دمشق – دخلت “الثورة” السورية الأسبوع الماضي شهرها السابع مع استمرار تساقط القتلى من المدنيين والعسكريين في مناطق متفرقة من البلاد، وسط استمرار الانقسام في البلاد وفي العالم حول حقيقة الأحداث الجارية هناك. فمن جهته، يتمسك الغرب برواية تفيد بأن النظام السوري يقوم بإبادة المتظاهرين السلميين، في حين تؤكد الرواية السورية وجود عصابات مسلحة تستغل المطالب المشروعة للشارع السوري لزرع الفوضى واستقدام الخارج.
وفي السياق، دعت الولايات المتحدة رعاياها إلى “مغادرة سوريا فورا طالما أن وسائل نقل تجارية لا تزال متوفرة”. وجاء في مذكرة تحذيرية من وزارة الخارجية الأميركية انه بعد ستة اشهر من الاحتجاجات والقمع العنيف، يتعين على الأميركيين الذين سيبقون في البلد العمل على “الحد من تنقلاتهم غير الأساسية”.
ومن ناحيته، أكد البرلمان الأوروبي أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته بسبب استعمال القوة ضد المتظاهرين ودعاه الى التنحي “فوراً”. الى ذلك اتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس السوري بأنه لم يف بالوعود الكثيرة التي قطعها ودعا الى القيام بعمل دولي “موحد” ضد النظام السوري. وقال بان كي مون في مؤتمر صحفي إنه يجب القيام بعمل بعد أن تجاهل الأسد “الدعوات الملحة” من الجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية.
ويحاول المعارضون الاستمرار بعمليات التظاهر رغم أنها لم تنجح حتى الآن من تشكيل حالة ضاغطة تفقد النظام السيطرة على زمام الحكم، وقد دعا “النشطاء” إلى مظاهرات حاشدة بهذه المناسبة فيما سمّوه “جمعة ماضون حتى إسقاط النظام”.
ووفق آخر إحصائية للأمم المتحدة، قتل منذ انطلاق التظاهرات في منتصف آذار (مارس) الماضي حوالي 2600 سوري، في حين تقول دمشق أن عدد القتلى حوالي ١٤٠٠ نصفهم من العسكريين.
في غضون ذلك، تواصل قوى الأمن والجيش عمليات واسعة في مناطق مختلفة من البلاد لملاحقة العصابات المسلحة، على حد قولها. وقد تمكنت القوى الأمنىة من تحقيق نجاحات لافتة أبرزها القاء القبض على المقدم المنشق حسين هرموش الذي نال تغطية واسعة في وسائل الإعلام المعادية للنظام السوري، بعد تشكيله وترؤسه “لواء الضباط الأحرار”.
وقد أكدت مصادر سورية معارضة، لموقع “الجزيرة.نت” أن هرموش تعرض للاختطاف من تركيا، في حين قالت مصادر أخرى إن تركيا سلمته إلى سوريا.
من جهته، يواصل النظام السوري تجاهل الإدانات الدولية. وقالت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في تصريحات نشرتها الصحافة المحلية إن “الأولوية الان في سوريا هي لاستعادة الأمن والاستقرار والسير قدما بالإصلاحات التي بدات بشكل حثيث”. وأضافت “ما تواجهه سوريا من ضغوط غربية يأتي كجزء من مخططات كبرى في الغرب من أجل تفتيت العالم العربي”.
ويدعم الموقف الرسمي السوري، نظيره الروسي، حيث حذرت موسكو، من أن “منظمات إرهابية” قد تعزز وجودها في سوريا إذا ما سقط النظام السوري تحت ضغط الاحتجاجات، فيما رأى وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن “سوريا تتصدى لحملة شرسة مرتبطة بمخططات خارجية وذلك من خلال وعي شعبها ووحدته الوطنية ودعمه للإصلاحات الشاملة التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد”.
ونقلت وكالة “انترفاكس” عن رئيس “إدارة التحديات والتهديدات الجديدة” في وزارة الخارجية الروسية ايليا روغاتشيوف قوله “إذا لم تتمكن الحكومة السورية من الاحتفاظ بالسلطة، فهناك احتمال كبير أن يترسخ وجود متشددين وممثلين لمنظمات إرهابية”. وحذر روغاتشيوف من أن التدخل العسكري الغربي يهدد بخلق بؤر جديدة للأنشطة المتطرفة في منطقة تضررت بالفعل من الحرب في العراق. وكان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قال، الأسبوع الماضي، إن بعض المعارضين السوريين يمكن ان يوصفوا بـ”إرهابيين”.
وجاءت التصريحات الروسية في احدث تصعيد في الحـرب الكلامية بين موسكو والدول الغربية حول سوريا. ورفضت موسكو دعم العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على النظام السوري، موضحة انه يجب الضغط بشكل مماثل على المعارضين الذين يرفضون المشاركة في محادثات مباشرة مع الأسد.
وفي دمشق، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن وزير الخارجية وليد المعلم شرح لنائب وزير خارجية فنزويلا تيمير بوراس، في دمشق، “خلفية وأبعاد ما تتعرض له سوريا من حملة شرسة مرتبطة بمخططات خارجية، وتصدي سوريا لهذه الحملة، من خلال وعي شعبها ووحدته الوطنية ودعمه للإصلاحات الشاملة التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، مشيرا إلى أن “الحرب الإعلامية التي تشن على سوريا تقوم على أساس التضليل وعدم المصداقية”.
عربياً
ومع فشل الضغوط الغربية في تضييق الخناق على النظام السوري، برز عربياً التوتر السوري-القطري في الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد الثلاثاء الماضي ودعا الى وقف إراقة الدماء في سيوريا.، وظهر لدبلوماسيين أن استحواذ القطريين على رئاسة مجلس الجامعة بدلا من الفلسطينيين كما كان مقررا، يزيد من احتمال أن “ثمة ما تحضر له قطر اتجاه دمشق”.
وقد ظهر جليا افتراق السبل بين الطرفين في الاجتماع الوزاري في القاهرة حيث تجاهل رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لمرات متكررة رغبة الجانب السوري في الإشارة إلى الضحايا من العسكريين الذين سقطوا في الأزمة الراهنة، وذلك برغم رغبة العديد من الدول العربية بذلك، وبينها السعودية وسلطنة عمان. وهو ما انتهى في الختام إلى المطالبة “بتجنيب المواطنين” العنف، بعد أن كان البيان يركز على الضحايا المدنيين.
كما رفض المسؤول القطري، وفقا لبيان السفارة السورية في القاهرة، التطرق لمبادرة صاغها السوريون وتهدف لاستصدار قرار من الجامعة العربية يعكس إرادة عربية جامعة للإصلاح السياسي. وكان واضحا من المبادرة، التي جاءت في صفحة ونصف الصفحة، أن دمشق ترغب في إحراج بعض الدول العربية، ولا سيما قطر، التي “تشكل رأس حربة” على القيادة السورية حاليا من دون أن تتمتع بأبسط “المعايير المدنية ولا سيما وجود دستور للدولة”.
فقد وزع الوفد السوري المشارك في اجتماعات الوزراء العرب على الصحفيين مشروع “مبادرة بشأن تعزيز مسيرة الديموقراطية والاصلاح وحقوق الانسان في الوطن العربي” ولكنها لم تتطرق الى الوضع السوري على وجه الخصوص. ودعت المبادرة المقترحة الى ان تستند “الدول العربية في نظمها الداخلية الى مبادرة عربية اقليمية تجعل من الديموقراطية وحقوق الانسان اساسا لها”.
وتؤكد المبادرة ان تنفيذ ذلك يتطلب خصوصا “العمل على رفع حالة الطوارئ في البلدان التي تزال تطبق هذه الحالة والغاء محاكم امن الدولة في البلدان” التي لديها مثل هذه المحاكم و”الدعوة الى حوار وطني شامل تشارك فيه كافة الفعاليات والمكونات الاساسية للمجتمع للوصول الى صيغة دستورية تضمن اشراك الجميع وسيادة القانون وعدم التمييز وتأكيد الحقوق الاساسية للانسان وانشاء مجالس الشعب والبرلمانات”.
وطالب وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم الثلاثاء الماضي بـ”وقف اراقة الدماء” قبل ايفاد وفد من الامانة للجامعة العربية الى دمشق سيكون بمثابة “لجنة لتقصي الحقائق”. واكد الوزراء العرب في بيان اصدروه في ختام اجتماعهم انه “جرى التداول في مختلف الابعاد المتصلة بالازمة في سوريا وسبل مساهمة الجامعة العربية في معالجتها بما يضمن تطلعات الشعب السوري وضمان امن سوريا واستقرارها ووحدة اراضيها ومنع التدخلات الخارجية”.
وقال الامين العربي في مؤتمر صحفي مشترك مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم في ختام الاجتماع الوزاري ان الرئيس السوري بشار الاسد “وافق على ايفاد وفد من الجامعة العربية ولكن المجلس (الوزاري للجامعة) ارتأى ان يتم وقف اطلاق النار قبل ان يذهب الوفد”.
واوضح العربي ان السلطات السورية وافقت خلال الزيارة التي قام بها لدمشق السبت الماضي “على وقف العنف مع الاحتفاظ بحق الدولة في ملاحقة المجرمين” كما وافقت على “الافراج عن دفعة من المعتقلين وفتح المجال امام وسائل الاعلام” لزيارة سوريا.
وكان نبيل العربي عرض مبادرة عربية على الاسد تقضي باجراء انتخابات رئاسية تعددية في 2014 وانتخابات نيابية قبل نهاية العام الجاري. وتنص المبادرة العربية على اصدار “إعلان مبادئ واضحة ومحددة من قبل الرئيس يحدد فيه ما تضمنته خطاباته من خطوات إصلاحية، كما يؤكد التزامه بالانتقال إلى نظام حكم تعددي وأن يستخدم صلاحياته الموسعة الحالية كي يعجل بعملية الإصلاح والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية تعددية مفتوحة للمرشحين كافة الذين تنطبق عليهم شروط الترشيح في عام 2014 موعد نهاية الولاية الحالية للرئيس”.
Leave a Reply