غاينزفيل
«لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن». يُقال هذا المثل الشعبي فيمن تتغير أمامه الأولويات، وتختلط لديه الحسابات، فيحسب أن شهرة الشام ببلحها، وشهرة اليمن بعنبه. وهذا ما ينطبق تماماً على الرئيس السابق لـ«جامعة ميشيغن» سانتا أونو الذي حسب أن الإذعان للوبي الإسرائيلي في قمع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين والتخلي عن برامج التنوع والمساواة والشمول إرضاء للرئيس دونالد ترامب، سيقدّم له رئاسة «جامعة فلوريدا» على طبق من ذهب، قبل أن يتفاجأ –مطلع الشهر الجاري– بقرار مجلس أمناء الجامعة المحافظة برفض تعيينه بسبب «تاريخه الليبرالي».
وكان أونو، البالغ من العمر 62 عاماً، قد أعلن في أيار (مايو) الماضي عن اعتزامه مغادرة آناربر لتولي رئاسة «جامعة فلوريدا» بمدينة غاينزفيل، عقب ظهور خلافات بينه وبين مجلس أمناء «جامعة ميشيغن» حول كيفية مواجهة قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بإلغاء برامج التنوع والمساواة والشمول.
ورغم أن أونو قُدّم لمجلس أمناء «جامعة فلوريدا» بصفته المرشح الوحيد والنهائي لرئاسة الجامعة، صوّت المجلس مؤخراً بنتيجة 10–6 ضد قرار تعيينه، عقب حملة معارضة واسعة استمرت شهراً كاملاً –بقيادة سياسيين وناشطين محافظين– رفضاً لتاريخ أونو الحافل بالسياسات الليبرالية والتقدمية «المعشّشة في آناربر»، وفق تعبير معارضيه، فضلاً عن اتهامه بالتساهل مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل و«المعادية للسامية» في «جامعة ميشيغن» عقب اندلاع حرب غزة.
وفي جلسة التصويت، انتقد عضو مجلس «جامعة فلوريدا»، آلان ليفين، وآخرون، تلكؤ أونو في فضّ مخيم طلابي مناهض لإسرائيل في حرم «جامعة ميشيغن»، مما سمح باستمراره لمدة شهر كامل قبل استدعاء شرطة الجامعة لإزالته بالقوة، مما أثر سلباً على شعبية أونو في جامعة آناربر المعروفة تاريخياً بوصفها عريناً للقيم التقدمية والليبرالية، فضلاً عن ضمها لأعداد كبيرة من الطلاب العرب والمسلمين.
وبين اتهامه بقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في ميشيغن، واتهامه بالتساهل مع «معاداة السامية» في فلوريدا، يمكن القول إن أونو «لم يطل برتقال ميشيغن، ولا كرز فلوريدا»، حيث سارع مجلس أمناء «جامعة ميشيغن» إلى تعيين دومينيكو غراسو رئيساً مؤقتاً للجامعة خلفاً له، بأثر فوري، في 15 مايو الماضي. فيما شكل قرار مجلس أمناء «جامعة فلوريدا»، باستبعاد أونو صدمة مفاجئة للأكاديمي الكندي الأميركي ذي الأصول اليابانية، الذي ظنّ نفسه مرشحاً محسوماً لرئاسة الجامعة المحافظة في الولاية الجمهورية الموالية لترامب، سيما أنه رفض ضمّ «جامعة ميشيغن» إلى تحالف أكاديمي أنشأته جامعات أخرى في محاولة للتصدي لسياسات الإدارة الجمهورية، مفضّلاً –بدلاً من ذلك– عدم التصادم مع الحكومة الفدرالية.
غير أن ذلك، لم يشفع لأونو، الذي تعرض لانتقادات شديدة اللهجة من أنصار ترامب، بمن فيهم السناتور الأميركي ريك سكوت، ودونالد ترامب الابن، والنائب في الكونغرس الأميركي بايرون دونالدز، المرشح الأوفر حظاً في سباق حاكمية الولاية العام المقبل.
وفي نهاية المطاف، وبعد رفضه في غاينزفيل، يجد أونو نفسه اليوم، عاطلاً عن العمل بعد شهر من إعلانه في مايو الماضي، عن استعداده لمغادرة منصبه في ميشيغن والانتقال إلى فلوريدا هذا الصيف.
وعلى الرغم من أن أونو لم يذكر موعداً محدداً للاستقالة، إلا أن إشارته إلى «الصيف» تعني أنه لم يلتزم بعقده مع «جامعة ميشيغن» الذي يتطلب إشعارها بالاستقالة قبل ستة أشهر من موعدها، وهو ما أفقده –قانونياً– حق الاحتفاظ بعضويته في هيئة التدريس بالجامعة، وفقاً لما نقلت صحيفة «ديترويت فري برس» عن مسؤولَين اثنين في الجامعة طلبا عدم الكشف عن هويتهما. كما أن عقد أونو المقترح مع «جامعة فلوريدا» كان ينصّ على توليه لمنصبه الجديد في الرابع من حزيران (يونيو) الجاري، لولا رفضه من قبل مجلس أمناء الجامعة.
وقد جاء قرار أونو بالرحيل عن «ميشيغن» بعد ستة أشهر فقط، من تجديد عقده مع الجامعة لمدة سبع سنوات إضافية قابلة للتمديد، علماً بأنه تولى رئاسة الجامعة عام 2022. وكان مجلس الأمناء قد أبدى رغبة شديدة بإبقاء أونو في منصبه، لدرجة أنه رفع راتبه إلى 1.3 مليون دولار سنوياً، بزيادة قدرها 33 بالمئة عن عقده الأوّل، مما جعله واحداً من أعلى الأكاديميين أجراً في الولايات المتحدة. ولكن ذلك لم يمنع أونو من اتخاذ قرار الانتقال إلى فلوريدا عقب ظهور خلافات بينه وبين أعضاء مجلس الجامعة بشأن مواجهة سياسات ترامب.
Leave a Reply