فراس حمادة
قد رحل بجسده عن الكون اللاأدري الذي قال في النظام الكوني أنه الإبداع الأكبر. قد رحل للقاء بارئه من آمن أن الله ترك الكون لمصير عشوائي بعد أن أبدعه وأحكم إتقانه رحل ستيفن هوكينغ بعد أن غاص عميقاً في سبر أغوار الكون إلا أنه حار ملياً في علة التكوين.
مدهش أمر هذا الفيزيائي. إنه عجيبة من عجائب دهرنا تنضم إلى لوحة الإعجاز في هذا الكون. هو نسيج وحده، متفرد في حياته بمزايا وغرائب ليس لها مثيل.
إنه إستثنائي في مولده وتفكيره وفي نشأته وموته وحياته. هو العبقري المتميز في عالم الفيزياء والفلكي الجهبذ.
ولد بمحض الصدفة في نفس اليوم الذي توفي فيه غاليليو غاليلي مخترع أول منظار، والرجل الذي كان أول من ألقى نظرة على الكون وما فيه بتليسكوب وذلك بعد إنشاء مرصد مراغة بعدة قرون.
أيضاً، توفي هوكينغ في ١٤ آذار (مارس) من هذا العام، وهو اليوم نفس وفي نفس اليوم الذي ولد فيه العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين قبل نيف وثلاثة عشر عقداً.
إنه إستثنائي بندرة مرضه العضال الذي أصابه في مقتبل العشرينات. وهو استثنائي في إرادته إذ أنه من غير المألوف لشخص مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري كان قد توقع له الأطباء العيش فقط لسنتين، وبالرغم من شلله، أن يصل إلى ذروة تحصيله العلمي وأن يتسنم أرقى البحوث الفيزيائية والفلكية في العالم.
إن في سيرته لآية على قوة الروح والإرادة التي تتحدى أقسى علل وأوهان الجسد.
ومن استثنائيته، أنه رغم عدم تسليمه بأن مصير الكون وما يؤول إليه بيد الخالق، وفي تعليل الدقة في تناغم وترابط الوظائف التكوينية للظواهر الطبيعية، ينحو نحو الفلاسفة اللاهوتيين فيسلم عقلاً بأن كل شيء قد خلق بقدر.
إذ يقول في كتابه «التصميم الكبير للكون» إن المسافة بين الشمس والأرض هي ما يجب أن تكون عليه ليتسنى وجود الماء وبالتالي الحياة على وجه الأرض، وأي خلل في تلك المسافة مخل بوجود الحياة على كوكبنا. وأن حجم الشمس هو ما يجب أن تكون عليه لتقدر أن تحترق لمليارات السنين كمدة كافية للسماح بنشوء الحياة… وإن حجماً أقل للشمس مؤداه مدة زمنية أقل للاحتراق لا تسمح للتفاعلات الكونية المتلازمة والمتتابعة، كلاً في دائرته، لبلوغ الذروة الضرورية لإنتاج الحياة.
لكنه في الوقت نفسه –وتأثراً بأجوائه الثقافية الإلحادية السائدة والتي يبدو أنه أُخذ بها– نزع إلى الشك بمرجعية الخلق إلى خالق مدبر حكيم، فلجأ إلى تفسير خرافي معقد محتملاً وجود ملايين الأكوان التي لم تنتج حياة حتى انتهى «الانفجار الكبير» Big Bang لكوننا هذا، وأدى إلى إنتاج حياة متجاهلاً علة الإنفجار الأول لكل كون ومطلقا العنان لخياله.
فمسألة خلق الكون ومراحله بالنسبة له لا تعدو كونها محض صدفة.
إن حجة الملحدين في إنكار الخالق هي أنه كيف لخالق عادلٍ أن يخلق هذا الخلق الناقص فيتعذب كل عمره بسبب مرضه العضال غافلين أو متغافلين عن أن الله الذي ابتلى هوكينغ في جسده –كما ابتلى أيوب– عوضه بالنعمة الكبرى وهي نعمة العقل وسلامة الدماغ الذي سيخلده التاريخ.
سيكتب التاريخ أن ستيفن هوكينغ الذي أنكر وجود العالم الآخر، أو عالم ما وراء الطبيعة، أمضى الكثير من أيامه الأخيرة يبحث عن إثبات وجود عوالم مادية أخرى موازية لعالمنا هذا.
Leave a Reply