طارق عبد الواحد – «صدى الوطن»
يجمع الكثير من المراقبين حول العالم على أن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 هي الأكثر خطورة في تاريخ الولايات المتحدة، بعدما بات واضحاً أن نتائجها لن تُحسم بالطرق المعتادة ولا في الأوقات المحددة، لدرجة تمكننا من وصف المشهد السياسي الأميركي، بأنه «فيلم أميركي طويل»، عن حق وحقيق، هذه المرة.
انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وما يستتبعها من نُذُر الفوضى والاضطرابات وعدم اليقين، نتيجة إصرار الرئيس دونالد ترامب على عدم التسليم بالنتائج المعلنة، وضعت الإقبال غير المسبوق على أقلام الاقتراع، تحت يافطة تعميق الانقسام الاجتماعي والثقافي والعرقي في الولايات المتحدة، بدلاً من أن يكون مؤشراً إيجابياً على الوعي السياسي والانخراط الجماهيري الواسع في العملية السياسية.
وكغيره من المجتمعات الأميركية، لم يكن المجتمع العربي في منطقة ديترويت الكبرى بمنأى عن التجاذبات السياسية التي تعصف بالحياة السياسية الأميركية في الآونة الأخيرة، حيث أقبل الناخبون العرب بأرقام قياسية على اختيار مرشحهم الرئاسي، رغم استفحال وباء كورونا في المناطق التي يعيشون فيها.
ولكن مع إغلاق صناديق الاقتراع، وإعلان النتائج الأولية بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، إلا أن الجدل ما يزال ساخناً في أوساط العرب الأميركيين حول نزاهة العملية الانتخابية وأُطر تداول السلطة في بلد يعتبر الأعرق ديمقراطياً في العالم.
الدكتور سام فواز أعرب عن إيمانه العميق بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 خالطها الكثير من المخالفات القانونية، منوهاً بأن إصرار الديمقراطيين على تجاهل تلك الحقيقة، سيلحق الضرر بجميع الأميركيين، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، وسوف يدفعهم إلى فقدان الثقة في انتخاباتهم المستقبلية.
وأفاد فواز لـ«صدى الوطن» بأن إعادة عدّ الأصوات في الولايات المتأرجحة، مثل جورجيا وبنسلفانيا وميشيغن، ستتيح الفرصة للكشف عن أنشطة الغشّ والتزوير في مراكز الاقتراع، وقال: «إن الانتخابات عموماً لديها تاريخ حافل من المخالفات والتجاوزات، والانتخابات الرئاسية الأخيرة ليست استثناءً، خاصة مع الأرقام الكبيرة للتصويت عبر البريد»، مؤكداً أن الأغلبية الناخبة في الولايات آنفة الذكر، قررت إعادة انتخاب الرئيس، على عكس النتائج المعلنة.
فواز الذي يعتبر من الناشطين المؤيدين للرئيس ترامب، تساءل باستغراب: «كيف يمكن للمرشح الديمقراطي أن يفوز في تلك الولايات، لو لم تكن فيها عمليات تزوير واسعة النطاق؟».
ووصف حماسته للانتخابات الأخيرة بأنها «منقطعة النظير»، وقال: «ببساطة، لم أكن في حياتي متحمساً للانتخابات، كما كنت خلال الانتخابات الأخيرة، لأن ترامب ليس مجرد شخص أصوّت له، بل لأنه رئيس يقود التغيير الحقيقي في الولايات المتحدة».
وأضاف: «لقد تعبنا من السياسيين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يطلقون الوعود ولا يوفون بها، أوباما وبوش وغيرهما من الرؤساء السابقين، لم ينجحوا بإحداث أي تغيير إيجابي يذكر في بلدنا، وانتهى المطاف بهم جميعاً إلى نفس النتيجة». واسترسل فواز قائلاً: «أما ترامب فهو قائد مختلف، لقد أخذنا إلى منطقة مختلفة تماماً.. إنه رئيس وطني كافح من أجل البلد، ومن أجل أن تعود أميركا بلداً عظيماً، كما كانت».
ونفى فواز أن يكون مؤيداً «متعصباً» لترامب، وقال: «خلال العشرين عاماً الماضية، كنت أصوّت للمرشحين الديمقراطيين، وكان ترامب أول مرشح جمهوري أؤيد وصوله إلى سدة الرئاسة، وقد أثبتت السنوات الأربع الماضية، بأنني كنت على حق».
واستبعد فواز أن يقوم أنصار ترامب بإثارة القلاقل والمشاكل في حال أفضت النتائج النهائية إلى خسارة الرئيس، مؤكداً بأن «مثيري الشغب والفوضى هم من الجانب الآخر»، في إشارة إلى أنصار المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وأكد بأن الرئيس ترامب يحترم الدستور الأميركي، وأنه لن يمانع نقل السلطة إلى المرشح الديمقراطي، إذا أقرت المحكمة العليا بنزاهة الانتخابات، وفوز بايدن في السباق الرئاسي.
وفي نفس السياق، أعرب الناشط ميلاد زعرب عن شكوكه بأن الانتخابات لم تخلُ من بعض الانتهاكات والتجاوزات، لكنه أبدى تحفّظه على وصفها بـ«المزورة»، وقال: «هناك شيء مريب في الانتخابات، ولن أقول إنه حصل فيها تزوير، إلا إذا أثبتت التحقيقات ذلك».
زعرب، الذي وصف نفسه بـ«المحافظ»، و«المؤيد للحزب الجمهوري»، أبدى استغرابه من تغير نتائج الانتخابات لصالح المرشح الديمقراطي «بين ليلة وضحاها»، وقال: «لقد حدثت أشياء غريبة، خلال وقت قصير، ظهر في ميشيغن أكثر من مئة ألف صوت مؤيد لبايدن»، مشيراً إلى أنه رغم علاقاته الاجتماعية الواسعة مع مختلف الأوساط والشرائح، «لم يرَ أحداً مؤيداً للمرشح الديمقراطي، فمن أين نبعت كل تلك الأصوات فجأة».
وأشار إلى أنه كـ«أميركي محافظ»، سيأخذ النتائج النهائية على محمل الجد، وبدون نقاش، مهما كانت هوية الرئيس القادم. وقال: «سأؤيد الرئيس المنتخب، وسنعمل معه، من أجل مصلحة بلدنا».
واستبعد زعرب، العضو في «اللجنة الرئاسية الاستشارية للرئيس دونالد ترامب»، أن يقود فوز بايدن إلى أعمال شغب وعنف في الولايات المتحدة، وقال: «كله حكي بحكي، هذا البلد هو بلد المؤسسات والديمقراطية، وترامب أول من يعرف ذلك، ولن يمانع تسليم السلطة».
من جانبه، أفاد رجل الأعمال علي جواد بأن معظم الجمهوريين المعتدلين دعموا المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لافتاً إلى أن الرئيس المنتخب جو بايدن هو الشخص الأنسب لقيادة أميركا، والأقدر على إنقاذ البلاد من الانقسام الخطير الذي عاشته خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف في حديث لـ«صدى الوطن»، بأن بدايات الانقسام في المجتمع الأميركي بدأت مع انتخاب باراك أوباما، كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، مما خلق تطرفاً في أوساط الجمهوريين، تمظهر عبر «تيار الشاي» ضمن الحزب الجمهوري، مضيفاً بأن انتخاب ترامب عام 2016 خلق تطرفاً موازياً في أوساط الديمقراطيين.
وأبدى جواد ثقته بأن بايدن الذي يمتلك خبرة سياسية تقارب نصف قرن، هو الأقدر على إعادة توحيد البلاد وإرجاعها إلى الوسطية، معرباً عن ثقته بنتائج الانتخابات وبأن الأميركيين هم من اختاروا بايدن لرئاسة بلدهم، وقال: «يجب على جميع الأميركيين الالتفاف حول الرئيس المنتخب، وهذا ما يحصل بالفعل، حتى من قبل الكثير من السناتورات وحكام الولايات الجمهوريين».
وأقر جواد بحق ترامب في إعادة عدّ الأصوات في الولايات المتأرجحة، وقال: «من حق كل مرشح استعمال الطرق الديمقراطية، لا مشكلة في ذلك على الإطلاق، وهذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها أحد المرشحين الرئاسيين بإعادة فرز النتائج».
وعزا جواد، نجاح بايدن في الانتخابات الرئاسية إلى دعم الكثير من الجمهوريين المعتدلين لمرشح الحزب الأزرق، مستدركاً بأن ترامب خلق مزاجاً سياسياً جديداً في الولايات المتحدة، مما ساهم في استقطاب شرائح جديدة من الناخبين. وقال: «استطاع ترامب استقطاب أعداد كبيرة من الناس الذين كانوا لا يهتمون –عادة– بالانتخابات، مما ساهم بشكل أو بآخر بفوز منافسه، لأن الكثير من الجمهوريين المعتدلين كانوا خلف الكواليس يؤيدون منافسه، للتخلص منه».
واستبعد جواد أن تشهد البلاد موجات من العنف والفوضى الخارجة عن السيطرة، وقال: «المؤسسات عريقة وقوية هنا، ولن تنزلق بلدنا إلى مخاطر تهدد أمنها ومستقبلها».
بدوره، يرى المحامي عبد حمود بأن ترامب لن يسلّم بخسارته للانتخابات بسهولة، مرجحاً أن يساهم ذلك بتداعيات لن تقتصر فقط على الانتخابات الحالية، وإنما ستدفع الناخبين إلى فقدان الثقة بالديمقراطية الأميركية، في المستقبل.
وأشار إلى أن التأخير في إعلان النتائج النهائية للانتخابات سيؤثر بشكل أساسي على الولايات المتحدة، من الناحية الأمنية، وسيعرقل الإجراءات الرامية إلى القضاء على وباء كورونا، واصفاً ما يحصل في أميركا بأنه «معيب».
التأثير على المستوى الأمني لا يتضمن الشغب والفوضى داخل أميركا كما يظن البعض، بحسب حمود الذي حذر من أن الآثار السلبية للانقسام الحالي ستلحق بالأمن القومي الأميركي، وعلاقات الولايات المتحدة مع بلدان العالم الأخرى.
وعن الآثار المحتملة على السياسات الرامية لتطويق تداعيات وباء كورونا، فإن الأمور تسير نحو الأسوأ في هذه المرحلة التي وضع فيها ترامب سياساته «في الثلاجة»، فيما لا يستطيع بايدن فعل أي شي، وفق تعبير حمود.
وأكد مساعد الادعاء العام الفدرالي السابق عدم وجود أدلة ذات مصداقية على تزوير الانتخابات، واصفاً ادعاءات ترامب بأنها «مزاعم بلا قرائن»، مرجحاً من خبرته القانونية الطويلة بأن تنقلب الأمور رأساً على عقب إن وصلت المسألة إلى المحكمة العليا. وقال: «من المستحيل أن يتم تزوير الانتخابات بهذه الأعداد الكبيرة التي يتحدث عنها الرئيس، لا أحد مستعد للمخاطرة بالتزوير بهكذا أرقام .. هنالك بعض الولايات الجمهورية تقليدياً، ولكنها صوتت للديمقراطيين، مثل ولايتي جورجيا وأريزونا، ولكن ترامب لا يريد الاعتراف بذلك».
واعتبر حمود أن ترامب يحاول «كسب الوقت، عسى ولعل أن تتغير الأمور لصالحه»، لافتاً إلى أن الانقسام الموجود في المجتمع الأميركي أمر طبيعي، خاصة في هذا الوقت الذي تعاني فيه بلدان العالم جمعاء من انقسامات داخلية، وحساسيات متزايدة بين مكوناتها الاجتماعية والثقافية.
Leave a Reply