأساسية التي من الممكن أن يتّفقوا عليها جميعاً حتى وإن كانت قليلة اليوم. فما أن تظهر نقطة خلاف بينهم حتى ينسوا آلاف نقاط اللقاء المشتركة التي تجمعهم. ليس عليهم سوى النظر إلى تجربة الإتحاد الأوروبي الذي فشل قادته في التوصّل إلى دستور، ولكن لم يتبعثر صفّهم في كل اتجاه بل اجتمعوا مرة أخرى وناقشوا طوال أشهر وأيام، وليس بينهم لغة واحدة تجمعهم، بل من خلال المترجمين، لعدد من اللغات يساوي عددهم ليتوصّلوا أخيراً إلى ما يعيد لمّ شملهم فسمّوها «معاهدة ليشبونة» لتحلّ محلّ مشروع الدستور ولم تخرب البصرة، بل ازداد الجميع قوّة وحصلوا، حال التوقيع على ما يجمعهم، على مكانة أفضل على الساحة الدوليّة.إن الاستهتار بحقوق العرب، وبدم أطفالهم، وكرامة نبيّهم، هو نتيجة فرقة السياسيين والإعلاميين العرب وتشرذمهم. وإلا لما بقي أسير بريء مثل سامي الحاج كلّ هذه السنين المظلمة في غياهب سجن غوانتانامو الرهيب الموبوء بالتعذيب والإهانة والجريمة، الذي لا يقلّ عاراً عن المعسكرات الهتلرية أو الستالينية. إنّ الكرامة الوطنيّة هي نتاج عوامل عدّة على العرب أن يعوها، ويبدأوا باستكمالها، حرصاً على حاضرهم ومستقبل أجيالهم. إنّ الغربيين يرون كرامتهم كأشخاص، وكأمم، وكحكام، وكإعلاميين من كرامة أي مواطن غربي ظالماً كان أم مظلوماً، يقع في أسر أمّة أخرى، وخاصة العرب. فمتى سيرى إعلاميّونا وسياسيّونا كرامتهم الشخصيّة من كرامة أي مواطن عربي آخر يقع أسيراً وهو بريء في براثن الشموليّة الغربيّة الجديدة التي كشّرت عن أنياب وحشيتها المعهودة مرة أخرى، فنشرت الحرب، وأنهار الدماء، والخراب، والتعذيب في ديارنا. متى سيعمل العرب على إطلاق سراح الصحفيين العرب أمثال سامي الحاج وغيره من أسرى العرب الذين طال ظلم الغرب الواقع عليهم؟!www.bouthainashaaban.com
Leave a Reply